رئيس اتحاد الصناعات المصرية: نضع خطة للإصلاح عمادها العمالة الماهرة

محمد السويدي أكد لـ {الشرق الأوسط} أن الحفاظ على الكيانات الحالية من سبل علاج مشكلات القطاع

رئيس اتحاد الصناعات المصرية: نضع خطة للإصلاح عمادها العمالة الماهرة
TT

رئيس اتحاد الصناعات المصرية: نضع خطة للإصلاح عمادها العمالة الماهرة

رئيس اتحاد الصناعات المصرية: نضع خطة للإصلاح عمادها العمالة الماهرة

كشف محمد السويدي رئيس اتحاد الصناعات المصرية أن مصر بصدد إطلاق عملية إصلاح واسعة لقطاع الصناعة شارك في صياغتها خبراء متخصصون، تتضمن تطوير مهارات العمالة المصرية عبر برامج التدريب الفني وورش العمل، لضمان استفادتهم من التوسع الصناعي المرتقب، وأخرى تتعلق بهيكلية السوق وحجم التسهيلات المالية والقانونية الممنوحة لأصحاب المصانع الصغيرة من المستثمرين المحليين، وأيضا المستثمرين الأجانب، وعلى رأسهم الخليجيون.
وقال السويدي في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه يجري بالفعل حاليا وضع حزمة من الحلول الكفيلة بالنهوض بالقطاع الصناعي المصري، الذي تضاعفت مشكلاته بعد الأحداث السياسية التي عصفت بالبلاد.
وأضاف: «الحلول سيكون أساسها الحفاظ على الكيانات والعمالة الموجودة بوضع الشروط الكفيلة بضمان مشاركته في تنفيذ المشاريع الصناعية وإدارتها، من خلال القيمة المضافة على الخامات، وتشجيع المستثمر ليأتي إلى مصر مع توفير الخامات له ومعالجة البيروقراطية، عبر تأسيس مناطق صناعية تقوم الحكومة ببنائها وتأجيرها على الشباب والمستثمرين المحليين، بهدف توفير عبء بدء تأسيس الأعمال، وتأسيس شركات أهلية في المحافظات تكون حصة أهالي كل منطقة 70 في المائة، بينما يتكفل اتحاد الصناعات بنسبة 30 في المائة».
ودعا السويدي الرئيس الجديد والحكومة الجديدة إلى العمل على معالجة التحديات التي تواجه القطاع، والتي منها مسألة تهريب البضائع والسلع، والتي تؤثر على مستوى مبيعات الصناعات الوطنية محليا ودوليا.
وفي مايلي نص الحوار:

