ذاكرة الكتب والأمكنة بين بغداد وباريس وتونس ولندن

«لمسات ورّاق فرنسي الهوى» لفاضل عباس هادي

ذاكرة الكتب والأمكنة بين بغداد وباريس وتونس ولندن
TT

ذاكرة الكتب والأمكنة بين بغداد وباريس وتونس ولندن

ذاكرة الكتب والأمكنة بين بغداد وباريس وتونس ولندن

بصدور كتابه الجديد «لمسات ورّاق فرنسي الهوى» يعرض، لا يستعرض، فاضل عباس هادي ذاكرته الورقية المفعمة بالمعرفة، لا بالمعلومات، وهو ينتقل بين مقاهي بغداد وباريس وبرلين وتونس ولندن، ليصحبنا في رحلته الورقية ورّاقا من طراز خاص، غني التجربة، قوي الملاحظة، بعينين زائغتين، لكنْ حساستين، فهو الفوتوغرافي المثقف بصريا وتقنيا، إذ ستصبح الكتابة عنده اكتشاف مذخورات ولقى ومغامرة نقدية، ليجيء كتابه على شكل لقطات خاطفة، كأسانيد لا هوامش وتعزيزات، لا تزيينات، فوق متن مقالي رصين تكفله ذاكرة كتبية تتسق مع معطيات الحياة والطبيعة، فهو يعد الكتب عناصر طبيعية، مثل المقاهي والأشجار والبحار، حيث الكاميرا، هنا، ذاكرة، والصورة فكرة «الكلمة تعادل ألف صورة» عندما يختزل الكاتب مروياته، ويكثف لغته الفنية، ويتجنب الصفات مثل مالارميه.
يرد في منتصف المقال، وبين ثلاث نجوم فوقه ومثلها تحته، لقطات «فوتوغرافية» فاصلة كالآتي:
«آخر الأخبار 26 حزيران 2015:
* كلوديا كاردينالي التونسية المولد ضيفة شرف في مهرجان لاروشيل السينمائي.
* جان دورميسون عضو الأكاديمية الفرنسية صدرت كتاباته في طبعة البلياد الجميلة عن دار غاليمار العظيمة».
أو مثلها: «القراءة تذوب الشحم والكتابة تغسله تماما من الجسم».
مثل هذه اللقطات/القطوعات ترد كثيرا في الكتاب حتى لو بدت خارج سياق المقال المحدد، لكنها تعزيزات لا تزيينات كما سلفنا.
لهادي مسوغاته الشخصية وحريته الخاصة في إبراز هويته الثقافية بصفته فرنسي الهوى، وله الحق في اختيار جغرافيا الفكرة واتجاه خطواته النقدية، وحتى الانتقائية، فالثقافة إدراك ذاتي لمنتجات العالم الفكرية والاقتصادية والعلمية والفنية، والموقف النقدي خيار مشروع للكاتب، أي كاتب يستحق الاحترام وإن لم تحبه، فالعاطفة الشخصية غير الستراتيج النقدي، وإن اختار الكاتب المزج بين الاثنين، وهو يحمل العلم مثلث الألوان: ألوان العدالة والإخاء والمساواة، وهو يجوب المكتبات الكبيرة والصغيرة بما فيها مكتبات الجمعيات الخيرية، باحثا في الكتب المستعملة عن كتب قرأها، ستينياً، مترجمة من الإنجليزية إلى العربية، ليجدها، لاحقاً، في منفاه الأوروبي، بالفرنسية أو الإنجليزية، ليزداد شغفا بمقتنياته الأنتيك، خصوصا الفرنسية منها، سواء بلغتها الأم أو بلغة الإنجليز.
يصف مشاعره السعيدة بعد العثور على كتاب في تلك المكتبات بأنه «يعيش أعراسا يومية دائمة»، وما إن يشرع بعرض مقتنياته العزيزة حتى يتبادر إلى ذهن القارئ تلك المقارنة «غير المهنية» بين الفرنسيين والإنجليز.
«فرنسي الهوى»؟ نعم، لأن الثقافة الفرنسية، في رأيه، هي ثقافة إطلاق المدارس الفنية مثل السريالية والدادائية، وباريس مدينة الفن والأزياء والعطور، وبالجملة هي «مدينة النور» واللغة الفرنسية هي لغة الرقة والرومانس والاحتفاء بالموسيقى الداخلية للتعبير.
حسناً، وبعد؟
«لغات الرومانس شعرية وموسيقية بطبيعتها، لأن حروف العلة فيها حرة وطليقة وتلفظ وتغنى. اللغة الإنجليزية تخنق حروف العلة التي كتب رامبو عنها قصيدة لا تزال حتى الآن تحيّر القرّاء والدارسين والمهتمين بالشأن الرامبوي. الإنجليزية هي لغة راجمات الصواريخ لغة الصيارفة ولغة النفاق الدبلوماسي».
(مارتريكس تشرشل والمدفع العملاق لغة الإجرام والأسرار و«الجمجمة داخل خزانة الملابس» كذا في النص).
هذا ما جاء في الصفحات الأولى (صفحة23) من الكتاب، لأننا أشحنا النظر عن السطر الأول في الكتاب (من باب التقديم) حيث كتب: «الإنجليز رغم أنهم معروفون بالتحفظ وحب القديم والتقاليد الراسخة منذ قرون أخذوا يتخلصون من كتبهم ويفضلون القراءة على شاشة الكومبيوتر والكتاب الإلكتروني».
إذا كان الإنجليز محافظين وتقليديين، وهذا صحيح، فلا يستقيم أن نقول عنهم إنهم يتخلصون من كتبهم ويفضلون القراءة على الكومبيوتر. إنهم بهذا أبناء عصرهم في استعمال التكنولوجيا الجديدة والاستفادة من ابتكارات المعلوماتية التقنية الحديثة، وهذا ما يتعارض مع محافظتهم حسب منطوق التقديم.
إن الطاقة الإيجابية للكاتب وهو يشهر هواه الفرنسي أمدت كتابه بديناميكية كتابية وقرائية ملحوظة وهو يعرض، لا يستعرض (ثانية) شغفه الجميل بأكبر كتاب فرنسا من مالارميه ورامبو وأكزوبري، وسارتر وبوفوار وميشو وبونفوا، والأكثر تفضيلا عند الكاتب وهو صاحب «الغريب» ألبير كامي.
ولكن:
تلك الطاقة الإيجابية سرعان ما خفتت عندما نكتشف، كقراء، أن الكتاب جاء مرافعة «متفرنسة» ضد كل ما هو إنجليزي حتى الحب والنساء والتسوق.
كتب هادي ما معناه: إن جميع نساء الأرض يفرحن بنظرة من الرجل عدا الإنجليزيات، فهن ينفرن من تلك النظرة، وهن باردات عاطفيا ومثليات ومعقدات. (يسوق أمثلة بهذا الشأن).
ثمة هجوم كاسح يشنه الكاتب على الإنجليز واللغة الإنجليزية التي هي اللغة الأولى في العالم، وبها قرأنا أعظم الأعمال الأدبية للإنجليز والناطقين بالإنجليزية والكاتبين بها عبر العالم من الصين حتى أفريقيا، وماذا عن الأدب الأميركي الساحر في القصة القصيرة والرواية والشعر والسينما... إلخ. وهل هناك ضرورة لذكر الأسماء الكبيرة التي كتبت باللغة الإنجليزية التي يخترع لها الكاتب مرادفا ساخرا هو الإنقليزية أو الإنقليز!
يقول: «ليس عبثا أن الإنجليز يوصفون بأنهم أمة حربية، لأنك غالبا ما تشاهد إعلانات في الصحف والتلفزيونات عن القوات المسلحة البريطانية، كما أنها ترسل ممثلين عنها إلى المدارس الابتدائية لتشجيع الطلاب على اختيار مهنة العسكر وإغوائهم بالرواتب والمخصصات الكبيرة».
في الكتاب ثمة غزل مبطن حتى بنابليون، لأنه وصف الإنجليز بأنهم صيارفة وأصحاب دكاكين.
مهما يكن من أمر نحن أمام جهد قرائي/ثقافي/ورّاقي ممتع وطريف وغني، ويستحق صاحبه أن يكون أرنستو ميغيل (صاحب «تاريخ القراءة») العراقي لو لم يورطنا، نحن قراءه، بالمقارنة بين ثقافتين متمايزتين، لكل منهما تقاليدها وأساليب تطورها وفقهها اللغوي والسلوكي، وهو المتمكن من عرض رؤاه ومقتنياته الورقية والجمالية في الثقافة الفرنسية التي أمدت العالم بالنور والجمال والابتكار.
على أن ثقافات العالم تتجاور وتتفاعل وتغذي كل منهما الأخرى وإن نشأت في مدن متباعدة.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.