انطلاق عملية إخلاء «المدن الأربع» بتبادل أسرى وجثث بين النظام و«النصرة»

الحافلات دخلت إلى مضايا والزبداني... لكن خروجها تأجل

مظاهرات في الغوطة الشرقية لدمشق احتجاجاً على حملة التهجير التي كان يفترض أن تبدأ أمس
مظاهرات في الغوطة الشرقية لدمشق احتجاجاً على حملة التهجير التي كان يفترض أن تبدأ أمس
TT

انطلاق عملية إخلاء «المدن الأربع» بتبادل أسرى وجثث بين النظام و«النصرة»

مظاهرات في الغوطة الشرقية لدمشق احتجاجاً على حملة التهجير التي كان يفترض أن تبدأ أمس
مظاهرات في الغوطة الشرقية لدمشق احتجاجاً على حملة التهجير التي كان يفترض أن تبدأ أمس

انطلقت في سوريا عملية تنفيذ الاتفاق القسري الذي وقّعته فصائل مسلحة منضوية تحت إطار غرفة عمليات «جيش الفتح» - وأبرزها «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام» - مع إيران و«حزب الله»، الشهر الماضي بوساطة قطرية. وينص الاتفاق بشكل أساسي على إخلاء أربع مناطق محاصرة في محافظة ريف دمشق ومحافظة إدلب. وتمت ليل الثلاثاء عملية تبادل أسرى وجثث بين الطرفين، في حين دخلت الحافلات إلى المناطق المحاصرة لانطلاق عمليات الإخلاء.
أبو عبد الرحمن، الموجود في بلدة مضايا في ريف دمشق والمحاصرة من قبل قوات النظام و«حزب الله»، قال إنهم أبلغوا في ساعة متأخرة من بعد ظهر يوم أمس بتأجيل عملية الإخلاء من السادسة من مساء الأربعاء إلى مساء اليوم (الخميس). ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن نحو 2800 شخص، معظمهم من المقاتلين وعوائلهم وعدد من الشبان الذين فضّلوا التوجه إلى إدلب؛ لعدم إرغامهم على التجنيد الإجباري، حضروا أنفسهم للمغادرة. وأضاف: «الحقائب لا تزال في الطرقات، كما الحافلات، أما سيارات الهلال الأحمر فخرجت لتعود غدا». وأوضح أبو عبد الرحمن، أن الكثير من الأشخاص تراجعوا عن الخروج في اللحظة الأخيرة، وطلبوا شطب أسمائهم من اللوائح، وأردف «لا أحد سعيدا بأن يتم اقتلاعه من جذوره، إلا أنهم فرضوا علينا أمرا واقعا، فإما الحصار والقتل أو التهجير، فاخترنا الثاني؛ على أمل العودة قريبا».
من جهته، تحدث محمد الشامي، الناشط الإغاثي، عن بدء تنفيذ الاتفاق الذي تم تأجيله أكثر من مرة بضغوط مارستها قوى المعارضة التي ترفض ما تضمنه من بنود، عند الساعة التاسعة من مساء الثلاثاء، لافتا إلى إتمام عملية تبادل معتقلين وعدد من الجثث، في وقت دخلت دفعتان من الحافلات إلى مضايا وأطراف الزبداني لتنسيق خروج المقاتلين الذي سيتم مساء الأربعاء أو صباح اليوم (الخميس)، على أن يخرج 3200 شخص من الفوعة وكفريا مقابل خروج 1200 مقاتل من مضايا والزبداني.
وللعلم، توصل طرفا «جيش الفتح» والنظام السوري وحلفاؤه إلى اتفاق نهاية الشهر الماضي ينص على إجلاء الآلاف من بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين من الفصائل المقاتلة في محافظة إدلب (شمال غربي البلاد) إلى مدينة حلب، ومن مدينتي الزبداني ومضايا المحاصرتين من قوات النظام في محافظة ريف دمشق إلى إدلب. ولم تنجح كل مساعي المعارضة السياسية التصدي لهذا الاتفاق القسري الذي تدرجه في سياق «عملية التغيير الديموغرافي الممنهجة»، وقال القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش يوم أمس «تستمر عملية استبدال الشعب السوري في ريف دمشق بطائفيين، وهذه المرة بمباركة القاعدة وإيران، لكن - بإذن الله - سيكون سعيهم في تباب». أضاف: «الاتفاقية المشؤومة ستوفر للنظام ما بين 3000 و5000 مقاتل طائفي في دمشق هو في حاجة إليهم في الأعمال التي يجهز لها علينا في محيط الغوطة الشرقية».