* ما «الروشتة» التي يقدمها اتحاد الصناعات للنهوض بالصناعة والاقتصاد في مصر؟
- أن تأخذ الحكومة القرارات الجريئة والشفافية الواضحة في عمليات الإصلاح المنتظرة، وأن تؤخذ القرارات لصالح مصر فقط، وذلك من خلال العمل على حل المشكلات وتفعيل القرارات الموجودة، وعمل خطة واضحة لمنظومة الدعم ورفعة لفترة محدودة عن المصانع وإعطاء الدعم ماديا لتقليل فاتورة الفاقد.
كما علينا تحسين استخدام مواردنا في الفترة المقبلة، والاهتمام بالمشاريع الخاصة بالعمالة، ونركز عليها ونفعلها ونأخذ فيها القرارات، ونستخدم المنتجات القومية، وخاصة مشروع المليون شقة، حيث نطالب بمعرفة المواصفات، ونحن نقوم بتنفيذها حتى نعمل على تشغيل العمالة المصرية، ويجب احترام القانون وتطبيقه على الجميع، لأن القانون الذي لا يُطبّق يضيع من هيبة الدولة، ولا بد من تشديد الإجراءات في مخالفات المباني ووضع خطة لترشيد الطاقة، ورفع الدعم على فترات والاهتمام بالتعليم وخاصة الفني.
* ماذا عن الحد الأدنى للأجور وحقوق العمال؟
- لا صناعة متقدمة من دون عمال لديهم رضا وظيفي. نحن ندرك ذلك جيدا، ونحن مع العمال ومطالبهم وحقوقهم، ونحن في اتحاد الصناعات نرى أن الوصول لحياة كريمة للعامل المصري أمر له آثاره الإيجابية على الإنتاج، لكن هناك مشكلات كثيرة تعوق تطبيق حد أدنى للأجور في الوقت الحالي يجب حلها.
* إننا نطالب مع العمال بقانون جديد للتأمينات لا يفرض تلك النسبة المبالغ فيها على أصحاب العمل، ونطالب بقانون جديد للتأمين الصحي، وتفعيل قرارات الحكومة بدعم المنتج المحلي. كما يجب أولا رفع الأعباء غير الطبيعية الملقاة على عاتق الصناعة قبل الإلزام بدفع حد أدنى معين.
أضف إلى ذلك أن الصناعات كثيفة العمالة معظمها صناعات صغيرة ومتوسطة مثل الصناعات النسيجية. في ذلك القطاع يجري توفير وظائف لفتيات بـ700 و800 جنيه، ولو جرى فرض حد أدنى، فإن ذلك سيكون عائقا عن التوظيف، فبدلا من تعيين عشرة عمال سيتم تعيين خمسة، وهكذا فإن هناك 3.6 مليون عاطل في مصر، والحد الأدنى قد يكون عائقا لتوفير عمل لهؤلاء.
وبالنسبة لبعض منظمات الأعمال الأخرى التي أعلنت موافقتها على الحد الأدنى في القطاع الخاص.. فإننا في اتحاد الصناعات مسؤولون عن قطاع الصناعة في مختلف أنحاء الجمهورية، ونرى أن علينا السير في إطار خارطة مستقبلية للأجور تحقق العدالة والشفافية.
* أين اتحاد الصناعات من ملف التعثر؟
- ملف التعثر ثقيل جدا، وهو ملف متوارث عبر أجيال وأنظمة. وهناك أسباب كثيرة للتعثر، بعضها يتعلق بدراسات الجدوى، أو سوء الإدارة، أو الظروف الخارجية. ونحن نعمل بشكل منظم، من خلال مركز تحديث الصناعة على تحليل أسباب التعثر، ومحاولة مساندتها ودعمها. وهناك أيضا مبادرة لوزارة الصناعة نسعى إلى تمكين معظم المصانع من الاستفادة منها. والأهم من ذلك أن نعمل على وقف تعثر أي منشآت جديدة، وذلك من خلال برامج تنمية وتحديث وتدريب متميزة.
* ملف الطاقة ثقيل أيضا؟ ما مقترحاتكم لتوفير طاقة كافية للصناعة المصرية؟
- أعتقد أن هناك مبادرات متميزة قدمتها وزارة الصناعة، منها مبادرة بحث توفير الطاقة لمصانع الإسمنت، من خلال الفحم، وهي آلية معمول بها في كبرى دول العالم، ولا بد من تفعيلها في مصر. ولقد قدم اتحاد الصناعات دراسة متكاملة حول مستقبل احتياجات الطاقة من الصناعة، وتقدمنا بمشروع لحل المشكلة، ونطالب برفع الدعم عن قطاعات صناعية كثيرة، ومشكلة الطاقة لن تحل مرة واحدة، ولا بد لنا كاتحاد صناعات أن نعرف سعر الطاقة المقررة لي بعد أربع سنوات لكي أرى مستقبلي الصناعي إلى أين يتجه، ولا يمكن للحكومة أن تتحمل مشكلة الدعم الباهظ، ويجب أن نعمل على ترشيد الطاقة ونضع مشاريع بديلة لتوفير الطاقة، ونتعامل مع الواقع وإعادة التكلفة، ومع تحديث منتجاتها بالتعاون لمواجهة مشكلة الطاقة.
* وماذا عن اعتراض وزارة البيئة على استخدام الفحم كبدائل للطاقة؟
