بروفايل: «الرباعي الرئاسي» الفرنسي

بروفايل: «الرباعي الرئاسي» الفرنسي
TT

بروفايل: «الرباعي الرئاسي» الفرنسي

بروفايل: «الرباعي الرئاسي» الفرنسي

* جان لوك ميلانشون
نجح جان لوك ميلانشون الخطيب المفوَّه والاشتراكي السابق الذي أصبح وجه اليسار الراديكالي، في فرض نفسه تدريجياً على مرّ الحملة كمرشح اليسار الراديكالي للرئاسة الفرنسية.
ويثير ميلانشون الذي يتبع في خطابه مبدأ «التحدث بإسهاب وبلا مواربة»، مشاعر متعارضة، فيندد خصومه بشعبوي يساري فيما يشيد أنصاره بـ«مدافع عن الشعب بوجه القلة الحاكمة»، وقد اختار هذا السياسي المعجب باليسار الأميركي اللاتيني شعاراً لحملته «فرنسا المتمردة».
وارتقى بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة إلى المرتبة الثالثة بين المرشحين، منافساً مرشح اليمين فرنسوا فيون، وخلف زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، والوسطي إيمانويل ماكرون.
المرشح الملقب «ميلوش» الذي درس الفلسفة معجب بالثوري الفرنسي ماكسيميليان روبسبيار، كما بالرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، من مسؤولي الحزب الاشتراكي على مدى ثلاثين عاماً، قبل أن يخرج منه، وهو اليوم من أشد منتقدي الحزب الاشتراكي من يساره، فيما ينتقده إيمانويل ماكرون من يمينه.
لم يفقد ميلانشون في سن الـ65 أياً من راديكالية مواقفه، غير أنه بات أكثر ميلاً للفكاهة ويحسن إطلاق عبارات قوية تنطبع في الأذهان، متخلياً عن نوبات غضبه العنيفة التي شكَّلَت لفترة طويلة سمةً له.
طلاقة هذا السياسي الفرنسي المخضرم تجعله يحصد أعداداً قياسية من المتابعين على الإنترنت، حيث تضعه شبكته على موقع «يوتيوب» في طليعة السياسيين الفرنسيين، ويترقب أكثر من مليون متابع له على «تويتر» نوادره وتعليقاته الساخرة.
يقول أحد رفاقه السابقين النائب السابق جوليان دراي: «إنه ابتكر العرض الكوميدي السياسي، أصبح استعراضياً. هذا الأسلوب يسمح له بتفادي توجيه انتقادات عنيفة للغاية. بات يتبع نهجاً تعليمياً. إنه الأستاذ السابق الذي يلقي درساً عن العالم وكيفية تغييره».
ولد ميلانشون في طنجة بالمغرب، وكان ناشطاً طلابياً من التيار التروتسكي، ثم انضم إلى الحزب الاشتراكي في الـ25 من عمره. انتُخِب عن منطقة إيسون بضاحية باريس، وشارك في الحكومة بين 2000 و2002 وزيراً منتدباً للتعليم العالي.
كان على خلاف شديد مع الحزب الاشتراكي وزعيمه آنذاك الرئيس الحالي فرنسوا هولاند، ما حمله في 2008 على الخروج من الحزب. تحالف مع الشيوعيين وحصل على 11.1 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2012، متخذاً موقفاً «إلى يسار اليسار»، وموجهاً هجمات عنيفة على الليبرالية الجديدة.
غير أنه فشل في الانتخابات التشريعية التي واجه فيها زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في معقلها بشمال فرنسا، منافساً عدوته اللدودة على أصوات الناخبين الشعبيين.
يحمل باستمرار على أوروبا «الليبرالية»، داعياً إلى وقف العمل بالمعاهدات الأوروبية، ويوجه انتقادات لاذعة إلى ألمانيا المحافظة بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل. كما يدعو إلى الخروج من الحلف الأطلسي وتبني فرنسا «سياسة عدم انحياز» إلى القوى الكبرى.
* إيمانويل ماكرون
تمكن إيمانويل ماكرون من الصعود بثبات في صفوف المؤسسة الفرنسية، عندما قرر استغلال مهاراته كمصرفي متمرس في عالم الاستثمار وعقد الصفقات، في عالم السياسة.
لكن منذ استقالته المفاجئة من الحكومة، أرسل ماكرون رسالة قوية مناهضة للمؤسسة القائمة، ساعدته في أن يصبح الأوفر حظا للفوز بانتخابات رئاسية تعد الأكثر غموضا في فرنسا قبل عيد ميلاده الأربعين.
وإذا فاز ماكرون، البالغ من العمر 39 عاما، والذي لم يكن معروفا على نطاق واسع قبل أقل من 3 سنوات، فسيصبح أصغر رئيس لفرنسا منذ نابليون.
