كاتب سيرة ماركيز لـ«الشرق الأوسط»: أراد «مائة عام من العزلة» عمله الأول

50 عاماً على صدور الرواية الأشهر لـ{غابو}

جيرارد مارتن  -  ماركيز
جيرارد مارتن - ماركيز
TT

كاتب سيرة ماركيز لـ«الشرق الأوسط»: أراد «مائة عام من العزلة» عمله الأول

جيرارد مارتن  -  ماركيز
جيرارد مارتن - ماركيز

يذكر غابرييل غارسيا ماركيز دائماً أنه في عام 1966 عندما انتهى من تأليف أشهر كتبه على الإطلاق «مائة عام من العزلة»، بعد 18 شهراً من العمل اليومي المستمر، كان فقيراً للغاية، لدرجة أنه لم يكن يملك ما يكفي من المال لإرسال 590 صفحة من النسخة النهائية لروايته، من مكسيكو سيتي إلى بوينس أيريس... هذه الرواية التي انتقلت به فور نشرها إلى قمة الأدب العالمي بعد شهور قليلة فقط، وكانت سبباً رئيسياً في فوزه بجائزة نوبل للأدب.
وخلال حفل تكريم أقيم على شرفه في كولومبيا عام 2007، قال «غابو»، الاسم الذي يدعوه به محبوه، أن القدر القليل من المال الذي كان يملكه هو وزوجته مرسيدس كان كافياً فقط لإرسال الجزء الثاني من الرواية للنشر. كان المحرر مفتوناً للغاية بهذه الرواية، على الرغم من أنه قرأ الجزء الثاني منها؛ المنتصف وحتى النهاية فقط، ثم أرسل ما يكفي من المال إلى غابو من أجل أن يبعث إليه بالجزء الأول من الرواية.
تُرجِمت « مائة عام من العزلة» إلى أكثر من 32 لغة حول العالم، ويُعتقد أن أكثر من 50 مليون شخص على مستوى العالم قد قرأوها.
وبمناسبة مرور 50 عاماً على صدورها، الذي يصادف الشهر المقبل، تنشر «الشرق الأوسط» هذا الحوار الحصري مع كاتب سيرة ماركيز، الكاتب البريطاني جيرارد مارتن، حول أهمية هذا العمل الروائي، ومدى ارتباطه بالثقافة العربية.
* بالنسبة لك، ماذا تعني رواية «مائة عام من العزلة»؟
- إنني أعتبرها أهم رواية نُشِرَت في أي مكان خلال السنوات الخمسين الماضية. إنها رواية مؤلَّفَة حول ما كان يُطلق عليه «العالم الثالث أو العالم النامي». وهي تبشر بوصول ما يسمى بـ«القرية العالمية» (مارشال ماكلوهان)، وبعبارة أخرى، الاقتصاد والثقافة المعولمة التي نراها في كل مكان حولنا اليوم.
* ما أهمية رواية مائة عام من العزلة بالنسبة للأدب في أميركا اللاتينية؟
- إنها الرواية الأكثر أهمية والأكثر نجاحاً فيما يُسمَّى بـ«طفرة» أميركا اللاتينية في حقبة الستينات من القرن الماضي. وكانت أول رواية في أميركا اللاتينية تجذب القراء من كل أنحاء العالم. ولقد أصبحت من النصوص الإبداعية المميزة في الهوية الأميركية اللاتينية.
* ما سر نجاح هذه الرواية في رأيك؟
- إنها رواية تدور حول تاريخ الأمة وكل منا ينتمي إلى أمة من الأمم. وفي الوقت ذاته، فهي عبارة عن ملحمة عائلية وكل منا له عائلة. والرواية ممتعة للغاية، ومع ذلك فهي توحي بحزن عميق، وهي تشي بالضياء والظلام في آن واحد، كما أنها سهلة القراءة، وهي في الوقت نفسه مفعمة بكثير من العمق والتعقيد.
* هل كانت هذه الرواية تجسيداً للمجتمع الكولومبي أو لمجتمعات أميركا اللاتينية بأسرها؟
- أجل، من الناحية التاريخية كانت قارة أميركا اللاتينية وعلى الدوام هي أكثر قارات العالم عُزلَة. وذلك هو السبب وراء إدراج تيمة «العزلة» وأهميتها الفائقة في نسيج الرواية. ولكن حتى داخل هذه القارة، كان التواصل من أبلغ المشكلات، في الداخل وبين مختلف المجتمعات، ويعكس غارسيا ماركيز هذا المعنى بأساليب مختلفة وكثيرة من خلال مجموعة متنوعة وكبيرة من الشخصيات. ويرى النقاد أيضاً أن الرواية تمنح القراء صورة ثاقبة للغاية عن العلاقات بين الرجال والنساء في قارة أميركا اللاتينية.
