«تمويل الثقافة وإشكالية النهوض»: القرصنة التهديد الأكبر

في ورقته التي تحمل عمل بعنوان: «تمويل الثقافة وإشكالية النهوض بالصناعات الثقافية»، يسلط الأكاديمي والباحث الجزائري (من جامعة أبو بكر بلقايد، في تلمسان بالجزائر) الدكتور رشيد بن مالك، الضوء على مفهوم «الصناعات الثقافية والصناعات الإبداعية»، حيث يقول: «حتى نفهم جوهر الممارسة الإبداعية والابتكارية في علاقتها بالصناعات الثقافية يجدر بنا أن نحدد في المقام الأول الفروق الجوهرية بين الإبداع والابتكار».
ويضيف: «الإبداع هو قدرة الفرد أو الجماعة على اختراع مفهوم جديد أو شيء جديد أو اكتشاف حل أصيل لمشكلة. أما الابتكار فهو استعمال منتوج (سلعة أو خدمة)، أو إجراء جديد أو محسن بشكل ملموس، أو منهج جديد في التسويق، وفي تنظيم ممارسات المؤسسة، وفي تنظيم مكان العمل والعلاقات الخارجية؛ بعبارة أخرى، الابتكار هو تحسين ما هو موجود بطريقة تضمن النجاح التجاري. يمكن أن تتضمن هذه العملية منتوجاً أو خدمة جديدة».
وبعد أن يخرج من إشكالات المصطلح، يلاحظ أن الصناعات الثقافية التي عملت اليونيسكو، في بيان مكسيكو 1982، على نشرها في مختلف أرجاء العالم، أضحت تمس طائفة واسعة من المجالات كالموسيقى، والفنون، والكتابة، وإنتاج الأزياء وتصميمها، والصناعات الإعلامية مثل الإذاعة والنشر والإنتاج السينمائي والتلفزيوني، والفنون المشهدية، وألعاب الفيديو.
أما الصناعات الإبداعية، فإنها تستعمل للدلالة على كل صناعة يكون مصدرها الإبداع الفردي، والمهارة والموهبة في إنتاج الثروة والعمل من خلال الاختراع المسخر لاستغلال الملكية الفكرية. وتشتمل على الهندسة المعمارية والتصميمات العصرية، والإشهار، والصناعات التقليدية، والموضة والسياحة الثقافية.
وفي العلاقة بين رشيد بن مالك الثقافة والتنمية المستدامة، يتناول الدكتور رشيد بن مالك 5 قضايا رئيسية، الأولى: الاهتمام الدولي بالمشكلة الثقافية، حيث شكّل بيان مكسيكو 1982 «خريطة طريق حقيقية ترسم لأول مرة في تاريخ البشرية». لكنه يشدد على أهمية ثيمة الثقافة والتنمية (1996) والبيان العالمي لليونيسكو حول التنوع الثقافي (2001)، حيث أضحى وبشكل تدريجي، البعد الثقافي عنصراً مركزياً في الخطابات حول التنمية المستدامة. «ويمكن أن نشدد، في هذا السياق على أن النزوع إلى وضع الثقافة في قلب التنمية يعد فرصة للحكومات لتعزيز القناعة بأن الحوار الثقافي يعد ضمانة حقيقية لإرساء دعائم السلم والاستقرار. وتشكل الثقافة في الخطاب السياسي عاملا من العوامل الأساسية لتحريك الإبداع وتحقيق رغد العيش والابتكار، وهذا من شأنه أن يعزز النمو وفرص العمل».