ويعزو كثيرون، صعود ماكرون المفاجئ إلى توق الفرنسيين لوجه جديد، مع انهيار غير متوقع لعدد من منافسيه من التيارات السياسية الرئيسية، وخاصة اليمين واليسار التقليديين. كما لعب ذكاؤه التكتيكي الحاد أيضا دورا في صعوده.
استغل ماكرون الشعور بخيبة الأمل تجاه الوضع الراهن، وتعهد بتغيير المؤسسة القائمة، رغم أنه تلقى تعليمه في مدارس فرنسية مرموقة، وأبرم صفقات وصلت قيمتها لعشرة مليارات دولار لمجموعة «روتشيلد»، وشغل منصب وزير في حكومة الرئيس فرنسوا هولاند الاشتراكية.
وقال لمؤيدين في مؤتمر انتخابي في مدينة بو بجنوب البلاد، كما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية: «فرنسا تعرقلها ميول النخبة نحو خدمة مصالحهم» قبل أن يخفض من صوته، ويضيف هامسا: «وسأقول لكم سرا صغيرا: أعلم ذلك لأني كنت جزءا منهم».
وبعد عمله في مجموعة «روتشيلد» المالية، انضم لموظفي هولاند في قصر الإليزيه عام 2012، ولم يمر وقت طويل قبل أن يصبح وزيرا للاقتصاد.
وفي ذلك المنصب، انتقد مبادئ راسخة كان البعض يعتبرها أبقارا مقدسة في «النموذج الاجتماعي»، مثل العمل 35 ساعة في الأسبوع، والحماية المطلقة للوظائف، ووظائف مدى الحياة في الدوائر الحكومية.
هذه الرسائل جعلت منه أحد أكثر السياسيين شعبية في فرنسا، وهو إنجاز كبير بالنسبة لمصرفي سابق، في بلد لا يكن فيه كثيرون احتراما للدوائر المالية العليا.
ورغم أنه ما زال محل شك بين كثير من اليساريين التقليديين، فإنه يقول دائما إن طموحه هو تخطي الانقسام اليساري – اليميني، الذي طالما هيمن على الساحة السياسة الفرنسية.
وعندما استقال في أغسطس (آب) الماضي ليتفرغ لحركة «إلى الأمام» السياسية، التي أسسها في أبريل (نيسان) 2016، قال كثير من النقاد إنه سيكون في أفضل الأحوال مجرد شهاب قصير العمر.
وأذهل ماكرون منافسيه من خلال بناء قاعدة تأييد راسخة، والحصول على تأييد سياسيين منشقين عن يسار الوسط ويمين الوسط.
وماكرون متزوج من بريجيت ترونو، التي كانت معلمة في المدرسة التي كان يدرس بها، وقد تعرف عليها وعمره 16 عاما. وبسبب الفارق الكبير بينهما في السن البالغ 24 عاما، فقد كان زواجهما مادة لتغطية إعلامية مكثفة.
* مارين لوبان
نقلت السياسية الفرنسية اليمينية مارين لوبان حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده من وضع هامشي إلى قلب المشهد السياسي وجعلت من نفسها منافساً حقيقياً على أمل أن تكون أول رئيسة لفرنسا وأول زعيم من اليمين المتطرف للبلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
ومنذ أن تولت قيادة حزب الجبهة الوطنية في عام 2011، سعت لوبان لمحو الصورة المعادية للسامية التي التصقت بها تحت قيادة والدها جان ماري لوبان التي دامت نحو 40 عاماً.
ووضعت لوبان، وهي أم لثلاثة أبناء وطُلقت مرتين، الحزب ككيان مناهض للهجرة ومعارض للاتحاد الأوروبي يطرح سياسة لحماية العمال الفرنسيين من العولمة.
وظلت استطلاعات الرأي المتتالية تتوقع بشكل متسق أن تكون لوبان أحد المرشحين الأوفر حظاً لتجاوز الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية وخوض الجولة الحاسمة في السابع من مايو (أيار). وسيكون ذلك خطوة إلى الأمام أكبر مما حققته في عام 2012 عندما فشلت في تخطي الجولة الأولى وستعادل إنجاز والدها الذي بلغ الجولة الثانية في عام 2002 قبل أن يخسر بفارق كبير أمام الرئيس السابق المحافظ جاك شيراك.
ورغم أن الاستطلاعات تتوقع خسارة لوبان في الجولة الثانية، فإنها تتوقع أيضاً منافسة متقاربة هذه المرة.
