الأسد: الهجوم الكيماوي «قصة مفبركة» من الغرب

قال إن «الولايات المتحدة ليست جادة في التوصل إلى أي حل سياسي»

الأسد: الهجوم الكيماوي «قصة مفبركة» من الغرب
TT

الأسد: الهجوم الكيماوي «قصة مفبركة» من الغرب

الأسد: الهجوم الكيماوي «قصة مفبركة» من الغرب

اتهم الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة حصرية لوكالة الصحافة الفرنسية في دمشق، دول الغرب والولايات المتحدة «بفبركة كل القصة»، في إشارة إلى الهجوم الكيماوي على مدينة خان شيخون، تمهيدا لشن ضربة أميركية ضد جيشه، في الوقت الذي وصف فيه الولايات المتحدة بأنها ليست جادة في التوصل إلى أي حل سياسي.
وأكد الأسد الذي وصل إلى سدة الرئاسة قبل 17 عاما وتقاطعه دول الغرب، أن نظامه لم يعد يملك أي أسلحة كيماوية منذ تدمير الترسانة السورية في عام 2013.
وفي مقابلة بمكتبه في وسط دمشق، هي الأولى بعد الهجوم الكيماوي الذي اتهمت واشنطن قواته بتنفيذه في خان شيخون في إدلب (شمال غرب) والضربة الأميركية على مطار الشعيرات العسكري في حمص (وسط)، قال الأسد: «بالنسبة لنا الأمر مفبرك مائة في المائة».
وأضاف: «انطباعنا هو أن الغرب والولايات المتحدة بشكل رئيسي متواطئون مع الإرهابيين، وقاموا بفبركة كل هذه القصة كي يكون لديهم ذريعة لشن الهجوم».
واتهمت الولايات المتحدة وعواصم غربية عدة القوات الحكومية السورية بشن الهجوم من خلال قصف جوي، ثم بادرت واشنطن بعد يومين إلى إطلاق 59 صاروخا من طراز «توماهوك» من البحر على قاعدة الشعيرات، في أول ضربة أميركية عسكرية ضد دمشق منذ بدء النزاع منتصف مارس (آذار) 2011.
ونفت دمشق بالمطلق أي علاقة لها بالهجوم. وقالت مع موسكو إن الطيران السوري قصف مستودع أسلحة لمقاتلي المعارضة كان يحوي مواد كيماوية.
وأثار الهجوم الكيماوي على خان شيخون في الرابع من الشهر الحالي تنديدا واسعا بعد تداول صور مروعة للضحايا، إثر مقتل 87 مدنيا بينهم 31 طفلا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لكن الأسد اعتبر أن «المعلومات الوحيدة التي بحوزة العالم حتى هذه اللحظة هي ما نشره فرع القاعدة»، في إشارة إلى جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) التي تسيطر مع فصائل إسلامية ومقاتلة على كل محافظة إدلب. وأوضح أن «هناك كثيرا من مقاطع الفيديو المزورة الآن (...) نحن لا نعرف ما إذا كان أولئك الأطفال القتلى قد قتلوا في خان شيخون، بل إننا لا نعرف ما إذا كانوا أمواتا في الأساس».
وسأل الأسد: «إذا كان هناك هجوم، فمن الذي قام به؟». ونفى الأسد أي علاقة لقواته بالهجوم، مؤكدا أنه «لم يصدر أي أمر بشن أي هجوم». وقال: «لا نمتلك أي أسلحة كيماوية» مضيفا: «في عام 2013 تخلينا عن كل ترسانتنا (...) وحتى لو كان لدينا مثل تلك الأسلحة، فما كنا لنستخدمها».
ووافق النظام السوري في عام 2013 على تفكيك ترسانته الكيماوية، بعد اتفاق روسي - أميركي أعقب هجوما بغاز السارين على منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معاقل المعارضة قرب دمشق، تسبب بمقتل المئات. ووجهت أصابع الاتهام فيه إلى دمشق. وبعد عام 2013، حققت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مرتين على الأقل في استخدام دمشق أسلحة كيماوية فوق مناطق تحت سيطرة الفصائل المعارضة.
وبعد أيام من إعلان المنظمة أن هناك تحقيقا جاريا حول الهجوم الكيماوي في خان شيخون، أعلن الأسد: «بحثنا مع الروس خلال الأيام القليلة الماضية بعد الضربة أننا سنعمل معهم لإجراء تحقيق دولي. لكن ينبغي لهذا التحقيق أن يكون نزيهاً».
وأضاف: «يمكننا أن نسمح بأي تحقيق فقط عندما يكون غير منحاز، وعندما نتأكد أن دولا محايدة ستشارك في هذا التحقيق، كي نضمن أنها لن تستخدمه لأغراض سياسية».
ورغم التصعيد الأميركي غير المسبوق ضد قواته، قلل الأسد من تداعيات الضربة الأميركية. وقال: «منذ الضربة، لم نتوقف عن مهاجمة الإرهابيين في سائر أنحاء سوريا»، مؤكدا أن «قوتنا النارية وقدرتنا على مهاجمة الإرهابيين لم تتأثر بهذه الضربة».
وعما إذا كانت الضربة الأميركية تعني خسارته شريكا محتملا قويا، في إشارة إلى الرئيس دونالد ترمب، أجاب الأسد: «كنت حذرا جدا في التعبير عن أي رأي حياله سواء قبل أن يصبح رئيسا أو بعد ذلك. كنت أقول دائما لنرى ما الذي سيفعله».
وتابع: «في الواقع هذا الهجوم هو الدليل الأول على أن (...) النظام العميق في الولايات المتحدة، ما زال نفسه ولا يتغيّر».
وشدد الأسد على أنه الآن «لا تستطيع التحدث عن شراكة بيننا، نحن الذين نعمل ضد الإرهابيين... وبين أولئك الذين يدعمون الإرهابيين صراحة».
وقال إن «الولايات المتحدة ليست جادة في التوصل إلى أي حل سياسي»، مضيفا: «يريدون استخدام العملية كمظلة للإرهابيين».
ومتسلحا بدعم حليفيه الروسي والإيراني، لا يبدو الأسد متأثرا بالتهديدات الأميركية ولا بالضربة الصاروخية المباشرة التي نفذتها واشنطن على قاعدة جوية لجيش النظام السوري في وسط البلاد الأسبوع الماضي.
وقال الأسد: «معاناة الشعب السوري (...) هي الأمر الوحيد الذي يمكن أن يحرمني النوم بين وقت وآخر، لكن ليست التصريحات الغربية ولا تهديداتهم بدعم الإرهابيين».
يؤكد الدبلوماسي الهولندي السابق والخبير في الشؤون السورية نيكولاس فان دام، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لطالما كان الأمر بالنسبة إلى الأسد معركة حياة أو موت. لم يكن خيار وقف الحرب مطروحا لديه أصلا؛ فإما النصر وإما الهزيمة».
وتبدلت حياة طبيب العيون السابق بشكل جذري عام 1994، إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي كان يتم إعداده ليحكم البلاد خلفا لوالده الرئيس حافظ الأسد، في حادث سير قرب دمشق.
ويقول فان دام، وهو مؤلف كتاب «القتال من أجل السلطة في سوريا»، إن «النظام يمتلك خبرة عمرها نصف قرن حول كيفية البقاء في السلطة. كما يحظى بدعم الجيش والأجهزة الأمنية».
وردا على تصريحات لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قال فيها إن حكم عائلة الأسد يقترب من نهايته، أجاب الأسد: «ليس هناك حكم لعائلة الأسد في أي حال من الأحوال في سوريا»، مضيفا: «إنه يحلم أو لنقل إنه يهلوس».
ومع اندلاع «الربيع العربي»، واجه الأسد حركة احتجاجات سلمية ضخمة في عام 2011، فاختار قمعها بالقوة، مصنفا معارضيه على الفور بالمتطرفين، قبل أن تبرز المجموعات المتشددة أو الإسلامية. واعتبر التحركات المعارضة لنظامه «مؤامرة» نسجتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد «محور المقاومة» الذي يضم سوريا مع إيران و«حزب الله» اللبناني.
وخلال السنوات الست الأخيرة، امتلك الأسد، كما الحلقة الضيقة المقربة منه، قناعة راسخة بقدرتهم على الصمود وتحقيق النصر. ويقول مدير أبحاث الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس: «ردد مستشارو الأسد منذ البداية أنهم واثقون بالنجاح ما دام الطيران الأميركي لا يقصف دمشق، والولايات المتحدة لم تتورط مباشرة في الحرب».
وعلى غرار والده، عرف الأسد كيف يصبر وينتظر التوقيت المناسب. ويقول رئيس تحرير صحيفة «الوطن» السورية القريبة من دمشق، وضاح عبد ربه، إن الأسد «ينتمي إلى مدرسة والده، وهذه المدرسة لطالما أتقنت التحكم بعامل الوقت وبتحويل مسار الرياح غير المواتية لصالحها».
إلا أن مفتاح الأسد هو صلابة التحالفات، بخلاف خصومه. ويضيف عبد ربه: «لم يشك يوميا بالنصر، لأنه كان يعلم أن بلاده أنشأت منذ عقود تحالفا صلبا واستراتيجيا مع روسيا وإيران وسواهما».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.