د. حسن رشيد: المسرح لا ينمو إلا في ظل الحرية

الناقد المسرحي القطري يرى أنه لا خوف على «الهوية» من الانفتاح الثقافي

مسرحية «أهل الشرق» لفرقة «الدوحة» تأليف وإخراج عبد الرحمن المناعي
مسرحية «أهل الشرق» لفرقة «الدوحة» تأليف وإخراج عبد الرحمن المناعي
TT

د. حسن رشيد: المسرح لا ينمو إلا في ظل الحرية

مسرحية «أهل الشرق» لفرقة «الدوحة» تأليف وإخراج عبد الرحمن المناعي
مسرحية «أهل الشرق» لفرقة «الدوحة» تأليف وإخراج عبد الرحمن المناعي

عرف الناقد المسرحي والقاص والإذاعي القطري الدكتور حسن رشيد باشتغاله بقضية المسرح المحلي والخليجي، فقد واكب انطلاقة الحركة المسرحية في بلاده وفي دول الخليج، وشهد مراحل انتعاشها، وما آلت إليه اليوم. وهو يرى أن أزمة المسرح لا تقتصر فقط على ضعف الاهتمام الرسمي، أو شيوع ثقافة التلفزيون، ولكن أيضا وبشكل رئيس لانعدام هامش الحرية، حيث لا يترعرع المسرح أو ينمو إلا في مناخ الحرية. وهو يجد الحديث عن نهضة المسرح حديثا عبثيا أمام طوفان المآسي الذي يجتاح المدن العربية.
ولد الدكتور حسن عبد لله رشيد في الدوحة عام 1949، وشغل أستاذ النقد وأدب المسرح، ونائب رئيس الهيئة العربية للمسرح. وقد درس بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، وكان ضمن أول دفعة من المذيعين القطريين، وهو أول من قال: «هنا إذاعة قطر»، بتاريخ 25 يونيو (حزيران) 1968، وعمل مديرا عاما للبرامج ثم مساعد مدير الإذاعة، كما عمل في دائرة الثقافة والفنون، وله أيضا الكثير من الدراسات والبحوث حول المسرح.
وإلى الحوار معه..

* جرى تكريمكم في بداية العام الحالي في مهرجان المسرح العربي الذي تقيمه الهيئة العربية للمسرح في الدوحة.. هل ترى أن المسرح العربي قادر على النهوض من كبوته الراهنة؟
- هذا السؤال من الصعوبة بمكان الإجابة عنه بـ«نعم، أو لا»، ذلك أن واقع المسرح العربي المغيب الآن في أمس الحاجة إلى جهد الجهات الرسمية المعنية بالأمر وخلق وشائج حقيقية مع المسرح، ذلك أننا مع الأسف قد صدقنا بعض المقولات مثل: «إن المسرح مدرسة الحياة»، و«أعطني مسرحا أعطك جيلا مثقفا»، وهذا ما زرعه البعض في ذاكرتنا الجمعية.
المسرح العربي مقارنة بالمسارح في العالم، وأعنى الإغريق والإنجليز والفرنسيين والصينيين، عمره الافتراضي قصير، مقارنة بالآخرين، فقد ظهر ذات يوم في عام 1848 على يد مارون نقاش في بيروت عبر تمثيلية قصيرة مستلهمة من تاريخنا، ولدينا أيضا عبر بعض دول المنطقة تاريخ بسيط منذ بدايات العقد السابع من القرن الماضي، فعمر المسرح العربي إذن في حدود 160 عاما.

* 160 عاما هل هي قليلة على إنتاج حراك مسرحي في منطقتنا؟
- هذا المسرح ارتبط بالأفراد وليس بحراك مسرحي. بالنسبة لنا، أسهم البعض قبل ظهور التعليم الإلزامي في وجوده عبر لعبة قصيرة وهادفة، فالهدف استلهام تاريخ العرب وعدد من الشخصيات المؤثرة مثل: يوم ذي قار، صلاح الدين، وسرد نماذج من الحكايات مثل:هارون الرشيد. وطرح نماذج من العادات والتقاليد العربية. واستمر الحال لفترة لدينا هنا. وأعني في دول المنطقة.

