الرقصات الفولكلورية في إيران.. رمز للابتهال والبهجة والنشاط

تؤهلها لأن تصنف في قائمة اليونيسكو لأن ستا منها طواها النسيان

رقصة طريق الحرير التي تتخذ من العصر الصفوي موضوعا
رقصة طريق الحرير التي تتخذ من العصر الصفوي موضوعا
TT

الرقصات الفولكلورية في إيران.. رمز للابتهال والبهجة والنشاط

رقصة طريق الحرير التي تتخذ من العصر الصفوي موضوعا
رقصة طريق الحرير التي تتخذ من العصر الصفوي موضوعا

تختلف العادات والتقاليد من منطقة إلى أخرى في إيران، وتحدد هذه التقاليد أسلوب حياة السكان في مختلف المناطق. ولم يفقد معظم هذه التقاليد بريقه، بل ما زلنا نلاحظ التأثير المادي والمعنوي لهذه التقاليد الضاربة في القدم في كل مدينة وقرية في إيران. وتتضمن التقاليد الرقصات الفولكلورية.
قال الباحث والمهتم في مجال الثقافة، والمقامات الموسيقية، الباحث دامون شش بلوكي لـ«الشرق الأوسط»: «فقد معظم الرقصات الفولكلورية والتقاليد في الوقت الحاضر بريقه، ولكن يمكن الحفاظ على مضامين هذه التقاليد والعادات بأشكالها المختلفة، وإضفاء قوالب جديدة عليها، من خلال تبني نظرة إيجابية وبراغماتية».
وأضاف شش بلوكي: «لقد توجهت إلى مناطق مختلفة في إيران، وذلك ضمن دراسة ميدانية أجريتها أخيرا، إذ وصلت إلى نتيجة مفادها أن القوميات المختلفة ما زالت حريصة على الحفاظ على تقاليدها القديمة وتعزيزها، وذلك رغم انتشار الأدوات الحديثة وأساليب الحياة الجديدة في هذه المناطق. فيمكن القول إن القضايا الثقافية المترسخة في المجتمع قد تقف على شفا الانهيار، ولكنها لا تزول، رغم أنها قد لا تلائم العصر الحاضر، ولا تساعد الظروف الطبيعية في تطويرها. على سبيل المثال، فإن عملية حصاد القمح تجري بأسلوب مختلف عما كان سابقا، غير أن الرقصات الخاصة باحتفالات موسم حصاد القمح مليئة بالبهجة والسرور. يؤدي المسؤولون في قطاع الثقافة دورا مهما في تجميع، وتسجيل، وصيانة، وترويج الطابع الثقافي الذي تحمله التقاليد والعادات المنتشرة في مختلف المناطق الإيرانية، غير أن هذا الحقل يعاني من عدم اهتمام المسؤولين في البلاد».
يعود تاريخ رقصة «الحصان الخشبي» الفولكلورية في مدينة سبزوار إلى فترة حكم المغول منذ أكثر من ألف عام، حيث فرض الحكام حظرا على تدريب الشباب على المهارات القتالية، والمصارعة البهلوانية التقليدية التي تعتمد على التدريب الجسدي لأهداف أخلاقية وقتالية. ویرمز الحصان الخشبي في هذه الرقصة إلى الفارس الذي يحظى باستقبال شعبي لدى وصوله، وإذا كان الفارس في صفوف الأعداء فسيقوم الناس بمهاجمته.
ويقدم البلوش في إيران رقص «البلوشي» الشعبي التاريخي. وكان الرجال والنساء يشاركون في هذه الرقصة. يؤدي الرجال والنساء هذه الرقصة في الوقت الحاضر، كل على حدة، في الاحتفالات الخاصة.
وأضاف شش بلوكي: «تتخذ كلمة الرقص طابعا خاصا في كل منطقة. وقد لا تكون هذه الكلمة التي تستخدم بشكل عام العبارة الملائمة للتعبير عن الحركات التي تجري تأديتها في مختلف المناطق الإيرانية على غرار رقصة الأتراك التي تسمى (أويناماق)».
يتوزع الراقصون في الرقصة الشعبية في إقليم أذربيجان الإيراني ضمن مجموعات تضم عدة أشخاص. ويقدم كل مجموعة جانبا خاصا من الرقصة التي تتطلب المهارة، ورشاقة بدنية عالية. ويتميز الرقصة الـ«بجنوردية» بحركاتها المتناسقة على أنغام موسيقية، وتضفي الألوان الزاهية لأزياء النساء والرجال جمالا خاصا على الرقصة. وتسمى الرقصة الدارجة في المناطق التي يتحدث أهلها الطبرية بـ«سما»، ويجري عرضها بشكل فردي وجماعي.
ویقدم الرجال في إقليم غيلان عرضا راقصا بالمزامير، احتفالا بانطلاق موسم الزرع لشكر النعمة.
وقال الخبير الأنثروبولوجي حسن إسماعيل بور لوكالة الميراث الثقافي للأنباء: «تؤدي النساء رقصة قاسم آبادي في إقليم غيلان، وتتميز الرقصة بحركاتها المتناسقة».
ويحافظ أهالي محافظة همدان على التقاليد الثقافية والفنية، منها الرقص الفلكلوري الذي يؤديه الأتراك القاطنون في المنطقة على أنغام موسيقية جميلة، في الوقت الذي لدى الأكراد في همدان أنواع مختلفة من الموسيقى والرقص الكردي.
وتعرف الأنغام المحلية الدارجة في منطقة بويرأحمد بـ«قس». وتتنوع الرقصات الشعبية في هذه المنطقة.
ويؤدي سكان إيلام رقصة «جوبي» بشكل فردي أو جماعي. وتتمتع هذه الرقصة بميزات فنية وموسيقية. وتنتشر في المناطق الكردية واللورية في إيران. كما تنتشر موسيقى العزاء بين سكان المنطقة، حيث تجري تأديته على أنغام حزينة.
ويستخدم الأكراد مختلف أنواع الأدوات الموسيقية المحلية في حفلات الزفاف، والعزاء. وتشتبك الأيادي في معظم الرقصات الكردية الشعبية.
وترتدي النساء التركمانيات في محافظة غلستان ومنطقة صحراء تركمان في شمال إيران أزياء حمراء، والتشادورات الخاصة فيما يرتدي الرجال أحذية مصنوعة من الجلد.
ولدى التركمان تقاليد لافتة للنظر، تبدأ من أداء حركات متناسقة على وقع أنغام غريبة، مرورا بالأغاني الرائعة التي يصل تاريخها لآلاف السنين، ويجري تأديتها لعلاج الأمراض المستعصية. ويؤدي أهالي إقليم لورستان أغاني تسمي بقراءة الشاهنامة، وتُصنَّف ضمن الموسيقى الملحمية. كما أن هناك نوعا من الأغاني يجري تأديتها لدى نفوق الحيوانات.
ويتشارك الرجال والنساء في أداء الأغاني الحزينة لدى فقدان أحبائهم.
ويمارس سكان محافظة هورمزغان طقس الزار، وهو نوع من طقوس السحر من خلال أنغام موسيقية. وتنتشر «رقصة أوزا» بين سكان المنطقة.
وقال دامون شش بلوكي: «إن الرقصات الشعبية والحركات المتناسقة، والألعاب الشعبية في مختلف المناطق تندرج ضمن المؤشرات الثقافية الفنية، التي تتمتع بأبعاد وجوانب مختلفة. ويحتاج كل جانب إلى دراسة خاصة ومتفاوتة. ما يلفت النظر في معظم الرقصات الفولكلورية الضاربة في القدم، هو أنها تحمل قصصا أسطورية، إذ يعبر الراقصون فيها عن مجموعة من العناصر التاريخية القديمة الخاصة بالأساطير، والمعتقدات، والأسس العقائدية للطقوس المختلفة، وتتخذ الرقصات أحيانا إطارا ملحميا. وتعد البيوت الشعرية، وما يتبعها من إيقاع وموسيقى خاص بها، جزء لا يتجزأ من معظم الرقصات الفولكلورية».
وأضاف شش بلوكي: «تعد الأسرة ركنا أساسيا في المجتمعات العشائرية التقليدية التي لا تزال تعيش بعيدة عن أساليب الحياة المعاصرة. هذه المجتمعات هي مجتمعات منتجة وغير استهلاكية. وتتوزع الأعمال اليومية بين أفراد الأسرة، إذ تتطلب الأعمال اليومية الشاقة وحالة التعب الناتجة عنها توفير أجواء مبهجة ليشعر الأفراد بالاسترخاء. وتعد الرقصات والأنغام الموسيقية بمختلف أشكالها من أهم العناصر التي تساهم في خلق مثل هذه الأجواء».
تسمى الرقصة الفولكلورية لقبيلة القشقائيين في إيران «هلي»، وتتنوع الرقصات الشعبية بين البختياريين، إذ تتميز بعض رقصاتهم بالطابع الملحمي.
وقال شش بلوكي: «إن الرقصات الفولكلورية في المناطق المختلفة لها دلالات خاصة تبرز في الأنغام الموسيقية، والحركات التي يؤديها الراقصون. يؤدي القشقائيون رقصة (هلي) من خلال نقر الرجلين، في الوقت الذي تتميز فيه رقصة الأتراك بحركات الرجلين المنسجمة مع إيقاع الأدوات الموسيقية المحلية. وتؤدي النساء القشقائيات رقصة المناديل الجماعية، إذ ترمز حركة المناديل الملونة التي تتطاير في الهواء إلى محاولات لإبعاد الشر، والقوى الشيطانية، وجلب الخير. وتتخذ الرقصات التي تجري تأديتها من قبل الرجال طابعا حماسيا تبرز فيه أشكال تنافسية، ورياضية، ومهارات قتالية».
وأشار شش بلوكي إلى أن «الميزة المشتركة لمعظم الرقصات الفولكلورية في إيران هو أنها تجري تأديتها بشكل جماعي، مثل الرقصات الرجالية أو النسائية أو الرقصات المشتركة التي يجري تقديمها في مواسم الحصاد أو الزرع أو في مناسبات العمل المختلفة مثل موسم حصاد الأرز في المناطق القشقائية، أو في بويرأحمد، أو الرقص الفلكلوري لأهالي منطقة تربت جام في مواسم الزرع والحصاد للقمح».
وأضاف شش بلوكي: «تساهم هذه الرقصات في تعزيز روح التعاون والمحبة بين المشاركين فيها، في الوقت الذي تعزز بعض الرقصات الأبعاد العقائدية والعبادة الجماعية بين المشاركين فيها».
ویعتقد الخبراء الذين كانوا يسعون لتوثيق الرقصات الفولكلورية الإيرانية وتقديمها للعالم، يعتقدون أن هذه الرقصات تتمتع بميزات تؤهلها لأن تصنف في قائمة اليونيسكو لروائع التراث الشفهي. يقال إن ما يقارب نحو ست رقصات فلكلورية في إيران طواها النسيان، مما يؤكد على أهمية التوثيق العلمي لهذه الرقصات، لكي تتذكر الأجيال المقبلة أن الرقصات الفولكلورية في إيران كانت ترمز للابتهال، والبهجة، والنشاط.
* إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية-
{شرق بارسي}



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».