أنقرة: قواتنا باقية في شمال سوريا بعد انتهاء «درع الفرات»

تركيا {لن تسمح} بقيام أي كيان يهددها... وستتدخل متى تطلب الأمر

TT

أنقرة: قواتنا باقية في شمال سوريا بعد انتهاء «درع الفرات»

قالت أنقرة إن إعلانها انتهاء عملية «درع الفرات»، التي كان ينفذها الجيش التركي، ويدعم فيها فصائل من «الجيش السوري الحر»، لا يعني عودة القوات التركية، أو انسحابها من شمال سوريا على الفور. وذكرت أن هذه القوات «ستنفذ عمليات أخرى حال اقتضى الأمر ذلك، أو ظهر أي تهديد لأمن تركيا من هذه المنطقة».
وأعلن الجيش التركي، في بيان له أمس (الجمعة)، أنه سيواصل جهوده للحيلولة دون قيام أي كيان غير مرغوب فيه في سوريا، حتى بعد انتهاء عمليته العسكرية في شمالها، وأضاف: «نواصل عملياتنا لحماية أمننا القومي، والحيلولة دون وجود أي كيان غير مرغوب فيه، والسماح لإخوتنا السوريين المشردين بالعودة إلى بلادهم، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة».
جدير بالذكر أن تركيا كانت قد أطلقت عملية درع الفرات في 24 أغسطس (آب) الماضي، بهدف تطهير حدودها الجنوبية من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وقطع الصلة بين الجيوب الكردية لمنع قيام كيان فدرالي كردي في شمال سوريا، وإقامة «منطقة آمنة» للاجئين السوريين. ولكن في قرار اعتبر مفاجئاً، أعلنت أنقرة مساء الأربعاء الماضي «انتهاء عملية درع الفرات بنجاح»، مع إبقائها الباب مفتوحاً - حسب الإعلان - على احتمالات إطلاق عمليات أخرى بمسميات أخرى، إذا اقتضت الضرورة، ولم تشر إلى أي انسحاب لقواتها من الشمال السوري. هذا، وصرح وزير الدفاع التركي فكري إيشيك، أمسن بأن القوات التركية ستنفذ عمليات جديدة في سوريا، دون تردّد، حال ظهور أي تهديد ضد أمنها، مشدداً على أن «الإعلان عن انتهاء عملية درع الفرات لا يعني انتهاء التهديدات، وعودة القوات التركية من هناك على الفور». وقال إيشيك إن من إنجازات العملية أيضاً «إبعاد التهديدات التي كانت تستهدف تركيا، وقطع الطريق أمام حزب الاتحاد الديمقراطي لربط كانتوناته شمال سوريا»، وذكر أن عملية درع الفرات حرّرت نحو ألفي كيلومتر مربع من الأراضي التي كان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر عليها شمال سوريا. إلا أن هذا يخالف كلام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي سبق أن أعلن مراراً أن تركيا تسعى لإقامة منطقة آمنة على مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، وأن عملية درع الفرات لن تتوقف بعد تحرير مدينة الباب، بل ستتجه إلى مدينة منبج التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية التي ترغب تركيا في إبعادها إلى شرق الفرات.
وما يستحق الإشارة أن الوضع في منبج تعقّد أخيراً، بعدما باتت مسرحاً لجميع الأطراف المشاركة في الحرب في سوريا، حيث دخلها النظام وحلفاؤه، وروسيا وأميركا، بينما لم تجد تركيا ترحيباً من جانب الإدارة الأميركية بمقترحاتها بشأن تحرير الرقة من دون الاعتماد على ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية. وحتى الثلاثاء الماضي، كرر إردوغان القول إن القوات التركية «باقية في سوريا طالما كانت هناك تهديدات للأمن القومي التركي»، وإنه «بعد انتهاء تطهير المنطقة من جرابلس إلى الراعي إلى الباب من (داعش)، تتولى القوات التركية حالياً تطهيرها من عناصر (وحدات حماية الشعب) الكردية، وتوجد في منبج».
وتعليقاً على التساؤلات بشأن الإعلان المفاجئ عن انتهاء عملية «درع الفرات»، قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية، خلال مؤتمر صحافي أمس: «يجب عدم تأويل الأمر على أنه عدم مبالاة من تركيا بالمخاطر الأمنية في هذه المنطقة. بالعكس تماماً، تدابيرنا الأمنية مستمرة في الوقت الحالي، وفي أعلى مستوياتها».
وفي السياق ذاته، قالت فاطمة شاهين، رئيسة بلدية مدينة غازي عنتاب الحدودية مع سوريا، إنه يجري التحضير لإعادة 100 ألف سوري إلى مدينة الباب بريف حلب الشرقي، التي حرّرتها عملية درع الفرات من يد «داعش، وتم تطهيرها بالكامل. وتابعت شاهين، التي زارت مدينة الباب، يوم أول من أمس (الخميس)، أن بلدية غازي عنتاب «باشرت أعمال إعادة تأهيل البنية التحتية للمدينة، بعدما سبق أن نفذت كثيراً من الخدمات في مدينة جرابلس، مما ساهم في عودة 50 ألف سوري إليها، وبالشكل نفسه ستساهم البلدية في إعادة الباب إلى مدينة قابلة للحياة»، ولفتت إلى أن «نحو 400 ألف سوري يقيمون في غازي عنتاب، من بينهم أهالي الباب الذين نزحوا منها خلال المعارك الأخيرة، وعودة هؤلاء إلى بيوتهم ستخفف الضغط عن المدينة أيضاً».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.