وبصوتها الأجش المميز لم تتردد السياسية البالغة من العمر 48 عاماً في الدخول في جدل محتدم مع صحافيين أو منافسين خلال مناظرات تلفزيونية هاجمت خلالها المؤسسة السياسية. ورفض مقرضون تمويل حملة لوبان للانتخابات مما جعلها في موقف أضعف مالياً أمام منافسيها.
وتخضع المحامية السابقة للتحقيق أيضاً بشأن مزاعم إساءة استخدام أموال من الاتحاد الأوروبي لدفع أجور مساعدين لها في الحزب ولنشرها صوراً لعنف تنظيم داعش على موقع «تويتر».
وتقول لوبان إن الإجراءات لها دوافع سياسية تهدف لتعطيل حملتها الانتخابية.
وأبدت السياسية اليمينية إعجابها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استقبلها في الكرملين في مارس (آذار).
ودخلت لوبان السياسة بالانضمام إلى حزب والدها في سن الثامنة عشرة عام 1986.
وفي عام 1998 تخلت عن عملها في المحاماة وانضمت لفريق الحزب القانوني وانتخبت لأول مرة لمنصب سياسي في عام 1998 كعضو مجلس إقليمي في شمال فرنسا.
وحصلت على الدور نفسه لاحقاً في منطقة باريس قبل أن تعود إلى الشمال في عام 2010. ولوبان عضو في البرلمان الأوروبي أيضاً منذ عام 2004.
وقالت لوبان التي تعيش وتتنفس السياسة منذ صغرها إن طفولتها تأثرت بشدة بانفجار قنبلة دمرت شقة أسرتها عندما كانت في الثامنة من العمر في حادث لم تنكشف ملابساته حتى اليوم.
* فرنسوا فيون
يناضل فرنسوا فيون، المرشح المحافظ في انتخابات الرئاسة الفرنسية، من أجل إنقاذ تاريخه السياسي بعد تعرض حملته لفضيحة وظائف وهمية. وتعرض فيون، الذي كان المرشح الأبرز ذات يوم، لأزمة عندما ذكرت صحيفة أسبوعية ساخرة في يناير (كانون الثاني) أن زوجته بنيلوبي حصلت على مئات الآلاف من اليوروات نظير أعمال بسيطة، بما في ذلك عملها لعدة أعوام مساعدة له في البرلمان.
كما دفع فيون أموالا لنجليهما عن عملهما كمحاميين عندما كان عضوا بمجلس الشيوخ في الفترة من عام 2005 إلى عام 2007. ونفى رئيس الوزراء السابق (63 عاما) ارتكاب أي مخالفات. لكن المسألة ورد فعله العنيف عليها أضرا بصورته العامة بصفته كاثوليكيا ملتزما، وبتاريخه السياسي الذي استمر 36 عاما دون أي فضائح.
كما أثارت هذه الفضيحة حوله اتهامات بأنه شخص منافق، حيث إنه يقترح علاجا بالصدمة للاقتصاد الفرنسي يتضمن استقطاعات حادة في الإنفاق العام، وتقليص نحو نصف مليون وظيفة في القطاع العام، وإلغاء نظام ساعات العمل الأسبوعية وعددها 35 ساعة.
وفيون من المعجبين بأسلوب رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر. كما دعا إلى علاقات أكثر دفئا مع روسيا. ولأنه آت من داخل الوسط السياسي وصف فيون نفسه بأنه الرجل القادر على إحداث «تحول عميق أقرب إلى الثورة». ويقول إن فرنسا بحاجة إليه بعد أعوام من بطء النمو في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند. وقال فيون في مقال نشرته صحيفة «ليزيكو»: «خطتي هي الخطة الوحيدة الجذرية بما يكفي لإخراجنا من الحفرة الاقتصادية».
وتفوق فيون في سباق المحافظين على كل من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء السابق آلان جوبيه.
ولد فيون في منطقة سارت الواقعة على بعد نحو مائتي كيلومتر غرب باريس. وكان أصغر عضو في البرلمان عندما انتخب فيه لأول مرة، حيث كان يبلغ من العمر وقتها 36 عاما. ورغم تقلده عدة مناصب وزارية فإن فيون ظل بعيدا عن الأضواء بصفة عامة.
وكان ساركوزي قد اختاره رئيسا للوزراء في الفترة من عام 2007 إلى 2012. ووصفه ساركوزي ذات يوم بأنه لا يزيد فعليا عن كونه موظفا كبيرا، وهو الوصف الذي اشتهر به.
ورغم أسلوبه المعتدل والمهذب أبدى فيون قدرة واضحة عندما كان وزيرا للشؤون الاجتماعية في عام 2003، حين واجه احتجاجات في الشوارع على إصلاحاته المتعلقة بسن التقاعد. فيون لديه خمسة أبناء من زوجته البريطانية المولد وهو يهوى قيادة السيارات السريعة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».