هل يحتاج النظام المالي العالمي إلى تغيير؟

الدولار ركيزته الرئيسية يحدد لعملات الدول قيمتها

مناصرون للصين يرفعون لافتة ترحيب بانتظار وصول جينبينغ إلى مطار بالم بيتش في فلوريدا أمس (أ.ف.ب)
مناصرون للصين يرفعون لافتة ترحيب بانتظار وصول جينبينغ إلى مطار بالم بيتش في فلوريدا أمس (أ.ف.ب)
TT

هل يحتاج النظام المالي العالمي إلى تغيير؟

مناصرون للصين يرفعون لافتة ترحيب بانتظار وصول جينبينغ إلى مطار بالم بيتش في فلوريدا أمس (أ.ف.ب)
مناصرون للصين يرفعون لافتة ترحيب بانتظار وصول جينبينغ إلى مطار بالم بيتش في فلوريدا أمس (أ.ف.ب)

النظام المالي العالمي هو المؤثر الرئيسي في العلاقات الدولية، وعبره تصنف الدول اقتصادياً ويقاس مدى صمودها أمام الأزمات، التي زادت في السنوات الأخيرة، وسط توقعات بارتفاع وتيرتها الفترة المقبلة، وما دام الدولار من أهم أعمدة هذا النظام، فإن حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنوك المركزية حول العالم، يعطي قيمة لعملة كل دولة بحسب حجم الدولارات المملوكة لها.
وتتعامل الدول والحكومات بحسب تلك المعطيات، لكن ماذا لو أن «النظام المالي العالمي أصبح أكبر عملية احتيال مقننة في التاريخ»؟، بحسب ما قال الخبير الاقتصادي الروسي فالنتين كاتسوف.
يقول حسن عطا، خبير الاقتصاد الكلي، إن الدولار أصبح سيد العملات، وبالتالي هو المتحكم في اقتصادات الدول حول العالم، الأمر الذي يعطي الولايات المتحدة الأميركية الأولوية في تحريك النمو العالمي، إلا أن الصين فرضت نفسها من خلال المعطيات ذاتها؛ الأمر الذي زاد من طموحاتها الدولية؛ خصوصاً الاقتصادية. ويضيف عطا في كتاب يحمل عنوان: «الاحتيال العظيم... كيف أصبح الدولار أكبر خدعة في التاريخ»؟ صدر مؤخراً واطلعت عليه «الشرق الأوسط»، أن النظام المالي العالمي يعد ظالماً لبعض الدول الأخرى، لما له من مركزية تعطي أميركا مساحة للتحكم في معدلات النمو للدول الأخرى. وقال عطا لـ«الشرق الأوسط»، إن الأزمة المالية العالمية الأخيرة في عام 2008، كشفت كثيرا من الثغرات في النظام المالي العالمي الحالي، مثل عدم قدرة أكبر البنوك العالمية على اجتياز اختبارات تحمل المخاطر، فضلاً عن أن البعض منها يدفع حالياً غرامات مالية بالملايين بتهمة التدليس وحجب المعلومات، وغسل الأموال.
ويتأثر الدولار الأميركي بالأحداث العالمية التي من شأنها التأثير في الاقتصاد الدولي، مما يجعله يتحرك بوتيرة أسرع من عملات أخرى غير مؤثرة، وتعرض الدولار لضغوط يوم الأربعاء الماضي، بعدما أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً سقط في البحر قبيل اجتماع قمة بين الرئيسين الأميركي والصيني، مما جعل العملة الأميركية تتخلى عن المكاسب التي حققتها قبل ذلك.
وفي خضم التغيرات التي تريد الولايات المتحدة وضعها على الاقتصاد العالمي، من حمائية تجارية، فإن الصين دعتها إلى احترام القواعد التجارية الدولية وتحسين التعاون والحوار، في رد فعل على أمرين جديدين أصدرهما الرئيس دونالد ترمب ويدعوان إلى تحقيق في انتهاكات تجارية.
وقال متحدث باسم وزارة التجارة الصينية في كلمة يوم السبت الماضي إن أي إجراءات تجارية أميركية لا بد من أن تلتزم بالقواعد التجارية الدولية المقبولة بشكل عام، ولا بد من معالجة الخلافات بين البلدين بشكل سليم. وأضاف أن «الصين مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة على أساس المساواة والمنفعة المشتركة».
ووقع ترمب أمرين تنفيذيين يوم الجمعة الماضي استهدفا التحقيق في انتهاكات محتملة تسببت في عجز تجاري أميركي ضخم، ووقف التهرب من رسوم الاستيراد.
يأتي هذا في الوقت الذي استضاف فيه ترمب الرئيس الصيني شي جينبينغ أمس، في منتجع «مار إيه لاجو» في فلوريدا، حيث من المتوقع أن تكون التجارة أحد محاور الحديث.
ويقول عطا في كتابه: «الدولار سيد العملات وقائدها، مصدر قوة أميركا وتحالفها الغربي، أساس ثراء الدول، وفي نفس الوقت سبب فقرها، الدولار تلك الكلمة السحرية التي أصبحت وكأنها عصب الحياة كالماء والهواء يبث، وجوده الرخاء، وبمنعه تختفي مباهج الدنيا».
وأضاف: «الدولار في الأصل وبالمعنى الحرفي للكلمة لا قيمة مادية له، بل هو مجرد قصاصة ورق مطبوعة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بل هو أكبر عملية احتيال واسعة النطاق ومستمرة منذ مائة عام تقريبا وما زالت».
وفي عام 1988 اجتمع عدد من محافظي البنوك المركزية لدول «مجموعة العشر»، وهي أهم الدول الصناعية في العالم، في مدينة بازل السويسرية لتدارس أسواق النقد العالمية، وقدرة البنوك على مواجهة التوسع الاقتصادي العالمي، واتخذت المجموعة عددا من القرارات بوضع معايير معينة لا بد من أن تلتزم بها البنوك لتحقيق الأمان للأموال المودعة بها، وألزمت هذه المعايير البنوك بالاحتفاظ بحد أدنى من رأس المال نسبةً من القروض التي تمنحها لعملائها، وسميت «معدل كفاية رأس المال»، التي أطلق عليها فيما بعد «معايير بازل» الأولى والثانية والثالثة.
وإذا نظرنا إلى وضع الاقتصاد العالمي، فسنجد أنه يعاني من تركة تحديات ضخمة، خفضت معها بعض الدول أسعار الفائدة البنكية إلى «صفر»، ووصلت بالسالب في دول أخرى (تستخدم نحو 7 بنوك مركزية حول العالم الفائدة السلبية) وتبدو عاجزة عن تقديم حلول فعالة للأزمة الاقتصادية، بخاصة في أوروبا واليابان، ولجأت أغلب الحكومات إلى برنامج للتيسير الكمي (شراء الأصول) في إجراء سهل لضخ سيولة جديدة في الأسواق؛ كما ارتفعت الديون السيادية على الدول حول العالم، نتيجة ارتفاع العائد على السندات وأذون الخزانة، فضلاً عن القروض التي توسعت فيها معظم الدول، لجذب سيولة جديدة.
وزادت المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي العالمي، وفقاً لهذه المعطيات، كما تراجعت آفاق النمو المتوقعة في الاقتصادات المتقدمة والناشئة أيضاً، ونتج عنها أزمة سيولة ضربت بعض الأسواق، انخفضت معها قيمة الأصول إلى مستويات أقل مما يتناسب مع أساسيات الاقتصاد الكلي.
ووصل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة التباطؤ، نتيجة تراكم هذه المؤشرات المخلّفة من الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى معطيات مثل تراجع أسعار النفط والسلع الأولية، الذي تسبب في تراجع معدلات التضخم في بعض الدول بأقل من المستهدف.
وتوسعت دول العالم في استخدام القروض والسندات والتوريق والصكوك وأذون الخزانة، نتيجة رغبة الحكومات في زيادة معدلات النمو في بلدانها، في ضوء تداعيات الأزمة المالية العالمية في 2008، مما رفع حجم الديون العالمية إلى 152 تريليون دولار، بما يمثل 225 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي خلال العام الماضي.
وقال صندوق النقد الدولي مؤخراً إن العالم يسبح في ديون حجمها 152 تريليون دولار وذلك بنهاية العام الماضي، لكن هذا المستوى القياسي لم يمنع الصندوق من تشجيع بعض الدول على زيادة الإنفاق لتعزيز النمو.
وأوضح تقرير صادر عن الصندوق أن الديون العالمية العامة والخاصة بلغت 225 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي العام الماضي ارتفاعاً من نحو 200 في المائة عام 2002، موضحاً أن نحو ثلثي إجمالي ديون عام 2015؛ أي نحو 100 مليار دولار، مستحقة على مقترضين من القطاع الخاص، محذراً من أن تنامي الدين الخاص عادة ما يفضي إلى الأزمات المالية.
ووفقاً لـ«معهد التمويل الدولي»، زادت الديون العالمية سواء الاستهلاكية أو الحكومية أو ديون الشركات المالية وغير المالية، أكثر من 10 تريليونات دولار في النصف الأول من العام الحالي، لتتجاوز 216 تريليون دولار، بما يعادل 327 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي.
وكانت الزيادة كبيرة على نحو خاص في قطاع الشركات غير المالية؛ حيث زادت الديون 3.3 تريليون دولار إلى أكثر من 63 تريليون دولار، وفي القطاع الحكومي؛ حيث زادت الإصدارات 3.3 تريليون دولار أيضاً إلى 59 تريليون دولار.
وتقترب ديون الأسواق المتقدمة سريعاً من 400 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث زاد إجمالي إصدارات الديون في شتى قطاعات الأسواق المتقدمة 8 تريليونات دولار إلى أكثر من 163 تريليون دولار في النصف الأول من العام. وبهذا يصل مستوى الديون إلى 393 في المائة من الناتج الاقتصادي في الأسواق المتقدمة، بزيادة أكثر من 50 نقطة مئوية عنه قبل 10 سنوات.
ورغم التحذير الواضح من صندوق النقد الدولي بحدوث أزمات مالية، فإن مديرة الصندوق كريسين لاغارد حثت مؤخراً الحكومات القادرة على الاقتراض وإنفاق المزيد، على أن تفعل ذلك لتعزيز النمو الذي يعاني من ضعف مستمر.



النفط يسجل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر

منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)
منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)
TT

النفط يسجل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر

منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)
منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)

ارتفعت أسعار النفط قليلاً يوم الجمعة متجهة صوب تسجيل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مع تفاقم المخاوف بشأن الإمدادات بسبب عقوبات إضافية على إيران وروسيا في حين أثرت توقعات الفائض على الأسواق.

وزادت العقود الآجلة لخام برنت 28 سنتاً أو 0.38 في المائة إلى 73.69 دولار للبرميل بحلول الساعة 14.08 بتوقيت غرينتش، وارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 30 سنتاً أو 0.43 بالمائة إلى 70.32 دولار للبرميل.

واتجه الخامان صوب تسجيل مكاسب أسبوعية بأكثر من ثلاثة في المائة بفعل مخاوف من اضطراب الإمدادات بعد فرض عقوبات أشد على روسيا وإيران، وكذلك آمال بأن تعزز إجراءات التحفيز الصينية الطلب في ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.

ومن المتوقع أن تظل واردات الخام للصين، وهي أكبر مستورد في العالم، مرتفعة حتى أوائل عام 2025، إذ تميل المصافي لزيادة الإمدادات من السعودية، أكبر مُصدر في العالم، بسبب انخفاض الأسعار بينما تسارع المصافي المستقلة إلى استغلال حصصها.

ورفعت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري عن سوق النفط توقعاتها لنمو الطلب إلى 1.1 مليون برميل يومياً، من 990 ألف برميل يومياً في الشهر الماضي. وقالت إن نمو الطلب «سيكون إلى حد كبير في الدول الآسيوية بسبب تأثير إجراءات التحفيز الأحدث في الصين».

ومع ذلك، توقعت الوكالة فائضاً في العام المقبل، عندما كان من المتوقع أن تزيد الدول غير الأعضاء في تحالف أوبك بلس الإمدادات بنحو 1.5 مليون برميل يومياً، بقيادة الأرجنتين والبرازيل وكندا وجيانا والولايات المتحدة. ويراهن المستثمرون على خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تكاليف الاقتراض الأسبوع المقبل على أن يُتبع ذلك بتخفيضات أخرى العام القادم بعد أن أظهرت بيانات اقتصادية ارتفاعاً غير متوقع في طلبات إعانة البطالة الأسبوعية.

وبالتزامن، ذكرت «بلومبرغ نيوز»، يوم الجمعة، أن الإمارات تعتزم خفض شحنات النفط في أوائل العام المقبل وسط مساعي مجموعة أوبك بلس لانضباط أقوى في تلبية أهداف الإنتاج.

وذكر التقرير أن شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) خفضت شحنات النفط الخام المخصصة لبعض العملاء في آسيا، مما قلص الأحجام بنحو 230 ألف برميل يومياً عبر درجات الخام المختلفة، وذلك نقلاً عن شركات لديها عقود لتلقي الشحنات.

من جهة أخرى، قال متعاملون ومحللون إن سعر النفط الخام الإيراني للصين ارتفع إلى أعلى مستوى منذ سنوات بسبب عقوبات أميركية إضافية أثرت على قدرات الشحن ورفعت تكاليف الخدمات اللوجيستية.

ويؤدي ارتفاع أسعار النفط الإيراني والروسي إلى زيادة التكاليف على المصافي الصينية المستقلة التي تمثل نحو خمس الطلب في أكبر سوق مستوردة للخام في العالم، مما يسلط الضوء على تحديات محتملة في ظل توقعات بأن تزيد إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب الضغوط على طهران عندما تتولى السلطة.

وأوضح متعاملون أن بعض المصافي تتحول إلى إمدادات غير خاضعة لقيود العقوبات، بما في ذلك من الشرق الأوسط وغرب أفريقيا، لتلبية الطلب الموسمي في الشتاء وقبل رأس السنة القمرية الجديدة.

وانخفضت الخصومات على الخام الإيراني الخفيف لنحو 2.50 دولار للبرميل مقابل خام برنت في بورصة إنتركونتيننتال على أساس تسليم ظهر السفينة في ميناء الوصول للصين، وذلك مقارنة بخصومات أقل من أربعة دولارات في أوائل نوفمبر. وقال متعاملون إن الخصومات على الخام الإيراني الثقيل تقلصت أيضاً إلى نحو أربعة إلى خمسة دولارات للبرميل من نحو سبعة دولارات في أوائل نوفمبر.

وترتفع أسعار الخام الإيراني منذ أكتوبر (تشرين الأول) عندما انخفضت صادرات الدولة العضو في «أوبك» في أعقاب مخاوف من هجوم إسرائيلي على منشآت نفط إيرانية.

وأفادت المصادر وبيانات الشحن من مجموعة بورصات لندن بأن تشديد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعقوبات على طهران الأسبوع الماضي أدى إلى توقف بعض السفن التي تنقل الخام الإيراني عبر ناقلات أخرى إلى الصين قبالة سواحل سنغافورة وماليزيا.

وأظهرت بيانات كبلر لتتبع السفن أن واردات الصين من النفط الخام والمكثفات الإيرانية انخفضت في نوفمبر بنحو 524 ألف برميل يومياً إلى أدنى مستوى في أربعة أشهر عند 1.31 مليون برميل يومياً مقارنة بالشهر السابق.

وأظهرت بيانات الشحن من مجموعة بورصات لندن أن عدداً من ناقلات النفط الخام العملاقة الخاضعة للعقوبات تبحر قبالة سواحل ماليزيا. وأوضحت البيانات أن ناقلة نفط خاضعة للعقوبات أبحرت من الصين يوم الجمعة. وقالت مصادر تجارية إن الناقلة أفرغت حمولتها في ميناء ريتشاو بمقاطعة شاندونغ.

وقال محللون إن أسعار النفط الإيراني تلقت دعما جزئياً من تعافي الطلب في الصين مع شراء المصافي المستقلة المزيد من الخام بعد الحصول على حصص استيراد إضافية من الحكومة وزيادة إنتاجها من الوقود قليلاً.