هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس

تحت شعار «فلسطين: مائة عام من المقاومة»

هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس
TT

هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس

هواجس «اليسار العربي» في ضيافة تونس

بينما كان القادة العرب يعدون للالتقاء في الأردن، استضافت تونس أخيراً «المؤتمر الثامن لليسار العربي» الذي التأم تحت شعارات كثيرة، أبرزها: مساندة المطالب الوطنية لشعب فلسطين بمناسبة مرور مائة عام على صفقة «سايكس - بيكو» الاستعمارية البريطانية الفرنسية التي قسَّمَت بلاد الشام والعراق إلى 4 دويلات ومهّدت لاحتلال فلسطين. إذ رفع المؤتمر شعار «فلسطين: مائة عام من المقاومة»، واستبق مظاهرات بالجملة شهدتها العاصمة التونسية لإحياء «يوم الأرض الفلسطيني» نظمتها نقابات المحامين وهيئات حقوقية ومنظمات من المجتمع المدني وأحزاب تونسية مختلفة.
لكن هل يُعدّ توافد مزيد من القادة اليساريين العرب على تونس «دعماً للمقاومة الفلسطينية»، مؤشراً لصمود تيار من النخب العربية وانحيازها بقوة لمطالب التحرّر الوطني الفلسطينية... أم أنه مجرد «رسالة من تحت الماء» وجَّهَها هؤلاء الساسة «الثوريون» لتغطية عجزهم عن الفعل والتأثير في مجرى الأحداث؟
ثم، لماذا تناسى زعماء اليسار العربي «ثوابتهم» و«مرجعياتهم الفكرية والسياسية الماركسية» التي تؤكد على «حتمية الصراع الطبقي» وتبشر بانتصار «الطبقة الكادحة» على رؤوس الأموال والحكومات الليبرالية؟
قد تكون تونس والجزائر والمغرب آخر بلدان العالم العربي والإسلامي والأفريقي «التي لا تزال الأحزاب الشيوعية والاشتراكية الماركسية تلعب فيها دوراً سياسياً كبيراً».
هكذا علّق رئيس الحكومة الجزائري السابق سيد أحمد غزالي في لقاء مع «الشرق الأوسط» على الدور الذي تلعبه أحزاب من «أقصى اليسار» في البلدان المغاربية. وكانت هذه الأحزاب قد لعبت دوراً طليعياً في المؤتمر الذي استضافته العاصمة التونسية، وشارك فيه يساريون وإسلاميون وليبراليون.
وبطبيعة الحال، كان ممثلون عن فصائل من اليسار الفلسطيني والأردني والعربي والمغاربي على رأس المحتفين بهذه الذكرى الرمزية، التي رعتها سفارة فلسطين في تونس وشخصيات من النقابيين والسياسيين اليساريين العرب من جنسيات مختلفة، بينهم قادة «أقصى اليسار التونسي» في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحَّد الذي يتزعمه النقابي والبرلماني زياد الأخضر منذ اغتيال الزعيم اليساري القومي شكري بلعيد في فبراير (شباط) 2013.

الهزائم الانتخابية
الطاهر شقروش، الزعيم اليساري التونسي، الجزائري الأصل، رأى أن مؤتمر أحزاب اليسار العربي في نسخته الثامنة: «لا يخفي عجز الجيل الجديد من اليساريين عن مواكبة التحديات التي تواجه شعوبهم منذ انهيار المعسكر الاشتراكي والأنظمة المحسوبة على الشيوعية والاشتراكية عالمياً». ووفق شقروش، الذي سبق أن حوكم بالسجن لمدة طويلة في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة بسبب انتمائه لحركة يسارية راديكالية، فإن «فشل الغالبية الساحقة من أحزاب اليسار العربي في الانتخابات التعددية والنزيهة، التي نظمت في بلدانها، يُعد مؤشراً كافياً على صعوبة نجاح أي حزب يساري ماركسي اليوم في قيادة أي بلد عربي».
وفي السياق ذاته، اعتبر عصام الشابي الزعيم اليساري والقومي التونسي وزعيم الحزب الجمهوري، أن حركات اليسار التونسية والعربية «ارتكبت غلطات فادحة خلال العقود الماضية، ثم بعد اندلاع الثورات العربية في 2011، من بينها التشرذم والتورط في الصراعات الهامشية... فكانت النتيجة حصولها على نتائج هزيلة في الانتخابات التعدّدية المتعاقبة التي شاركت فيها مقارنة برموز النظام القديم والمعارضين الإسلاميين».

