«القواعد العسكرية» الأميركية محل ترحيب في العراق

السنة يرغبون بـ«قوة قاهرة» تضبط الأوضاع... والكرد يعولون على ترمب

رتل عسكري أميركي في القيارة جنوب الموصل (رويترز)
رتل عسكري أميركي في القيارة جنوب الموصل (رويترز)
TT

«القواعد العسكرية» الأميركية محل ترحيب في العراق

رتل عسكري أميركي في القيارة جنوب الموصل (رويترز)
رتل عسكري أميركي في القيارة جنوب الموصل (رويترز)

بعد مرور ست سنوات على انسحاب آخر جندي أميركي من العراق، استنادا إلى الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة عام 2008، يعود السنة ليجدوا أنفسهم «مضطرين» لقبول عودة أميركية، أو أكثر تقبلا لوجود «قواعد عسكرية أميركية»، بعد أن كانوا من أشد الأطراف العراقية رفضا للاحتلال، كما يقول نائب الأمين العام للحزب الإسلامي بهاء الدين النقشبندي، بينما يرى النائب عن التحالف الكردستاني عبد الباري زيباري أن الانسحاب الأميركي «أوصل العراق إلى مراحل صعبة ووجود قواعد أميركية أمر إيجابي».
ويعرف الكثير من المراقبين للشأن العراقي أن الحديث عن «القواعد الأميركية» أمر شائع في أغلب الصالونات السياسية، لكن الكثير من الساسة يحجم عن الحديث عنه في العلن. على أن عددا غير قليل من الجهات الرسمية والشعبية السنية في العراق، ترى أن أغلب المشاكل التي تعرض لها المكون السني بعد صعود «داعش» في يونيو (حزيران) 2014، مرتبطة بطريقة وأخرى، بما حدث نهاية عام 2011. حينما أكملت القوات الأميركية انسحابها النهائي من البلاد وتسلم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي حينذاك، إدارة ملف الأمن بشكل كامل، حيث شن الأخير حملة اتهامات بالإرهاب لزعماء سنة، مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وتصاعد الموقف إلى مظاهرات في الأنبار ومدن أخرى انتهى بصعود «داعش» واحتلاله أجزاء من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى.
ويمتد القبول بوجود قواعد أميركية ليشمل الأكراد وأطرافا شيعية غير قليلة، فيما عدا التيار الصدري والأطراف المرتبطة بإيران. ويرى نائب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي بهاء الدين النقشبندي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن مرحلة «داعش» أحدثت تغيرات عميقة في المحيط السني، وقبول السنة بالوجود الأميركي يعود إلى أنهم «رأوا أن هذه (الخريطة) لا تحلها إلا قوة قاهرة، ولا أحد يستطيع ضبط الأوضاع بين الأطراف الداخلية والجماعات السياسية، إلا قوة قادرة على ضبط الصراعات والتجاوزات التي تحصل»، وبرأيه فإن فكرة القوات العسكرية تغير مفهومها، كما تغيير مفهوم السيادة الوطنية لأنه «لا توجد سيادة كاملة والدول تؤثر في بعضها، والقواعد الأميركية موجود في نحو 90 دولة».
ويشير النقشبندي إلى أن «مرحلة الاضطراب بدأت مع خروج القوات الأميركية نهاية 2011، وقبل ذلك سارت الأمور بنحو جيد، فتنظيم القاعدة انتهى في تلك الفترة، لكن انسحابهم أدى إلى أغلب المشاكل اللاحقة».
ويعترف النقشبندي بالتبدل الحاد للمواقف خلال السنوات الأخيرة، قائلا إنه «بعدما كان الشيعة يرغبون بوجود قوات أجنبية ويطالبون بنظام الفيدرالية، كان السنة يرفضون ذلك». ويعتقد أن ما دفع الشيعة لتبني مواقف مغايرة لمواقفهم السابقة هو «رغبتهم بالاستحواذ على الكعكة بأكملها».
ويرى النقشبندي أن الدعوات الأخيرة التي يتبناها نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، بشأن تأليف حكومة أغلبية سياسية يصب في إطار الاستحواذ، ذلك أنه يسعى ظاهرا إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية، لكنها في الواقع ستتحول إلى أغلبية طائفية بحكم الأكثرية العددية للشيعة في مجلس النواب، ويقول: «المالكي يشبه الرئيس السابق صدام حسين في هذا الاتجاه، بمعنى أنه سيختار أطرافا سنية ضعيفة ويضعها في الحكومة ليقول إنهم يمثلون السنة».
من جانبه، يرى النائب عن التحالف الكردستاني، عبد الباري زيباري، أن وجود قوات التحالف بزعامة الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة بالذات أمر إيجابي، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن انسحاب القوات الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما «أوصلنا إلى مراحل صعبة جدا، وسنوات (داعش) القاسية شاهدة على ذلك». ويعتقد أن الحكومة العراقية أخطأت كثيرا حين تمسكت بقرار انسحاب الجيش الأميركي من العراق، وبرأيه فإن «وجود القوات الأميركية والتحالف في هذه المرحلة، مهم جدا لجهة تقديم المساعدة والتدريب والتبادل الاستخباري مع العراق، فليس من المتوقع أن تتحول مناطق الصراع الحالية إلى مناطق آمنة بمجرد تحريرها من داعش».
ويعول زيباري على الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي لتحسين أوضاع الأمن في العراق، ويقول: «قناعتي منذ البداية أن الحلول تأتي على يد المتشددين، السلام يحققه الأقوياء، وكان ترمب واضحا منذ البداية في التزامه بهزيمة (داعش)». ويؤكد زيباري وجود مستشارين أميركيين في الإقليم، لكنه يؤكد عدم طلب حكومة الإقليم من الجانب الأميركي إنشاء قواعد عسكرية لأن ذلك من اختصاص الحكومة الفيدرالية في بغداد. وكان رئيس وزراء إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، أكد في حيث لصحيفة أميركية قبل أيام استعدادا الإقليم لاستضافة قواعد عسكرية أميركية إذا أرادت واشنطن إقامتها.
يذكر أن الجنود والمستشارين العسكريين الأميركيين موجودون في قواعد «الأسد» غرب الأنبار و«سبايكر» في محافظة صلاح الدين و«القيارة» في الموصل، وهناك تكهنات متداولة حول إنشاء خمس قواعد أميركية في العراق مستقبلا، اثنتان منها في الجنوب وواحدة في كل من محافظات أربيل ونينوى والأنبار.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.