لقاء الشعر والتشكيل بين نويل وبنيس ومرابطي في «طريق المداد»

خلال إقامة فنية بـ«المقام» في تحناوت المغربية

الشاعر الفرنسي برنار نويل (يمين) والفنان التشكيلي محمد مرابطي (وسط) والشاعر المغربي محمد بنيس خلال تقديم عملهم المشترك في «المقام» بتحناوت المغربية (تصوير: أحمد بنسماعيل)
الشاعر الفرنسي برنار نويل (يمين) والفنان التشكيلي محمد مرابطي (وسط) والشاعر المغربي محمد بنيس خلال تقديم عملهم المشترك في «المقام» بتحناوت المغربية (تصوير: أحمد بنسماعيل)
TT

لقاء الشعر والتشكيل بين نويل وبنيس ومرابطي في «طريق المداد»

الشاعر الفرنسي برنار نويل (يمين) والفنان التشكيلي محمد مرابطي (وسط) والشاعر المغربي محمد بنيس خلال تقديم عملهم المشترك في «المقام» بتحناوت المغربية (تصوير: أحمد بنسماعيل)
الشاعر الفرنسي برنار نويل (يمين) والفنان التشكيلي محمد مرابطي (وسط) والشاعر المغربي محمد بنيس خلال تقديم عملهم المشترك في «المقام» بتحناوت المغربية (تصوير: أحمد بنسماعيل)