القطيعة والاستئصال؟
ومن ناحية ثانية، ذهب المفكر والفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي أبعد من ذلك، فاتهم رموز أقصى اليسار التونسي والمغاربي بـ«الفشل الدائم» و«بتكريس منطق القطيعة والاستئصال في علاقاته بخصومه السياسيين الذين ينتمون إلى حركات وأحزاب ليبرالية وقومية وإسلامية».
وأشار المرزوقي إلى ما يصفه بـ«الغلطات القاتلة التي ارتكبتها بعض القيادات اليسارية العربية، خلال العقود الماضية، إبان المواجهات الدامية بين السلطات والمعارضين الذين يرفعون شعار الهوية. ومن أبرزها الانحياز للحكومات القمعية، وهو ما تسبّب في تراجع شعبية أحزاب اليسار عموماً.. وما شكك في مصداقيتها ونضالية زعمائها».
وهنا لفَتَ المرزوقي إلى مشاركة بعض قادة اليسار في الحكومات المتعاقبة ببعض الدول المغاربية خلال مراحل القمع القصوى للمعارضة القومية والليبرالية والإسلامية. وحسب قوله: «أسهمت تلك المشاركة في إظهارها (أي قيادات اليسار) في موقع الموافق على السياسات الاستبدادية والاستئصالية التي انتهجتها بعض الأنظمة العربية خلال العقود الماضية»، على حد تعبيره.

الرأي الآخر
ولكن، في المقابل، يرفض قياديون من بين المشاركين في «مؤتمر تونس الثامن لليسار العربي» مثل محمد جمور، القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد التونسي، جملةً وتفصيلاً الاتهامات التي يوجهها لهم خصومهم. وينوه هؤلاء بـ«التضحيات التي قدمها جيل كامل من الشباب اليساري من شباب الثانويات والجامعات والنقابات والحركات الشيوعية السرية».
وفي هذا المجال، أشار جمور إلى «حملات القمع التي شملته شخصيا مع عدد من رفاقه المحسوبين على أقصى اليسار في تونس والجزائر والمغرب»، واستدل (حسب رأيه) بـ«الدور المركزي الذي لعبه نشطاء اليسار العربي في المنظمات الحقوقية، بما في ذلك في مجالات معارضة أحكام الإعدام والأحكام القاسية بالسجن على آلاف المعارضين والنقابيين العلمانيين والإسلاميين».
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر الجيلاني الهمامي، القيادي في حزب العمال الشيوعي التونسي والتجمع اليساري الذي تشكل منذ اغتيال شكري بلعيد تحت تسمية «الجبهة الشعبية»، أن اليساريين العرب «كانوا طوال السنوات الستين الماضية أكثر من قدّم سجناء سياسيين وتضحيات في مواجهة الأنظمة الاستبدادية، بما في ذلك بسبب دفاعهم السابق عن المساجين السياسيين والإسلاميين والنقابيين والطلبة».

