المسؤولون الألمان يتبادلون التهم حول الإخفاق في قضية أنيس العامري

اتهم متحدث رسمي باسم وزارة الداخلية، في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، وزير الداخلية الاتحادي توماس دي ميزير (من الحزب الديمقراطي المسيحي) بالافتقاد للموضوعية. وقال المتحدث، يوم أمس، إن قول الوزير إن سلطات الولاية «لم تجرب مرة واحدة» تسفير أنيس العامري يتناقض مع أقواله الأخرى، وفسر هجوم الوزير على سلطات الولاية الأمنية بأنه دعاية انتخابية.
وشهدت ألمانيا في اليومين الماضيين اتهامات متبادلة بين المسؤولين من الحزب الديمقراطي المسيحي والمسؤولين في الحزب الديمقراطي الاشتراكي، بسبب الخلاف حول قضية تسفير التونسي العامري قبل تنفيذه عملية الدهس الإرهابية ببرلين يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي العملية الإرهابية التي أودت بحياة 12 شخصاً في سوق لأعياد الميلاد ببرلين.
ودأب مندوبو الحزبين، اللذين يشكلان الحكومة التي تقودها أنجيلا ميركل، على تحميل مسؤولي الطرف المقابل المسؤولية عن الفشل في اعتقال العامري، وتسفيره قبل ارتكابه العملية الإرهابية، ولا يمكن فصل هذه الخلافات عن الانتخابات النيابية في ولاية الراين الشمالي، المقرر إجراؤها يوم 14 مايو (أيار) المقبل. ومعروف أن هذه الولاية المهمة (نحو 20 مليوناً) يقودها تحالف الحزب الديمقراطي الاشتراكي والخضر.
وكان الوزير المحافظ دي ميزير قد حمل سلطات وزير داخلية ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، رالف ييغر، المسؤولية عن الإخفاق في قضية العامري، وقال أمام لجنة التحقيق في موضوع الإرهابي التونسي، في برلمان ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، إن اعتقال العامري كان ممكناً منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2016، بعد أن تأكدت شخصيته الحقيقية، وأضاف أنه كان من الممكن تحرير قرار تسفيره، إلا أن سلطات الولاية لم تحاول ترحيله مرة واحدة.
من ناحيته، دافع الوزير المحلي رالف ييغر، من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، عن سلطات الولاية، وقال إن «دولة القانون» وقف عائقاً أساسياً أمام اعتقال وترحيل العامري، وأضاف أمام اللجنة التحقيقية أن ترحيل العامري كان ممكناً «من الناحية القانونية النظرية»، ولكن ليس من الناحية القانونية العملية، وأشار إلى أن خطر العامري كان معروفاً للسلطات في ولايته منذ سنة 2015، إلا أنه لم تتوفر أدلة كافية تقنع القاضي بإلقاء القبض عليه وتسفيره.
وشارك كليمنس بايننغر، رئيس اللجنة البرلمانية للرقابة على الأجهزة الأمنية والمخابراتية، في حملة تبادل الاتهامات، وقال إنه يرى الخلل في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، وأضاف أن برلين لمحت في اجتماعات المركز إلى احتمال رفع الرقابة عن العامري، لكنها لم تبلغ المركز ولا السلطة المركزية ولا سلطات الولايات بقرارها هذا عندما وضعته قيد التنفيذ.
ودافع بوركهارت فراير، رئيس دائرة حماية الدستور (الأمن العامة) في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، عن أداء سلطاته، وقال إن برلين لم تبلغ سلطته عن قرار رفع الرقابة على العامري، وتحدث عن خطأ في تقييم خطورة العامري من قبل سلطات برلين.
واتهم هانز - كريستيان شتروبله، عضو الرقابة البرلمانية على الأجهزة الاستخباراتية في البرلمان الألماني، الدولة بالفشل في التعامل مع حالة منفذ هجوم برلين، أنيس العامري.
وقال شتروبله، من حزب الخضر الألماني، في تصريحات خاصة لصحيفة «رور ناخريشتن» الألمانية، في عددها الصادر أمس (الخميس): أخفقت السلطات عند تصنيف إذا ما كان العامري يمثل مصدر خطر على الأمن يجب التعامل معه على محمل الجد.
وأوضح أنه يرى أنه كان يتعين على الدولة اتخاذ رد فعل حازم تجاه خطورة العامري التي كانت معروفة حينها «إما من خلال محاكمة، أو احتجاز في الحبس الاحتياطي، أو من خلال مراقبة محكمة للغاية، بحيث لم يكن يتسن للعامري تنفيذ الهجوم».
وكان البروفسور بيرنهارد كرتشمر، المحقق الخاص المكلف من حكومة ولاية الراين الشمالي فيستفاليا بالتحقيق في حالة العامري، قد خلص إلى نتيجة أخرى في تقريره عن العامري الذي تم نشره يوم الاثنين، مفادها أنه وفقاً للوضع القانوني الساري لم يكن ممكناً اعتقال العامري، مؤكداً أنه لم يتم التحقق من وجود أوجه تقصير من جانب السلطات الأمنية بالولاية.
ولكن شتروبله انتقد التقرير قائلاً: «يتم التهوين من شأن الأمور على نحو مخيف في التقرير»، وتابع: «إن الخبير (صاحب التقرير) يعارض جزئياً تقييم السلطات الأمنية، فوزير الداخلية الاتحادي توماس دي ميزير ذاته يفترض أن كثيراً من الحقائق أثبتت أن هناك خطراً كان متوقعاً من العامري»، علماً بأن المعارضة المسيحية في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا شككت منذ البداية بحيادية كرتشمر.
وأوضح بوركهارد شنيدر، مدير قسم شؤون الأجانب بوزارة الداخلية المحلية لولاية الراين الشمالي فيستفاليا، بصفته شاهداً أمام لجنة التحقيق، الأربعاء الماضي، أن تونس مثلاً لم تطلب فقط بصمات الإصبع، ولكنها طلبت بصمات الإصبع الأصلية التي تم إرسالها عن طريق البريد، وأضاف أن الوثائق المتعلقة بالعامري تم تناقلها بين هيئات كثيرة، لافتًا إلى أنه لم يكن متوافراً حينها مخزون بيانات أساسي، كان يمكن لأجهزة أمنية وهيئات شؤون الأجانب، وكذلك المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين، الوصول إليه بشكل مشترك، وقال: «كان هناك حينها عوالم منفصلة».
وفي إطار حملة تبادل الاتهامات، اتهم سيمون براند (من الحزب الديمقراطي المسيحي) الوزير المحلي ييغر بأن سلطاته لم تبذل قصارى جهدها لانتزاع قرار اعتقال وترحيل العامري. وقال يواخيم شتامب، من الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، إن ترحيل العامري كان ممكناً بحسب الفقرة 62 من قانون الإقامة، وجدد شتامب مطالبته باستقالة الوزير ييغر من منصبه.