لم يخسر الملاكم البريطاني أنتوني جوشوا أي نزال على حلبة الملاكمة، وفاز في جميع المباريات بالضربة القاضية. لكنه سيواجه نهاية هذا الشهر الملاكم الأوكراني المخيف فلاديمير كليتشكو. فهل يدخل جوشوا هذه المباراة وهو متوتر وكيف استعد لها؟ هذا هو ما سيتحدث عنه البطل البريطاني في هذا اللقاء.
كنا نحاول منذ فترة إجراء حوار مع جوشوا، لكنه كان مشغولا للغاية. وبعد أشهر من محاولة العثور على موعد في جدول أعماله المزدحم، نجحنا أخيراً في لقائه خلال عطلة نهاية الأسبوع في واتفورد. وفي غضون 24 ساعة، تغير الموعد إلى يوم الجمعة في شيفيلد.
وقبل أيام من مباراته القوية أمام الملاكم الأوكراني فلاديمير كليتشكو، لم يترك جوشوا البالغ من العمر 27 عاما شيئا للصدفة. ولا تعكس الأجواء المريحة من حول الملاكم البريطاني شعوره بسهولة اللقاء أمام الأوكراني المخضرم البالغ من العمر 41 عاماً، والذي خسر نزاله الأخير أمام البريطاني تايسون فيوري عام 2015. يقول جوشوا: «ما أقوله في الوقت الحالي هو أنني أعمل بنفس القوة التي بدأت بها الملاكمة عام 2005».
وعند الساعة العاشرة صباحا، عاد جوشوا من الركض لمسافة أربعة أميال في مكان عام وسط الناس. وعندما سألته عن ذلك، رد قائلا: «نعم، أنا أوجد بين الناس، وهذا شيء جيد. أعتقد أن الملاكم يجب أن يكون واحداً من الناس. إنها مدرسة قديمة في التفكير، أليس كذلك؟»
ولعل الشيء الغريب هو أن جوشوا لم ينشأ على حب الملاكمة ولم يكن يشاهد النزالات بين الملاكمين الكبار، وحول ذلك يقول: «لم أشاهدها مطلقاً، ولم أكن مهتماً بالرياضة، لكني أحب الترفيه. وكان من الممكن أن أكون عاشقا لكرة القدم وأن أذهب مع أصدقائي لمشاهدة المباريات، لكني لسبب ما لا أفهم الطريقة التي تنظم بها بطولات كرة القدم، وما هو الهدف من إقامة مباريات ودية؟ فهل يمكن مثلا أن أذهب إلى ويمبلي وألعب مباراة ودية أمام كليتشكو!»
وثمة مفارقة كبيرة، فجوشوا ملتزم بشكل استثنائي، إذ ينصب كامل تركيزه في حياته ومستقبله على «الحلبة ثم الحلبة ثم الحلبة» ولا شيء غير ذلك، فليس لديه وقت للصديقات أو الحفلات أو النوادي، ولا يعيش حتى حياة المشاهير بالشكل الذي نعرفه، فهو لا يزال يعيش مع والدته، التي تعمل أخصائية اجتماعية في شمال لندن، ولديه ابن رضيع من صديقته السابقة نيكول أوزبورن، لكنه يعتقد أنه لن يكون قادرا على قضاء وقت كافٍ مع نجله إلا عندما يعتزل الملاكمة.
وكثيرا ما يتم الحديث عنه وكأنه سلالة جديدة من الملاكمين المحترفين، فهو منظم ودائما ما يفكر في المستقبل، ويميل إلى جمع مبالغ كبيرة من المال. وعلاوة على ذلك، دائما ما يظهر جوشوا هادئا في المؤتمرات الصحافية، ولا يتحدث بصورة غير لائقة على الإطلاق. وقد حدثت ثورة هائلة على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة عندما نشر الملاكم البريطاني صورة له وهو يصلي في أحد المساجد في دبي - إنه ليس مسلما، لكنه كان مع صديق مسلم، ويحب فكرة تبني الثقافات والأديان الأخرى - وهو ما أدى إلى زيادة متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي بـ16 ألف متابع جديد خلال 24 ساعة.
وبالإضافة إلى ذلك، يعد جوشوا بمثابة حلم لأي شخص يعمل في مجال التسويق، فهو يتمتع بشعبية جارفة وليس مثل الملاكمين الذين يمكن أن يمشوا في الشارع أو في أي مكان عام دون أن يتعرف عليهم أحد.