مراجعات فكرية وسياسية
مع هذا، فإن «واقع اليسار في البلدان المغاربية والعربية يبدو أكثر تعقيداً»، حسب الجامعي والكاتب الجزائري رشيد التلمساني، إذ رأى التلمساني أن «اليساريين الجزائريين إنما فشلوا في الفوز بعدد كبير من الأصوات، منذ الانتخابات التعددية الأولى قبل 27 سنة، بسبب تمسّكهم بمواقفهم النخبوية ومرجعياتهم الفكرية الاشتراكية والشيوعية. وفي المقابل تقدم الليبراليون والإسلاميون بفضل بروزهم في موقع المتمسك بالهوية الوطنية للجزائر وبالتغيير الجذري».
ومن جهته، دعا عالم الاجتماع التونسي منصف وناس «زعماء أحزاب اليسار العربي إلى الاعتراف بأخطاء الماضي، والقيام بمراجعات فكرية سياسية جوهرية تشمل عقائدها الماركسية ومسلماتها الفلسفية في مجتمعات أثبتت تمسكها بهويتها الإسلامية والعربية وخصوصياتها المحلية».
كذلك فسّر الجامعي المغربي حسن الرحموني ما وصفه بفشل الشيوعيين والاشتراكيين المغاربة بـ«عجز بعض قياداتهم عن التحرّر من القوالب الآيديولوجية، ففوتوا على أنفسهم الاستفادة أكثر من مناخ التعددية السياسية المغربية النموذجي عربياً والمقننة في الدستور المغربي منذ 60 سنة». وانتقد الرحموني ما وصفه بـ«عدم مواكبة جانب من زعماء اليسار العربي عموماً، والمغربي خاصة، مع المستجدات الفكرية والسياسية البراغماتية والوطنية لمدارس اليسار الأوروبية منذ مرحلة أنطونيو غرامشي ما بين الحربين العالميتين. وكانت النتيجة (والكلام ما زال للرحموني) تراجع شعبية الأحزاب الاشتراكية المغربية بشكل سريع، رغم وصول عبد الرحمن اليوسفي، زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى رئاسة الحكومة عام 1998 أي قبل عام واحد من وفاة الملك المغربي الحسن الثاني.

أحزاب نخبوية
على صعيد آخر، اتهم مراقبون لحصيلة «المؤتمر اليساري» قيادات الأحزاب اليسارية بـ«النخبوية وضعف الالتصاق بالأوساط الشعبية المتمسكة بثقافتها العربية الإسلامية ومرجعياتها القومية والوطنية والمحلية». واستغرب الإعلامي والمحلل السياسي زياد الهاني «تورّط بعض اليساريين العرب بعد ما سُمّي بـ(الربيع العربي)، في تبرير نزعات قبلية وجهوية وطائفية، وتوظيف تلك النزعات في تحركاتها عوضاً عن التركيز على العوامل الثقافية الوطنية التي توحّد». ومن جانبه، سجّل الوزير المغربي السابق للإعلام مصطفى الخلفي أن من بين أسباب تراجع شعبية حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وبقية الأحزاب اليسارية المغربية مقابل نجاح حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي المعتدل، في الانتخابات البلدية والبرلمانية المتعاقبة منذ أكثر من خمس سنوات اختلاف علاقتهما بالأوساط الشعبية، إذ قال الخلفي إن «الأول بقي نخبوياً، بينما الثاني اقترب من المواطنين عبر تقديم خدمات ملموسة لهم في البلديات والجهات الداخلية وعلى الرصيف».

فلسطين والمطالب النقابية
كذلك، تناول باحثون في تطورات المشهد السياسي والحزبي العربي، مثل الجامعي عبد اللطيف الحناشي، ما وصفه بـ«هشاشة المشروع السياسي لكثير من الأحزاب اليسارية العربية التقليدية... التي تطوّرت (حسب رأيه) من التبشير بثورات شعبية اجتماعية وطبقية إلى مجرد حركات نخبوية تبحث عن هوية جديدة من خلال تبني النضال من أجل تحسين هامش الحريات العامة والفردية ودعم المقاومة الفلسطينية».
وفي الإطار نفسه، اعتبر الإعلامي والمحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي أن «رهان اليسار العربي، مجدداً، على شعارات عامة من نوع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير فلسطين والانتقال الديمقراطي والمطالب النقابية لن يؤدي بالضرورة إلى زيادة شعبيتها، ما دامت القوى الأقوى تأثيراً ميدانياً حركات ذات ميولات وطنية وقومية وإسلامية». ومن ثم، دعا الجورشي اليساريين العرب إلى «توظيف رصيدهم النضالي لبناء قوى سياسية جديدة تكون أكثر التصاقاً بالشعوب، من خلال القيام بنقد ذاتي لحصيلة التجارب اليسارية العربية السابقة والاعتراف بالغلطات التي وقعوا فيها، وعلى رأسها الصدامات ذات الصبغة الآيديولوجية التي أضعفتهم وزادت شعبية خصومهم الليبراليين والإسلاميين».