* وفقاً للنقاد، عكس غارسيا ماركيز «الواقعية السحرية» في العالم المعاصر، فما الذي يعنيه هذا الأمر؟
- خاض النقاد الكثير من المناقشات حول هذا الأمر. وأغلبهم يرى بأن هناك مزيجاً من العناصر الواقعية والرائعة في نص الرواية. وفي رأيي الشخصي، رغم ذلك، فإن الواقعية السحرية هي المزيج الأكثر تميزاً (والأكثر إثارة للاهتمام)، وكذلك تضمنت الرواية كثيراً مما يُمكن من ملامح أو «عناصر العالم الثالث» من دون أي تمييز بينهما. الأحداث الواقعية والأحداث السحرية، أو الأسطورية، أو الخرافية مجسَّدة بالأسلوب ذاته، وضمن مستوى الحقيقة نفسه.
* لقد عرفت غارسيا ماركيز على نحو عميق، بصفتك مؤلِّف سيرته الذاتية. لماذا تعتقد أنه كتب هذه الرواية في المقام الأول؟
- لقد كان الكتاب الأول الذي رغب دائماً في تأليفه عندما كان في السابعة عشرة من عمره. وكان من المقرر أن يحمل اسم «لا كازا» أو «المنزل». ولقد أراد من خلاله إعادة تشكيل تجارب الطفولة في منزل جده، العقيد نيكولاس ماركيز، في اراكاتاكا، بكولومبيا. ولكن في أول الأمر لم تتوفر لديه الخبرة الأدبية لتلبية طموحه، ولم يجد الرؤية الدقيقة والتقنيات السردية التي يحتاج إليها للكتابة والتأليف إلا مع بلوغ الأربعين عاماً من عمره.
* من الذي أو ما الذي أثَّر في شخصيته؟
- كل كاتب يمكن أن يخطر ببالك قد أثّر عليه، من كتاب النصوص الدينية وحتى الراهب الفرنسي فرنسوا رابلييه. وفي قارة أميركا اللاتينية كان أهم تأثيرَيْنِ من المكسيكي خوان روفلو والأرجنتيني جورجي لويس بورغيس. وربما أيضاً ميغيل أنجيل استورياس من غواتيمالا، أول وأكبر رواة تيار الواقعية السحرية الحقيقيين.
* ما أوجه الشبه التي وقفتَ عليها بين رواية «مائة عام من العزلة» وحياة غابرييل غارسيا ماركيز الحقيقية؟
- كل شيء تقريباً مذكور في تلك الرواية مستمد من تجارب غارسيا ماركيز الخاصة. وشخصية الرواية الرئيسية، الكولونيل أوريليانو بوينديا، هي نوع من التجسيد الروائي لشخصية غابرييل غارسيا ماركيز نفسه، ويظهر أفراد آخرون من عائلته، متحولين إلى شخصيات روائية أخرى.
* ما العلاقة بين هذه الرواية والثقافة العربية؟
- كان هناك عدد كبير من السكان العرب في مدينة كوستا الكولومبية حيث نشأ وترعرع غابرييل غارسيا ماركيز، مما كان له أبلغ الأثر والإسهام في الثقافة المحلية. وكان يعرف الكثير من المواطنين العرب في كل من اراكاتاكا، وسوكريه، وهي البلدات التي قضى فيها أغلب أيام طفولته وشبابه. وهناك فروع عدة لعائلة غابرييل غارسيا ماركيز حيث كان والد زوجته مصريا. وهناك الكثير من الإشارات إلى العرب العادات والتقاليد والثقافات العربية في رواية «مائة عام من العزلة»، وفي غيرها من الروايات التي ألفها غابرييل غارسيا ماركيز، ومن أبرزها رواية «وقائع موت معلن».
* هل تعتبر هذه الرواية وسيلة من وسائل التواصل الثقافي مع الأدب في أميركا اللاتينية؟
- أجل، إنها من أشهر وأنجح وأكثر روايات أميركا اللاتينية شعبية، وربما أكثرها تجسيداً كذلك. وبالإضافة إلى ذلك، فهي كمثل الاستعارة لتطور هويات أميركا اللاتينية في العالم.
* يقول قسم كبير من النقاد إن ماركيز هو أعظم كتاب أميركا اللاتينية؟
- هذا سؤال مفعم بالتعقيد! إنه بكل تأكيد أكثر الروائيين شهرة، وهو الحائز على جائزة نوبل للأدب، وعلى الأرجح هو الأكثر شعبية في تاريخ من نالوا هذه الجائزة الكبيرة، ورواية «مائة عام من العزلة» هي من دون شك أكثر الأعمال الأدبية شهرة وتجسيداً لواقعنا. ولذلك، ربما إنه كذلك! وهو بكل تأكيد من ضمن الحفنة القليلة من كبار الكتاب، استناداً إلى ذوقك الأدبي الخاص ووجهة نظرك الخاصة.



«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو
TT

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

تنبع أهمية كتاب «أنقذ القطة»، الذي صدرت ترجمته مؤخراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة من كون مؤلفه بليك سنايدر أحد أشهر كتاب السيناريو في هوليوود، لا سيما عبر مسلسلات «ديزني» التلفزيونية. ورغم أن الكتاب الذي ترجمته غادة عبد العال معني أساساً بتقديم نصائح لكتاب السيناريو الجدد، فإن المؤلف يستخدم أسلوباً طريفاً يجنح إلى البساطة والسخرية في التعبير عن أفكاره بشكل لافت.

يتضح ذلك من خلال طريقة سرد المؤلف لبعض المفاهيم الأساسية في فن كتابة السيناريو وفي صناعة السينما بشكل عام مثل «المنحنى - القوس»، الذي يشير إلى التغييرات التي تطرأ على خبرات الشخصية منذ تشكلها على الورق، في بداية وعبر وسط وحتى نهاية السيناريو. إنه المصطلح الذي سوف يسمعه السيناريست الشاب أكثر من أي شيء آخر في اجتماعات مناقشة السيناريو الذي تقدم به إلى جهات الإنتاج. يسأله الجميع: «ما منحنى تطور البطل؟» أو «هل منحنى تطور هذه الشخصيات كاف؟»، بينما يجيب السيناريست الشاب بداخله في سخرية: «ما منحنى تحمل صبري على الجلوس هنا والإنصات لهذه التساؤلات التي لا تنتهي؟».

وهناك كذلك مصطلح «في نهاية اليوم»، الذي يستخدمه الوكلاء ومديرو الأعمال للإشارة إلى أنهم على وشك إخبارك بأخبار سيئة مثل قولهم: «نحب جداً السيناريو ونظن أنه سيكون ممتازاً بالنسبة إلى جوليا روبرتس، لكن في نهاية اليوم، هل هي فعلاً بحاجة إلى عمل فيلم موسيقي في العصور الوسطى؟».

ويذكر المؤلف أن «ثقوب سوداء» مصطلح أو مفهوم يشير إلى تلك الأوقات التي يعجز فيها المؤلف الشاب عن استكمال السيناريو لأنه لا يعرف كيف يطور شخصياته، أو يدفع بالأحداث إلى الأمام، فيجد نفسه يتساءل فيما جعله يحترف هذا المجال، في حين كان بوسعه أن يدخل كلية الحقوق أو ينضم إلى الجيش.

ويؤكد المؤلف أنه بعد أن يبيع السيناريست نصه السينمائي إلى استوديو وبعدما وقعوا معه عقداً لإعادة الكتابة، من الجائز أن يطردوه ثم ينتجوا الفيلم ويرسلوا إليه نسخة من مسودة السيناريو بعد إعادة كتابته. هنا يُصعق السيناريست من اكتشاف أن النص تغير بطرق غبية في الغالب، بطله «بوب» صار اسمه «كارل» وبدلاً من السيارة «البونتياك» أصبح يقود سيارة «بويك».

ويخاطب المؤلف السيناريست الشاب الذي يتعرض لمثل هكذا موقف قائلاً: «أنت ضحية محاولة سطو على حقوق الملكية، يفعلها شخص يسعى لوضع اسمه على فيلم ويظن أنه بقيامه بهذه التعديلات سيصبح النص نصه، لهذا لدينا لجنة تحكيم حقوق الملكية في نقابة المؤلفين الأميركيين الذين يقررون من الذي فعل هذا بك». ويعلق بليك سنايدر قائلاً: «قد لا تحصل على حقوقك، لكن ألا تتفق معي أن هوليوود مدينة عظيمة؟».

وعندما يبدأ الملل في التسلل إلى النص السينمائي، يحضر ما يسميه كثيرون «صاروخ التعزيز» ويقصد به اختراع شخصية أو موقف تستعيد من خلاله حيوية النص وتضفي نوعاً من البهجة والإثارة على الأحداث، لكن المؤلف يستخدم لوصف هذه الحالة مصطلحاً آخر أكثر طرافة هو «طبيب السيناريو».

ويشير المؤلف إلى أن هناك ما يعرف بـ«الخطَّاف» ويقصد به وضع جملة شديدة الجاذبية على الملصق الدعائي للفيلم إلى جوار العنوان بحيث «تخطف» الجمهور وتجعله يقرر الذهاب إلى السينما ليشاهد هذا الفيلم. وتلك الجملة تختلف عما يسمى «الجملة الملخصة» أو «السطر الواحد»، وهو ما يكتبه السيناريست في بداية نصه السينمائي بحيث يلخصه بشكل مشوق وساحر للمنتج والمخرج وفريق التمثيل، وليس للجمهور هذه المرة. إنه إذن فن السيناريو وخدعه المغوية التي تتنوع في هذا الكتاب الشيق.