وفد من الكونغرس يغادر الجزائر بعد يومين من «الاستعلام» عن انتخابات البرلمان

الحكومة تحججت بـ«شخصية البيانات» لرفض تسليم اللائحة

جزائريون يتفحصون صور وأسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية أمس (أ.ب)
جزائريون يتفحصون صور وأسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية أمس (أ.ب)
TT

وفد من الكونغرس يغادر الجزائر بعد يومين من «الاستعلام» عن انتخابات البرلمان

جزائريون يتفحصون صور وأسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية أمس (أ.ب)
جزائريون يتفحصون صور وأسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية أمس (أ.ب)

غادر وفد من الكونغرس الأميركي الجزائر أمس، بعد زيارة دامت يومين، كان الغرض منها الاستعلام حول انتخابات البرلمان المرتقبة في 4 من الشهر المقبل، والتي بدأت حملتها الانتخابية أول من أمس. ورفضت الحكومة منح نسخة من لائحة الناخبين (يتجاوزون 23 مليونا) لوفد من الاتحاد الأوروبي، بذريعة أنها تتضمن بيانات شخصية عنهم.
ويتكون الوفد الأميركي من مساعدي نواب بلجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، وقد التقوا خلال الزيارة القصيرة مع مسؤولي «مجلس الأمة»، (الغرفة الثانية في البرلمان)، الذين قدموا لهم شرحا عن التعديل الدستوري الذي جرى مطلع العام الماضي، والذي تم بموجبه، استحداث «هيئة عليا لمراقبة الانتخابات»، أرادتها السلطات ضمانة لنزاهة الانتخابات، لكنها خطوة لم تقنع المعارضة كونها آلية ليست مستقلة، ما دام أن الرئيس هو من اختار أعضاءها الذين يفوقون 400.
كما التقى وفد الكونغرس بقادة الحزب الإسلامي المعارض «حركة مجتمع السلم» المشارك في الاستحقاق التشريعي، وبقادة «طلائع الحريات» بزعامة رئيس الوزراء سابقا علي بن فليس، المقاطع للانتخابات بحجة أنها «مزورة» ومحسومة النتيجة لصالح الأحزاب الموالية للسلطة.
وقال بن فليس في بيان، إنه تناول مع البعثة الأميركية «علاقات التعاون الجزائري الأميركي وسبل تطويرها وتنميتها». مشيرا إلى «تقديره لتنويع مجالات التعاون الثنائي، ولوضع أسس الحوار الاستراتيجي بين البلدين». وعرض بن فليس على ضيوفه، بحسب البيان، «هوية حزب طلائع الحريات ومشروعه السياسي، وكذا المراحل التي قطعها في عملية الهيكلة وتوسيع قاعدته النضالية منذ حصوله على رخصة النشاط». وذلك قبل 5 سنوات، على خلفية انفتاح سياسي نسبي، أتاح الترخيص لعدة أحزاب بالنشاط، بعد أن أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، منذ وصوله إلى الحكم وقف منح الاعتمادات للأحزاب بحجة أن «الساحة السياسية متشبعة».
وأضاف بن فليس أنه «أعطى تقييما للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، بطلب من الوفد الأميركي، عشية موعد الانتخابات التشريعية، كما ذكّر بالأسباب التي أدت بحزب طلائع الحريات إلى اتخاذ القرار بعدم المشاركة في هذا الاستحقاق». ودعا رئيس الوزراء سابقا (2001 - 2003) خلال اللقاء، إلى «إخراج البلاد من الأزمة، من خلال مسار مسؤول وسلمي وتوافقي وتدرجي، ووضعه بذلك على درب الانتقال الديمقراطي الجامع». وحضر اللقاء سفيرة الولايات المتحدة لدى الجزائر، جوان بولاشيك.
والتقى الوفد قبيل مغادرته البلاد أمس، جمال ولد عباس أمين عام حزب «جبهة التحرير الوطني»، صاحب الأغلبية، حامل لواء «المشاركة المكثفة في الانتخابات». ويرجح أن ولد عباس قدم لضيوفه عرضا إيجابيا عن الأوضاع في البلاد، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، لأنه حزب الرئيس بوتفليقة. أما المعارضون، سواء مقاطعو المعترك الانتخابي أو المنخرطون فيه، فيحتفظون بمقاربة سلبية لما يجري في البلاد، فهم يرون أن فترة حكم بوتفليقة تميزت بالفساد وسوء التسيير، وإهدار فرصة كبيرة للإقلاع اقتصاديا، بحكم ارتفاع أسعار النفط ما بين 2000 و2012.
ويوجد في الجزائر، منذ اليوم الأول لحملة الاقتراع، وفد من الاتحاد الأوروبي عقد لقاءات مكثفة مع الكثير من الأحزاب من «الموالاة» والمعارضة، ومع صحافيين ونشطاء بجمعيات ومنظمات بعضها مستقل عن الحكومة، وبعضها الآخر تابع لها. وصرح أعضاء الوفد، بعد لقائهم بولد عباس أول من أمس، أنهم ليسوا بالجزائر بصفتهم مراقبين لمجريات العملية الانتخابية، لأن الاستحقاقات بالجزائر، حسبهم، لا تتوفر على المقاييس الدولية لانتخابات. وفهم من كلامهم أنهم يرفضون أن يكونوا شهودا على انتخابات، لا يمكن التأكد بدقة من نزاهتها.
وأول ما احتج عليه الاتحاد الأوروبي، في انتخابات 2012، أن وزارة الداخلية الجزائرية رفضت منح بعثته نسخة من لائحة الناخبين. والسبب، بحسب الحكومة، أن اللائحة تتضمن معطيات وبيانات شخصية عن المسجلين فيها، وأنه لا يحق للأجانب الاطلاع عليها. وأعلنت الحكومة بمناسبة الانتخابات الحالية، أنها لن تسلم هذه اللائحة لأي ملاحظ أجنبي، بمن في ذلك أعضاء وفد الجامعة العربية الموجودون بالجزائر.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.