مجلة «الشارقة الثقافية»... مشروع محمد عزيز الحبابي

مجلة «الشارقة الثقافية»... مشروع محمد عزيز الحبابي
TT

مجلة «الشارقة الثقافية»... مشروع محمد عزيز الحبابي

مجلة «الشارقة الثقافية»... مشروع محمد عزيز الحبابي

تحت عنوان «سيرة مثقف» جاءت افتتاحية العدد السادس من مجلة «الشارقة الثقافية» التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة، التي سلطت الضوء على مؤلفات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتنوعها بين المسرح والتاريخ والسيرة الذاتية والبحث والأدب، مشيرة إلى أنها تحمل قيماً إبداعية ومعرفية وتاريخية.
في حين استعرض مدير التحرير نواف يونس في مقالته تحت عنوان «لسنا ردة فعل» بعض مظاهر الاقتباس والتناص والاستعارة والتأثر الغربي بشعاع الحضارة العربية والإسلامية وهي في أوجها، في الأدب والعلوم والفلسفة وكثير من مجالات المعرفة، وخلص إلى أن تلك الاستشهادات يجب أن تكون حافزا ودرسا لنا في أهمية العودة إلى منهج البحث العلمي في إحياء العلوم الطبيعية والإنسانية.
وفي تفاصيل العدد قدم المستشرق الإسباني خوسيه ميغيل قراءة في «خطاب بيكو في كرامة الإنسان»، واعتبر فكرة أن الإنسان هو «أشرف الخلق وأفضله» عربية إسلامية سابقة لكل أنسنة غربية. أما الباحث الدكتور يحيى عمارة فكتب عن مشروع المفكر محمد عزيز الحبابي الذي يعد مؤسس الفكر الفلسفي المعاصر في المغرب.
وتضمن العدد تغطية شاملة حول فعاليات بيوت الشعر العربية من الشارقة إلى الأقصر والمفرق والقيروان وتطوان وصولاً إلى نواكشوط والخرطوم. وتضمن العدد أيضاً وقفة مع الروائي البريطاني الشهير تشارلز ديكنز، وزيارة إلى متحفه الذي يضم أهم مجموعة عالمية من مقتنيات ديكنز الشخصية بقلم فيء ناصر، ومداخلة حول أدب الروائي عبد الرحمن منيف لـ«د.بهجية إدلبي»، فيما كتب أشرف أبو اليزيد عن الكوري «مانهي» «الذي يلتقط الحياة ويقتنص المفردة الشعرية»، وتناول وفيق صفوت المسيرة الشعرية للشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا.
وفي باب «فن. وتر. ريشة» كتب زياد عبد الله عن بينالي الشارقة (13)، ونشر عمر إبراهيم محمد مقالا عن فان جوخ، فيما تناول محمد العامري تجربة الفنان محمود طه «الذي رحل وفي قبضته بقايا من تراب وطنه»، وتوقف محمود الغيطاني عند السينما الجزائرية التي حصدت أول جائزة ذهبية عربية في مهرجان كان، فيما كتب ياسين عدنان عن رحيل الفنان محمد حسن الجندي بعد توقيعه على سيرته الذاتية، فضلا عن حوار مع الفنان مرعي الحليان، وقراءة لعبده وازن في مسرحية «جوليا دومنا» وهي من تأليف وإخراج شريف خزندار وتمثيل ميراي معلوف، وتطرق فوزي كريم في مقالة له لفن الأوبرا وتذوق السيمفونية وصولا إلى الأوركسترا.
وأفرد العدد مساحة للقصائد والقصص القصيرة والترجمات لمجموعة من الشعراء والكتاب العرب.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.