- اعتراض «البيئة» شخصي وليس من واقع دراسة، والفحم أصبح ضروريا ليس لمصانع الإسمنت، بل لتوليد الكهرباء، خاصة أن معظم دول العالم تستخدم الفحم بنسبة 50 في المائة لتوليد الطاقة الكهربائية و60 في المائة من مصانع الإسمنت تعتمد كليا على الفحم، واستخدام الفحم سيوفر نحو 17 في المائة من إنتاج مصر للغاز، وقرار الفحم مناسب لمشكلة الطاقة الحالية في مصر.
* هل تأثر اتحاد الصناعات في ظل الأحداث السياسية الراهنة؟
- نعم، تأثر اتحاد الصناعات، ولكننا متفائلون جدا بعد الثورة، على الرغم من كل المشكلات والصراعات التي نراها قائمة في الدولة، ونطالب دائما بعمليات إصلاح مدروسة، ولا نسمع لأصوات محددة بعينها أن تقف حائلا، ولكي تحل المشكلات، لا بد من وضع حلول لها، لإنهاء المشكلة من جذورها، ونحتاج إلى جرأة في اتخاذ القرار لكي نأخذ قرارات إصلاحية لأن حجم السوق انكمش، والمصروف على الصناعة المصرية زاد، والحكومة تصدر القرارات ولا تفعلها.
* ونحن على أبواب الانتخابات الرئاسية ماذا يطلب اتحاد الصناعات من الرئيس القادم؟
- نطالب بمحاربة التهريب لأن من يقوم بتهريب سلعة غدا يهرب سلاحا، والتهريب له طرق رسمية وغير رسمية، ومطلوب محاربته بكل الطرق.
* ماذا نقصد بطرق التهريب الرسمية؟
- المقصود بها أن يقوم المستثمر بفتح منصة كهيكل فقط، ومن ثم يأتي بالصناعة من الخارج ويقوم فقط بوضعها داخل الكرتون وتغليفها، لذلك نطالب الحكومة بتعديل قانون القيمة المضافة إلى 40 في المائة بدلا من 20 في المائة لمواجهتها هذه المشكلة، حرصا على مستقبل الصناعة في مصر.
* هل اتحاد الصناعات يملك القوة لأن يضع حلولا كاملة لتطوير الصناعة بالشكل المناسب وتقديمها؟
- نقوم بالفعل حاليا بوضع هذه الحلول، وأحضرنا الخبراء المتخصصين لذلك، ولكنها ستأخذ وقتا، والآن نقوم بتقديمها، على أن يكون أساسها الحفاظ على الكيانات والعمالة الموجودة، ونحاول أن ندخل في كل الاتجاهات من خلال القيمة المضافة على الخامات وتشجيع المستثمر ليأتي إلى مصر مع توفير الخامات له، ومعالجة الأسباب البيروقراطية، ولدينا ثروات في مصر لا بد من العمل على استخدامها، ولدينا شباب قوة عاملة لكنه عندما يقوم بإنشاء مصنع أو صناعة خاصة به يجد كثيرا من العثرات، من الكهرباء والمياه والمحليات، لذلك سوف نقوم بعمل مناطق صناعية نقوم ببنائها وتأجيرها لكي نوفر العبء عن الشباب، وعرضنا أن تقوم كل محافظة بعمل شركة لأهالي المنطقة، وتشارك المحافظة بنسبة 70 في المائة واتحاد الصناعات بنسبة 30 في المائة.
* هل هناك صناعات مشتركة بين مصر والسعودية؟
- اتحاد الصناعات المصري ينظم العلاقة الصناعية بين المستثمرين والحكومة، ونحن نسعى لمعالجة الإشكالات التي تطرأ على القطاع بين حين وآخر، من خلال العمل على حل مشكلة المستثمرين السعوديين في مصر، وهي أن يحصل على الأراضي لإقامة المشاريع الصناعية الملائمة للطرفين، وأن يجد العمالة الماهرة، ونحن نحاول إيجاد عمالة بشهادة دولية معتمدة ونعمل على حل مشكلة الطاقة، وإيجاد سوق مصرية للمنتجات، على أن تكون مصر البديل التصديري لدول أفريقيا، لتكون نقطة جذب للسعودية وللدول الخليجية لكي يستثمروا في مصر، مع توفير الطاقة المدعومة، وعلاقات تجارية صديقة، وعمالة مدربة.
* ماذا عن صناعات النسيج وإعادة هيكلتها؟
- قمنا بعمل لجنة لدراسة صناعات النسيج في مصر بالتعاون مع الشركات القابضة وكل قطاعات التصدير والمجلس التصديري، وجرت دراسة المشكلات، وقمنا بفتح استيراد القطن قصير التيلة في مصر، لأنه مطلوب للصناعة، ووضعنا خطة مع الخبراء المتخصصين على أن تحل المشكلة على مدار الخمس سنوات المقبلة.
* هل هناك صناعات تحتاج لمشاركة فعالة؟
- نعم، نريد حسن استخدام مواردنا الحكومية المتمثلة في الشركات القابضة الموجودة، وإعطاءنا السماح بدخول القطاع غير الرسمي والرسمي، ونقل صناعة الجلود لمنطقة الرويكي، وهذا مشروع لم يكتمل منذ سنوات، وأيضا مشاريع الدباغة والجلود، لأن مشاريع قطاع الصناعات تأثرت وخسرت، بخلاف القطاعات الغذائية التي هي الأكثر استهلاكا في مصر، ولم تتأثر، وقطاع النسيج لا بد من إعادة هيكلته وتطويره لكي ننتعش بعملية العمالة، وينقصه التسويق الصحيح لكيفية الحصول على منتجاته.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».