القضية الثانية: إشكالية الاستثمار في الثقافة، حيث «تضاعفت، في المدة الأخيرة، سياسات التنمية. واكتشفت المدن السلطة الكبيرة للثقافة لجلب المستثمرين». والقضية الثالثة: التنمية الثقافية بين المركز والهامش، حيث يرى أنه «لا يمكن أن تتحقق تنمية ثقافية شاملة إلا بإقامة عدالة إقليمية؛ ونعني بها مواجهة الاختلالات الموجودة بين المراكز والهوامش، والحرص على ضمان فرص تلبية الحاجيات الأساسية نفسها لكل فرد في المجتمع، وحيث ما يقيم. وعلى هذا الأساس ولمواجهة التفاوت الاجتماعي، ينبغي التشديد على ضرورة تأمين الحاجيات الأساسية للفئات الاجتماعية الأكثر حرماناً. ونعني بها أيضا التشكل الجغرافي الذي يضمن للجميع الاستفادة من الخدمات الاجتماعية، وفرص العمل، والامتيازات المتنوعة للحياة في المجتمع».
أما القضية الثالثة فهي شروط النهوض بالصناعات الثقافية، حيث يرى أن من الشروط يرتهن إليها النهوض بالصناعات الثقافية، تحسين حكامة الثقافة في المجتمع من أجل خلق الظروف الملائمة لبروز المؤسسات واستمراريتها. «فالحكامة شكل من أشكال الديمقراطية المشاركة وضرورية للتفكير في التطبيق الحسن لرهانات التنمية المستدامة. وتستوجب إرساء دعائم الحوار، والتشاور، والتوافق، والتعاون، والشراكة بين كل الأطراف المعنية بالتنمية الثقافية المستدامة».
والقضية الرابعة تشمل تمويل المشاريع الثقافية، وهو إذ يقترح تمويلاً من مصادر متعددة بينها مصادر تمويل غير تجارية بما تشمل من إعانات مساعدات والمنح وغيرها. وفي القضية الخامسة وهي «اتساع دائرة القرصنة»، يتحدث د. رشيد عن القرصنة باعتبارها «مشكلة كونية أضحت تشكل إجماعاً عند الهيئات الدولية. فالمنظمة العالمية للجمارك مثلا لاحظت في تحقيق حديث العهد أن 5 في المائة من التبادلات العالمية تنهض على المواد المقرصنة. وانتهت اللجنة الأوروبية إلى أن نسبة تتراوح بين 5 و7 في المائة من التجارة العالمية تقوم على القرصنة، أي من 200 إلى 300 مليار يورو تخص الأضرار التجارية. وتقدر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الخسارة الناتجة عن التبادلات التجارية العالمية بـ5 في المائة. ويشير في هذا السياق إلى معيار آخر يستشف من خلاله عمق الجرح ويتصل بعدد مناصب الشغل الناتج مباشرة عن القرصنة. قدر هذا العدد بـ120 ألفا في السنة بالولايات المتحدة الأميركية وأكثر من 100 ألف بالاتحاد الأوروبي (يتعلق الأمر بـ15 دولة شكلت الاتحاد الأوروبي قبل 2004). وتقدر الفيدرالية الدولية للصناعة الفوتوغرافية القرصنة التجارية في 2003 بـ5.4 مليار دولار في الولايات المتحدة الأميركية. ومن ضمن الإحصائيات التي قامت بها هذه الفيدرالية تلك المتعلقة بالمنتوجات الموسيقية التي بيعت في العالم وتمثل القرصنة منها 40 في المائة في مجال الصناعة السينمائية، قدرت الخسارة في أميركا بـ3 مليارات دولار عبر العالم بفعل القرصنة التجارية، ويضاف إليها مليار دولار إضافي بالنسبة للاقتصاديات المحلية كالهند واليابان ومصر وبعض الدول الأخرى التي ترسخت فيها الصناعة السينمائية». وفي مجال البرمجيات، قدرت قيمة الخسارة التي تلقاها اقتصاد الدول النامية والسائرة في طريق النمو في 2003 بـ29 مليار دولار عبر العالم مقابل 36 في المائة من البرمجيات المجهزة في الحواسب. وامتدت القرصنة إلى مجال طباعة الكتب لا سيما في البلدان الفقيرة، حيث إن تجارة هذه الكتب غالباً ما تتجاوز السوق القانونية.