انهيار «الدولة الوطنية»
في المقابل، اعتبر الجامعي والباحث الليبي عبد الرحمن العجيلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «معضلة اليسار واليمين في الوطن العربي واحدة... وهي تطور أوضاع الدولة الوطنية نحو التفكك والتذرر والتجزئة ومسلسل تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ». وذكر العجيلي أن نتائج دراسة جامعية مقارنة أنجزها عن تجارب بناء «الدولة الوطنية» في ليبيا والدولة العربية من جهة، والدول الأوروبية من جهة ثانية، كشفت له أن من بين أخطر ما يهدد ساسة اليسار واليمين عربياً هشاشة الأسس التي اعتمدها مؤسّسو الدول الوطنية الحديثة في العالم العربي.
واعتبر العجيلي أنه إذا كانت «الدول الوطنية» الأوروبية تأسست بعد نجاح الثورة الصناعية والثورات الفكرية والعلمية والسياسية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا فإن «الدولة الوطنية» نشأت في الدول العربية والإسلامية بسبب خسائر العرب والمسلمين في الحرب العالمية الأولى، وانهيار الدولة العثمانية التي كانت توحدهم في شكل «خلافة إسلامية» تمتد أراضيها في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا.. بما في ذلك في مراحل انحسارها وضعفها.

اليسار العربي ضحية
لكن هل لا يكون اليسار العربي بدوره من بين ضحايا ما سمي بـ«الثورات» العربية و«الربيع العربي»؟
هذا ما ذهب إليه أحمد الكحلاوي، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي والقيادي النقابي واليساري التونسي، إذ ربط الكحلاوي بين كل الأزمات السياسية التي تشهدها النخب الحاكمة والمعارضة عربياً والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ثم ما وصفه بالاحتلال الأميركي للعراق ولأجزاء من سوريا تسيطر عليه الجماعات المسلحة الإرهابية.
وبينما نوّه الكحلاوي بـ«نضالات الأحزاب القومية واليسارية الوطنية الفلسطينية»، مثل الجبهة الشعبية التي أسسها الدكتور جورج حبش، فإنه يعترف بكون التيار العريض للمقاومة الوطنية للاحتلال الإسرائيلي باتت تتزعمها فصائل محسوبة على التيار الإسلامي «ما تسبب في حالات كثيرة بهضم جانب الحركات اليسارية والتعسف على تاريخها». ومن خلال هذا التقييم يعتبر أحمد الكحلاوي أن أحزاب اليسار العربي، التي بادرت مبكراً، لدعم حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي «لا تزال مؤثرة سياسياً» بينها الجبهتان الشعبية والديمقراطية الفلسطينيتين. كذلك أثنى على الدور المركزي لشخصيات قومية ويسارية كانت ولا تزال منحازة للمطالب الوطنية الفلسطينية مثل عشرات الزعماء اليساريين والقوميين المسيحيين والمسلمين الذين انخرطوا منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي في آليات «الحوار القومي الإسلامي».