كان حدثاً ثقافياً رفيعاً، احتفى بالشعر والتشكيل وحوار الثقافات، وهو يقدم للعمل المنجز، في إطار إقامة فنية جمعت بين الشاعر الفرنسي برنار نويل والشاعر المغربي محمد بنيس والفنان التشكيلي المغربي محمد مرابطي، بالمركب الثقافي (المقام)، بتحناوت، في ضاحية مراكش.
وتميز اللقاء، الذي تابعه السبت جمهور نوعي، بقراءات شعرية لبرنار نويل ومحمد بنيس، استمتع خلالها الحضور بقصيدة «ليل الحروف»، باللغتين الفرنسية والعربية، وجاء فيها: «لكنك لا تحب أن تنام في آخرة الليل صورٌ تأتي وتمحي أطياف متوالية تدخل عليك من باب الصمت وأنت من المنبع تشرب مثلما شرب الفقراء إلى الكلمات آيتك أن تظل عطشان في حرٍّ وبردٍ حشراتٌ تملأ الصدرَ تصعد تعلو قليلاً ثم قليلاً أكثر لديكَ العدمُ الذي وحده يقاسمك آخرة الليلْ خُذْ بيدك القلمَ اتركها ترتعشُ الحروفَ فيها تنفخُ اكتبِ الكلمة اكتبِ المختلفَ احْنِ رأسكَ فوق الورقة لا تلتفتْ للوحوش حولك من كل رهطٍ بأسماء يعسُرُ عدّها في واضحة النهار تفترس العابرينْ وصلتُ إلى هنا بعد أن امتدت طرقكَ تشعبتْ وفي النهاية اللانهاية اخفض صوتك جاءتك الكتابة بما لا تعرف الحياة في الموت الحياة الحياة استعارة تدنو من الصمتْ / ذبالةٌ بزيتها / في غرفةٍ / تضيءْ».
كما قرأ الشاعران مقاطع من «طريق المداد»، مما جاء فيها مترجماً، من المتوالية الخامسة، إلى العربية، على لسان محمد بنيس: «والآن طيورٌ سوداءُ تتَجمعُ أسفلَ الغيومِ / إنهُ لأمرُ الفمِ المريضِ وموتِ الدخيلةِ / لا شيءَ يستطيعُ الفكرُ حُيالهُ عابرٌ يتنفسُ كلماتٍ / نرى كلماتٍ تطيرُ في الوسطِ ثم تسقطُ كأنها صريعةٌ / تلتزمُ الصمتَ نُريدُ أن نَدفنَ اللغة تحتَ الأحجارِ / نفتش عبثاً من جهةٍ يمكنُ فيها للانتظار أن يجاورَ المستقبلَ / تعلمُوا بالأحرى أن تجترّوا أنقاضكمْ وأفٍّ للضميرِ / لم يعدْ في الرأسِ مكانٌ كافٍ للضميرِ ولعيونكمْ».
ويعد برنار نويل واحداً من أبرز الكتاب الفرنسيين، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، هو الذي «تأثر تكوينه الروحي بدراما الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية وحرب الهند - الصينية وحرب الجزائر، وبجدل الكبت والتمرد الذي ميَز زمننا»، كما نشر عشرات الأعمال الأدبية، التي توزعت بين الشعر والرواية والنقد الأدبي والتشكيلي، «يكشف فيها عن حساسية أصيلة وسريرة إبداعية نادرة مهمومة بفداحة الشرط الإنساني».
فيما عرف محمد بنيس، كشاعر، منذ 1969، تاريخ صدور ديوانه الشعري الأول «ما قبل الكلام»، قبل أن تتواصل التجربة الشعرية، على مدى السنوات اللاحقة، إلى اليوم، حيث نكون مع منجز شعري ترجم جزء منه إلى أكثر من لغة، نكون فيه مع عدد من الدواوين، بينها «شيء من الاضطهاد والفرح» و«في اتجاه صوتك العمودي» و«مواسم الشرق» و«ورقة البهاء» و«هبة الفراغ» و«المكان الوثني» و«كتاب الحب» و«نهر بين جنازتين».
وله أيضاً أبحاث وكتابات نقدية، تناول فيها عدداً من القضايا المرتبطة بالشعر العربي الحديث، بشكل خاص، من قبيل «ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب» و«الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها» (4 أجزاء)، فضلاً عن كل ما يحيط بفعل الحداثة، بشكل عام، من قبيل «الكتابة والمحو» و«حداثة السؤال» و«الحداثة المعطوبة» و«الحق في الشعر» و«شطحات لمنتصف النهار». كما عرف بترجماته الجيدة لعدد من الكتابات لكتاب مغاربة يكتبون بالفرنسية وغربيين، بينها «الاسم العربي الجريح» لعبد الكبير الخطيبي، و«أوهام الإسلام السياسي» و«قبر ابن عربي» لعبد الوهاب المؤدب، و«الغرفة الفارغة» لجاك آنصي، و«القدسي وقصائد أخرى» لجاك باطاي، فضلاً عن ترجماته لعدد من كتابات برنار نويل، بينها «كتاب النسيان» و«الموجز في الإهانة» و«هسيس الهواء» و«طريق المداد»، الذي هو عبارة عن 7 متواليات شعرية، كل واحدة منها مؤلفة من 7 قصائد، تضمها 7 رسوم محفورة بالأبيض والأسود للفنان الفرنسي فرنسوا رُووانْ.
فيما يبقى محمد مرابطي، كما كتب عنه الشاعر والفنان التشكيلي عزيز أزغاي، «صاحب تجربة صباغية متميزة في مدونة الفن الحديث في المغرب، وأحد الأسماء النشطة المنخرطة في بلورة طموح التشكيل المغربي للخروج إلى العالم»، يعرف عنه أنه راهن، منذ بداية مساره، لتعزيز خياراته التشكيلية والجمالية، على «صياغة جملة تشكيلية خاصة ترتكز على توظيف الأثر المقدس والصوفي والمرتفع، وعلى علاقة ذلك بالكائن الأعزل الذي بات عرضة لهجمة التقنية، وتحوّل الزمن إلى آلة رهيبة»، فـ«استطاع بجهد فردي وروح منصتة أن يلفت الانتباه باكراً إلى طاقته الإبداعية الخلاقة المتجددة التي ما فتئ يعبّر عنها في أعماله الفنية، سواء في توظيفه للمادة (مسحوق الرخام، مثلاً) كسند أولي يعكس ارتباطه بالأرض، أو في تعامله مع المفردات اللونية الخافتة الخجولة والباردة، أو في اختياره لموضوعات معارضه المنحازة لكل ما يجعل الروح ترتفع بهواجسها وأوضاعها اليومية المأزومة إلى مراتب الصفاء، أو في اشتغاله على الخشب، كسند عوضاً عن القماش، وكلها عناصر تشكيلية تعكس أفكار واختيارات وفلسفة الفنان الجمالية».
وتميز لقاء «المقام»، الذي سبقه لقاءان آخران، احتضنهما المعهد الفرنسي بمراكش وثانوية توبقال بتحناوت، بفتح نقاش حول جملة من القضايا الثقافية، وتوقيع عدد من كتابات الشاعر الفرنسي، التي ترجمها محمد بنيس إلى العربية، ونشرتها دار توبقال المغربية، من قبيل «الموجز في الإهانة» و«كتاب النسيان» و«طريق المداد» و«هسيس الهواء».
وعن هذا المشروع، الذي يجمع فناناً تشكيلياً بشاعرين، في حوار يجمع شعراً باللغتين الفرنسية والعربية مع الفن التشكيلي، قال محمد بنيس لـ«الشرق الأوسط» إن المشروع هو استمرار لتعاون يجمعه منذ عشرين سنة مع الشاعر الفرنسي، يتركز في تجربة يسهر عليها ناشر فرنسي، جمعهما بمحمد مرابطي من أجل إنجاز عمل ينشر لاحقاً في كتاب فني، يكون استمراراً لمشروع «طريق المداد».
من جهته، أشار مرابطي إلى العمل السابق الذي كانت جرت العادة أن يتم كل 3 سنوات، والذي كان يتلخص في الجمع بين الكتابة والصباغة، قبل أن يتوج بنشر كتاب فني، متحدثاً، في هذا السياق، بشكل خاص، عن التجربة التي جمعته بالأديب والشاعر الفرنسي ميشال بيتور، والتي تواصلت بعد وفاة هذا الأخير مع أديب وشاعر فرنسي آخر هو برنار نويل، الذي سيجمعه به، إلى جانب الشاعر محمد بنيس، مشروع «طريق المداد»، في متوالياته، بين 8 و11، وصولاً إلى «حروف الليل».
من جهته، تحدث برنار نويل عن ترجمة كتاباته إلى اللغة العربية، حيث أشار إلى أن هذه الأخيرة تتميز بقوتها البصرية، وجمال تشكيلها على مستوى الكتابة، وذلك على عكس الحرف اللاتيني، حسب قوله. وبخصوص تجربته الشعرية، شدد على أنه لا يحب أن يطلق عليه لقب «شاعر»، وزاد موضحاً وجهة موقفه، بقوله إن الشاعر لا يكون شاعراً إلا حين يكون بصدد كتابة شعره.
ورداً على من يقول إن الشعر لم يعد يصلح لشيء، خصوصاً في زمن العولمة، رد نويل، ضاحكاً، بقوله: «هو لا يصلح لشيء، فعلاً، من منطلق أننا لا نستطيع أن نحوله إلى سلعة».



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).