وهنا تكمن المفارقة، فعندما وصل جوشوا إلى عامه الثامن عشر لم يكن يفكر مطلقا في الملاكمة، وكان أول نزال له للهواة في عام 2007، قبل أن يحصل على الميدالية الذهبية في الوزن الثقيل في دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012. ولم يتحول جوشوا إلى احتراف الملاكمة إلا قبل أربع سنوات فقط. ولم يحقق الملاكم البريطاني الفوز في جميع المباريات التي خاضها فحسب، ولكنه فاز بها جميعا بالضربة القاضية. ولم ينجح سوى ملاكمين اثنين فقط في أن يستمرا أمامه داخل الحلبة لما بعد الجولة الثالثة، فكيف حدث كل ذلك؟. تكمن الإجابة على هذا السؤال في الملاكم السابق «مايك تايسون»، الذي يعد الملهم الأكبر لجوشوا (لكنه يسرع في الإشارة إلى أن الأمر لا ينطبق على سلوك تايسون خارج الحلبة). كان جوشوا مراهقاً في واتفورد ويعرف آنذاك باسم «فيمي»، وكان لديه مجموعة من الأصدقاء لا يفارقونه ويتحركون سويا وكأنهم شخص واحد. وكان والداه قد انتقلا من نيجيريا إلى واتفورد كشبان بالغين، وعاشت عائلته - لديه شقيقتان وأخ - في «ميريدن ستات». وفي فيلم وثائقي على شبكة سكاي سبورتس، تحدث جوشوا عن نشأته السعيدة بشكل استثنائي، مشيراً إلى أنه كان يعرف الجميع، بما في ذلك صديق لأحد أصدقاء جيري هاليويل، وكان يلعب كرة القدم ويجلس في المقاهي محلية. ولكن في نهاية المطاف قادته تلك الحياة إلى بعض المتاعب، فكان يتشاجر ويشعل النيران وأصبح معروفاً لدى الشرطة، كما كان يدخن. وعندما انتقل والداه إلى لندن، ظل في واتفورد، لكنه اضطر في النهاية للانتقال هو الآخر.
يقول جوشوا: «أردت أن أبرهن على أنه يمكنني تحقيق ما أريد بمفردي. أنا لست بحاجة إلى أن أكون مع كل هؤلاء الرجال من حولي، وأنه يجب أن يكون لدي شخصيتي المستقلة وأن أحظى باحترام الجميع. وبدأ جوشوا يرفع الأثقال و«ينقي» نفسه من أي أمور خاطئة، وكان يقضي الكثير من الوقت مع ابن عمه، بن إليمي، وهو أيضاً ملاكم محترف.
وبدأ جوشوا يرى كيف جعلته الملاكمة أفضل من الناحية البدنية في الصالة الرياضية، وبدأ يفكر في تايسون وكيف أنه «بنى إمبراطوريته الخاصة». وبدأ جوشوا يفكر في كيفية الانتقال إلى المستوى المقبل.
يقول جوشوا إن ما لفت نظره في تايسون هو أنه كان صبيا عاديا، ويضيف: «لم يكن ملاكما منذ الصغر، فقد أخذوه من الظروف الصعبة التي كان يعيشها إلى حلبة الملاكمة، ونجح الفريق من حوله في تطوير قدراته حتى أصبح أحد أفضل ملاكمي الوزن الثقيل اللذين يخشاهم الجميع على مر العصور. لذا، أنظر إلى الأمر وكأنه قد تم إعادة بناء شخص، ولذلك عندما انتقلت إلى الملاكمة رأيت أنه إذا ما عملت بقوة وأحطت نفسي بالأشخاص المناسبين وكرست حياتي لتلك اللعبة، فيمكنني حينئذ أن أصبح ملاكما جيدا».
وتطرق جوشوا للمراحل الأولى له في الملاكمة قائلاً: «كنت أريد فقط أن أحصل على المال»، لكن الفوز بات يمثل شيئاً أكبر من ذلك الآن بالنسبة له. وعن الشعور الذي ينتابه عندما يفكر في النزال القوي أمام كليتشكو في ويمبلي في التاسع والعشرين من أبريل (نيسان) الحالي؟ قال: «قد يكون الملاكم الأوكراني أكبر في السن، لكنه ملاكم قوي للغاية ويحتفظ بألقاب العالم الثلاثة، ولم يخسر سوى أربع مرات فقط خلال 68 مباراة خاضها كملاكم محترف». ويؤكد جوشوا على أنه لا يقلل من شأن كليتشكو، وأنه يسعى لتحويل نقاط الضعف لديه إلى نقاط قوة حتى يمكنه الفوز في تلك المباراة.
جوشوا: التواضع سر البطولة
الملاكم البريطاني يستعد لخوض أهم اختبار في مسيرته أمام كليتشكو السبت المقبل
جوشوا: التواضع سر البطولة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة