مستوطنون يحتلون البلدة القديمة ويقتحمون الأقصى

الهيئات الإسلامية تتهم إسرائيل بإعاقة الحياة بتشديد الحصار على القدس

مستوطنان يهوديان ويبدو مسجد قبة الصخرة في القدس الشرقية (أ.ف.ب)
مستوطنان يهوديان ويبدو مسجد قبة الصخرة في القدس الشرقية (أ.ف.ب)
TT

مستوطنون يحتلون البلدة القديمة ويقتحمون الأقصى

مستوطنان يهوديان ويبدو مسجد قبة الصخرة في القدس الشرقية (أ.ف.ب)
مستوطنان يهوديان ويبدو مسجد قبة الصخرة في القدس الشرقية (أ.ف.ب)

اقتحم مستوطنون متطرفون المسجد الأقصى، أمس، بأعداد كبيرة، وسط حراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية التي حولت القدس إلى ثكنة عسكرية، وأغلقت البلدة القديمة لتسهيل صلوات خاصة لآلاف اليهود عند حائط البراق.
وبدأ عشرات المستوطنين باقتحام الأقصى منذ ساعات الصباح الأولى، مرتدين زيهم التلمودي التقليدي، وأدوا طقوساً في المكان متعهدين بإقامة الهيكل مكان الأقصى، مما خلف توترات كبيرة تحولت إلى اشتباكات، وسط هتافات وتكبيرات المصلين الذين تصدوا لتقدم المستوطنين.
وجاءت الاقتحامات الواسعة بعد دعوات من منظمات الهيكل لذبح القرابين في «الهيكل»، بمناسبة عيد «الفصح» اليهودي. وبلغ عدد المستوطنين الذي وصلوا لأداء صلوات خاصة عند حائط البراق بالآلاف، أصر مئات منهم على اقتحام الأقصى. ومع التدفق الكبير للمستوطنين، اشتبك مصلون معهم داخل ساحات المسجد، وأيضاً في شوارع البلدة القديمة القريبة.
وعلى الرغم من أن سلطات الاحتلال حولت القدس إلى ثكنة عسكرية منذ أول أيام الفصح، لكنها زادت من الحواجز العسكرية وعدد الجنود، أمس (اليوم الثالث)، لتأمين وصول المستوطنين بأعداد كبيرة إلى حائط البراق.
وقالت الشرطة الإسرائيلية إن الطرق في البلدة القديمة كلها ستبقى مغلقة حتى الثامنة من مساء الخميس بسبب «شعائر بركة الكهنة ثالث أيام عيد الفصح». كما قالت الشرطة إنها اعتقلت 4 فلسطينيين، اثنين من داخل الأقصى وآخرين خططا لتنفيذ عمليات.
وجاء في بيان للشرطة أنها «اعتقلت فلسطينياً في العشرينات من العمر عند معبر قلنديا، إلى الشمال من القدس، بعد أن ضبطت بحوزته سكيناً وقنبلة صوتية. كما اعتقل فلسطيني آخر بعد قيامه بتسليم نفسه للشرطة، حيث يشتبه بتخطيطه لارتكاب عملية مع المعتقل الأول».
وأعلنت الشرطة أيضاً أنها اعتقلت 2 من اليهود كانا يخططان، كما يبدو، لذبح رابين داخل الأقصى.
ووصفت هيئات القدس الإسلامية، في بيان مشترك وعاجل، ما يجري في المسجد الأقصى بأنه جزء من مخطط لتحويل المقدسات الإسلامية والمسيحية إلى يهودية.
واتهم البيان الموقع من الهيئة الإسلامية العليا ودار الإفتاء الفلسطينية ودائرة الأوقاف الإسلامية ومجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية في القدس المحتلة، إسرائيل بإعاقة الحياة العربية في القدس.
وقال البيان إن السلطات الإسرائيلية سمحت باستباحة المسجد الأقصى المبارك / الحرم الشريف، وتغاضت عن أدائهم صلوات تلمودية، واستفزازاتهم الواضحة بفرض سياسة الأمر الواقع بقوة الاحتلال وقوة السلاح، وتزامن ذلك مع حملة اعتقالات للمصلين وإبعادهم عن المسجد الأقصى المبارك لفترات متفاوتة، وفرض حصار على القدس والبلدة القديمة، وتشديد الحصار على أبواب الحرم الشريف، وتحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية، إضافة إلى السماح باستباحة القصور الأموية، وتحويلها إلى ما يسمى مطاهر الهيكل المزعوم.
وقال البيان إن إسرائيل «ما زالت حتى اليوم تسير وفق برنامج تهويدي لخطف القدس العربية والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتحويلها إلى قدس ومقدسات يهودية».
وجاء في البيان أنه «لا يمكن لنا أن نقبل بمثل هذه الإجراءات التعسفية والهمجية والشرطية بحجة الأعياد اليهودية، وأننا نرفض ونستنكر كل الإجراءات والمحاولات الهادفة إلى تغيير الواقع التاريخي القائم في المسجد الأقصى المبارك / الحرم الشريف».
ولفت إلى أن «مناشدتها اليوم هي صرخة من الألم والمعاناة والحصار المفروض على المدينة والمسجد الأقصى، وبالتالي آن الأوان للعالم العربي والإسلامي ألا تكون هذه كصرخة في وادٍ كي لا تضيع القدس والأقصى».
ومع توسع الاقتحامات للأقصى، طالب مسؤولون فلسطينيون بالتصدي للمستوطنين بكل الوسائل. واستنكر عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون القدس، أحمد قريع، حملة الاقتحامات المحمومة التي شهدتها باحات المسجد الأقصى المبارك، ووصف ما يحدث بأنه «عدوان سافر على الأقصى والمقدسات في مدينة القدس، وذلك بهدف تدنيسها، وفرض سياسية الأمر الواقع، وجعل عملية الاقتحام طبيعية، وصولاً إلى إعطاء هؤلاء المتطرفين فرصة لإقامة الصلاة في الأقصى».
ولفت قريع إلى خطورة وتداعيات استمرار دعوات قادة ما تسمى بـ«منظمات الهيكل» المزعوم لأنصارها من المستوطنين، إلى أوسع مشاركة في اقتحامات الأقصى، موجهاً نداء إلى الأمتين العربية والإسلامية بتحمل مسؤولياتهما تجاه القدس ومقدساتها، وحماية المقدسات، كونها تعتبر من صلب العقيدة الإسلامية.
ودعا قريع الجميع لشد الرحال إلى المسجد الأقصى.
ومن جهته، حذر محافظ القدس ووزير شؤونها عدنان الحسيني من مخطط لتغيير الوضع القائم، ودعا إلى تصدٍ واسع لمخططات إسرائيل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.