اليسار الجديد
وفي هذا المناخ العامّ تحفظ بعض اليساريين الراديكاليين، مثل الزعيم اليساري والنقابي التونسي صالح الزغيدي، عن «توسيع» صفة «اليسار» ليشمل القوميين العرب والمنتمين ومناضلي ما يُسمى بـ«التيار الإسلامي التقدمي». وقال الزغيدي إن اليساريين «ينبغي أن يكونوا أساساً ماركسيين وشيوعيين واشتراكيين، وليسوا من بين مَن يتبنون المقولات القومية والإسلامية والوطنية». ومن ثم، طعن الزغيدي في الصفة اليسارية لكثر من الأطراف التي تنتسب إليها عربياً ومغاربياً وفي تونس، مثل قيادات أحزاب «الجبهة الشعبية» التونسية المعروفين بميولهم البعثية والقومية والدينية.
لكن الزعيم اليساري والنقابي والكاتب بلقاسم حسن، الذي اعتزل قيادة الحزب الشيوعي التونسي وأحزاباً يسارية وقومية أخرى وأصبح عضواً في المكتب السياسي في «حركة النهضة» الإسلامية، ارتأى أن المطلوب اليوم هو «تجاوز الشعارات الآيديولوجية اليسارية، وتأسيس يسار عربي جديد يتحالف مع كل التيارات والنشطاء الذين يتبنون الديمقراطية ومطالب التحرّر الوطني والاجتماعي بصرف النظر عن مرجعياتهم العقائدية».

التراكم وخيار التوافق
وخلافاً للتقييمات المتشائمة بمستقبل اليسار العربي، اعتبر المفكر زهير بن يوسف، نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقاً، أن مصير قوى اليسار العربي «رهين عدة مستجدات من بينها تكريس تراكم التجارب والخبرات والنقد الذاتي». وفي ظل خلط الأوراق الدولية والإقليمية في المنطقة العربية والإسلامية منذ الحرب العراقية الأولى، قال محمد القوماني، وهو من بين زعماء اليسار الإسلامي التونسي، إن «الخيار الوحيد أمام مناضلي اليسار العربي هو اتباع المنهج التونسي والمغربي للتوافق بين العلمانيين والإسلاميين، وقبول كل الأطراف مبدأ المشاركة في الحكم بين الليبراليين والاشتراكيين والوطنيين والإسلاميين».
ونوّه هشام سكيك، أمين عام حزب المسار اليساري التونسي، الذي أسس على أنقاض الحزب الشيوعي التونسي القديم، أيضاً، بـ«فوائد اعتماد خيار التوافق السياسي والحزبي والبرلماني».

المشهد التونسي
وفي خضم صراع الأفكار والأولويات، برزت سلوكيات سياسية جديدة في صفوف اليسار التونسي والعربي تتمثل بالانخراط في أحزاب وتكتلات سياسية تضع على رأس أولوياتها ما تسميه «الدفاع عن قيم الحداثة والمشروع المجتمعي العصري» و«محاربة التيارات الأصولية الدينية المتشددة» أو ما يُعرف بجماعات «الإسلام السياسي». وهنا يبرّر بوجمعة الرميلي، القيادي السابق في الحزب الشيوعي التونسي، انضمام مئات النقابيين والسجناء اليساريين السابقين في تونس إلى الحزب «نداء تونس» الذي أسسه «الرئيس» الباجي قائد السبسي الذي أحد القياديين القدامى في حزب بورقيبة وبن علي.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن هذا الانضمام «مكّن ذلك التحالف مئات الرموز اليسارية من دخول البرلمان والحكومة ومواقع مهمة في الدولة والإدارة بالتنسيق والشراكة مع خصوم الأمس الليبراليين». وبذا، أيضاً، حسم هؤلاء اليساريون مجدّداً في مقولة كانت خلافية بين الزعماء اليساريين التونسيين منذ 60 سنة: «الأولوية للموقع قبل الموقف»... وخدمة الموقف السياسي اليساري من خلال احتلال موقع في الدولة، عوض التنقل بين السجون ومراكز التجنيد الإجباري ومؤتمرات التباكي على نتائج اتفاقية «سايكس - بيكو» الاستعمارية وعلى مؤامرات الاستعمار الجديد على فلسطين. ثم، على المنطقة منذ انفجار بركان «الربيع العربي»، وذلك كي لا تبقى فلسطين مجرد شعار يوحّد ما تبقى من يساريين ونشطاء سياسيين عرب.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.