في حين أعلنت وكالة «سانا» و«الإعلام الحربي» التابع لـ«حزب الله» يوم أمس، وصول 12 مختطفا (4 أطفال و8 نساء و8 جثث) إلى حلب «تم تحريرهم من أوكار التنظيمات الإرهابية التكفيرية في إدلب، في حين أطلقت اللجان الشعبية في كفريا والفوعة 19 مسلحا كانت ألقت القبض عليهم في وقت سابق»، أشار مدير العلاقات الإعلامية في «هيئة تحرير الشام» (ائتلاف فصائل بينها «جبهة النصرة» سابقا)، عماد الدين مجاهد، إلى إتمام «عملية تبادل أسرى» تم بموجبها «فك أسر» 19 شخصاً، بينهم مقاتلون كانوا محتجزين من قِبل مقاتلين موالين لقوات النظام في الفوعة وكفريا، مقابل إخراج 12 معتقلاً كانوا أسرى لديهم. ومن بين الجثث التي تم تسليمها للنظام جثة القيادي في «حزب الله» جميل حسين فقيه، المعروف بياسر الطيري، الذي كان قد دفن «وديعة» في الفوعة وكفريا، كما أورد «الإعلام الحربي» التربح لـ«حزب الله»».
وقال مصور وكالة الصحافة الفرنسية «أ.ف.ب» في مدينة حلب: إن 12 شخصا بينهم تسعة مصابين من بلدتي الفوعة وكفريا، إضافة إلى جثث ثمانية قتلى وصلوا الأربعاء إلى أحد مستشفيات حلب بعدما أفرجت عنهم الفصائل المقاتلة في إدلب، بينما أفاد شهود عيان بأن حافلات لنقل الركاب دخلت إلى مدينتي الزبداني ومضايا صباح الأربعاء في وقت انهمك سكان بتوضيب أمتعتهم والتجمع استعداداً للمغادرة.
في المقابل، لم تدخل أي حافلات إلى الفوعة وكفريا، وفق ما قال أحد المسؤولين عن عملية التفاوض من الجانب الحكومي، حمد حسن تقي الدين، للوكالة الفرنسية. وأوضح أن «الأمور اللوجيستية جاهزة، لكن هناك تأخيرا من قبل المسلحين»، في إشارة إلى مقاتلي فصائل المعارضة المسيطرة على إدلب، وأبرزها «جبهة فتح الشام». وأكد تقي الدين، أن «دخول القوافل إلى مضايا والزبداني جاء بادرة حسن نية من الحكومة، لكنها لن تخرج إلا بشكل متواز مع قوافل الفوعة وكفريا».
وبالتزامن، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن عدداً من الحافلات دخلت إلى منطقة وادي بردى في محافظة ريف دمشق الشمالي الغربي، التي كانت شهدت في أواخر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي 2017 عملية تهجير لأكثر من 2100 شخص، بينهم مئات المقاتلين إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، حيث أكد «المرصد» أن الحافلات دخلت لنقل رافضين لـ«المصالحة وتسوية الأوضاع» من بلدات وقرى وادي بردى، وتهجيرهم إلى الشمال السوري، ضمن «عملية تنفيذ اتفاق التغيير الديموغرافي» في المدن الأربع (مضايا والزبداني والفوعة وكفريا)، الذي تتواصل التحضيرات له في انتظار بدء تنفيذه. وكانت مصادر مطلعة على الاتفاق أكدت في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن قياديا من «جبهة النصرة» هو من خاض المفاوضات في قطر مع الطرف الإيراني و«حزب الله» ووقّع الاتفاق، بالتنسيق والتفاهم مع «حركة أحرار الشام»، باسم «جيش الفتح»، الذي عمليا، لم يعد موجودا بعد الخلاف والاقتتال الذي حصل بين الطرفين على خلفية المشاركة في مفاوضات آستانة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم