الانتخابات التشريعية في بلغاريا ترسم سياستها تجاه موسكو والاتحاد الأوروبي

مواطنوها المسلمون يراهنون على حزب «الحقوق والحريات»

الانتخابات التشريعية في بلغاريا ترسم سياستها تجاه موسكو والاتحاد الأوروبي
TT

الانتخابات التشريعية في بلغاريا ترسم سياستها تجاه موسكو والاتحاد الأوروبي

الانتخابات التشريعية في بلغاريا ترسم سياستها تجاه موسكو والاتحاد الأوروبي

صوت الناخبون في بلغاريا، أمس، في انتخابات تشريعية تبدو نتيجتها غير محسومة لتجديد الثقة في رئيس الوزراء السابق بويكو بوريسوف (يمين الوسط)، أو طي الصفحة مع اختيار الاشتراكيين الذين يؤكدون علناً تأييدهم لروسيا.
منذ أسابيع، تشير الاستطلاعات إلى تعادل المعسكرين وحصول كل منهما على نحو ثلاثين في المائة من نوايا التصويت، في سابقة في انتخابات بلغارية تسمح بالتكهن بمفاوضات شاقة لتشكيل تحالف حكومي. ويمكن أن تشكّل الأحزاب القومية التي لجأ كل مرشحيها إلى خطاب متطرف، الحكم في ذلك.
وفي هذا الاقتراع التشريعي الثالث منذ 4 أعوام، هيمنت القضايا الدولية على الحملة، إلى جانب تفشي الفساد وضعف الظروف المعيشية التي تثير القلق في البلد الذي يعد الأفقر في الاتحاد الأوروبي.
وقال أونيان مينتشيف، مدير معهد الدراسات الدولية في صوفيا، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إذا فاز الحزب الاشتراكي البلغاري، فإن بلغاريا يمكن أن تتبع سياسة موالية لروسيا علناً».
وأضاف: «إذا عاد حزب (المواطنون للتنمية الأوروبية لبلغاريا) بقيادة بوريسوف إلى السلطة، فإنه يمكن أن يبقي على التوازن بين الغرب وروسيا التي لديها مصالح مهمة في البلقان».
ويأمل الاشتراكيون، ورثة الشيوعيين الحاكمين قبل سقوط الستار الحديدي، في استغلال الحماس الذي حمل إلى رئاسة الجمهورية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 مرشحهم قائد سلاح الجو السابق رومين راديف.
ومثل رئيس الدولة، تريد زعيمة الحزب الاشتراكي كورنيليا نينوفا رفع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا وتعزيز التعاون مع موسكو. أما بوريسوف، أحد أعمدة الساحة السياسية في بلغاريا، فيدعو إلى علاقات «براغماتية» مع موسكو خصوصاً في تنفيذ مشاريع مشتركة كبيرة في مجال الطاقة، ويدافع في الوقت نفسه عن الانحياز إلى مواقف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وبوريسوف شخصية تتمتع بحضور كبير، حيث كان حارساً أمنياً ثم قائداً لشرطة صوفيا. وهو المسؤول البلغاري الوحيد الذي شغل منصب رئيس الحكومة لولايتين انتهيتا باستقالته.
والاستقالة الأخيرة جرت في نوفمبر الماضي بعد هزيمة مرشحته في الانتخابات الرئاسية.
يمكن أن يستفيد الاشتراكيون من ملل الناخبين في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 7,4 ملايين نسمة، حيال زعيم المحافظين الذي وصل إلى السلطة في 2009 وكذلك من نسبة مشاركة ضئيلة، كما يرى المحللون الذين أشاروا إلى أن ناخبي الحزب الاشتراكي يقومون بتعبئة أكبر.
ولدخول البرلمان، ينبغي الحصول على 4 في المائة من الأصوات في هذا الاقتراع النسبي الذي يجري في دورة واحدة، ويتسم بتشتت المشهد السياسي. وقالت المعلمة تسفيتوميرا توشيفا (47 عاماً) في صوفيا: «لا أصدق أحداً. لا (المواطنون للتنمية الأوروبية لبلغاريا)، ولا الحزب الاشتراكي. لا أحد منهما حقق وعوده». وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية: «أفضل التصويت لشخصية جديدة، على أمل حدوث تغيير».
وبين الأحزاب المتنافسة على 240 مقعداً في البرلمان، يمكن أن يحتل تحالف أحزاب قومية المرتبة الثالثة، ويفرض شروطه على الحزب الفائز. وأكد كل من الحزبين الرئيسيين استعداده للتحالف مع هؤلاء. وقال فاليري سيميونوف الذي يشارك في رئاسة التحالف القومي «وطنيون متحدون»: «يجب أن نرى النتائج ونقارن بين البرامج ونضع الالتزامات كتابة قبل أن نقرر».
ويفترض أن يحتاج تشكيل أغلبية لتحالف ثلاثة أو أربعة أحزاب.
وستشكل الانتخابات أيضا اختبارا للأقلية المسلمة الكبيرة في بلغاريا التي تضم نحو 700 ألف شخص، معظمهم من الناطقين بالتركية. فحزبهم التقليدي «حركة الحقوق والحريات» الذي يحتل المرتبة الثالثة في البرلمان المنتهية ولايته، يعارض علناً سياسة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بينما ظهر حزب ثالث يحمل اسم «حزب حرية وكرامة الشعب» (دوست) مدعوم من أنقرة، لكن يتوقع ألا يدخل البرلمان.
ودفع هذا الدعم التركي خلال الحملة السلطات البلغارية إلى اتهام أنقرة بالتدخل، وأدّى إلى توتر بين البلدين. ويفترض أن يكون لحزب «الإرادة» (فوليا) الجديد الذي يقوده رجل الأعمال فيسيلين ماريشكي تأثير في مفاوضات تشكيل الحكومة.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.