* من أين بدأ التراجع؟
- في قطر كانت الكبوة الكبرى بإلغاء المسرح المدرسي، الرافد الحقيقي للمسرح. أما المسرح العربي ففي ظل الصراعات المحلية والإقليمية وسيطرة البطالة والكثير من المنغصات في حياة الفرد. فهل يترعرع المسرح؟ والآلاف يموتون عبر المتفجرات في الكثير من المدن؟ وهل بمقدور المسرح أن يطرح الفن والفكر والثقافة والمتعة؟ أشك كثيرا.. المسرح لا ينمو ولا يترعرع إلا في ظل الحرية، وحرية الكلمة، وحرية الإنسان. لذا فإن واقع المسرح العربي مأزوم، سواء في إطار الكوميديا أم التراجيديا. وإلا ماذا نقول عن غياب نجوم اللعبة حتى في إطار الكوميديا؟

* درست في المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة وزاملت مسرحيين عربا بينهم هاني صنوبر، أحد مؤسسي المسرح السوري والمسرح القطري، كما زاملت الفنان القطري غانم السليطي، كيف تجد المسرح القطري اليوم؟
- زاملت المخرج الكبير هاني صنوبر، مؤسس المسرح السوري والأردني والقطري في الإذاعة.. كان أستاذا للمسرح بكل المقاييس وتخرج على يديه كوكبة من النجوم مثل «النوخذا» عبد الرحمن المناعي، وغازي حسين وعشرات الأسماء. أما زملاء الدراسة، فهناك الكثير من المسرحيين العرب: من قطر، الفنان غانم السليطي، سالم الماجد، محمد أبو جسوم، موسى عبد الرحمن، مرزوق بشير. ومن سوريا: جهاد سعد. من الكويت: الدكتور حسين المسلم، وعشرات الأسماء من كل الأقطار العربية بجانب الأشقاء المصريين مثل الدكتور سامي عبد الحليم، الدكتور محمد عبد الهادي، عادل النادي، عادل معاطي.
أما فيما يخص المسرح القطري، فإنني أشبهه بالمثل القديم «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا». وذلك بعد إلغاء المسرح المدرسي، وعدم وجود كيان حقيقي للمسرح، وتقليص عدد المسارح من أربعة إلى مسرحيين، وعدم وجود مواسم مسرحية ثابتة، وقلة الخشبات سوى خشبة مسرح قطر الوطني، مع وجود أكثر من مسرح ولكنها تابعة لجهات أخرى مثل: مسرح الدراما، والأوبرا، والمسرح المكشوف التابع للحى الثقافي، مسرح الريان والتابع لإذاعة وتلفزيون الريان، مسرح البلدية التابع للبلدية.

المسرح القطري
* هل لديك مقترحات محددة لإعادة بعث المسرح القطري من جديد؟
- للخروج من كل هذا لا بد من إيجاد مراكز شبابية تملك قاعات للعرض ولإجراء البروفات، ومعهد متوسط يفرخ أجيالا إثر أجيال وتكون الدراسة فيه مسائية، ووجود قسم للمسرح في جامعة قطر، وإرسال البعثات لدراسة المسرح كما كان يحدث في السبعينات من القرن الماضي، وكذلك تعزيز المشاركات الخارجية بشكل مستمر كما هو حاصل في المملكة العربية السعودية، وفي الإمارات، والكويت، وسلطنة عمان، وكذلك تشكيل لجان تعي دور المسرح وأهميته. ذلك أن اللجنة الحالية وإن كانت تضم مسرحيين مثل موسى زينل، وسعد بورشيد، والفنان علي ميرزا محمود، إلا أن رئيس اللجنة موظف لا علاقة له بالمسرح من قريب أو بعيد. ولم أشاهده يحضر أي نشاط مسرحي في أي قطاع كان. من هنا أرى أن المسرح القطري، أسوة بغيره من المسارح العربية. يملك نفس الملامح الباهتة، على الرغم من الدعم اللامحدود من قبل وزارة الثقافة والفنون والتراث وإسهامات الوزير الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، إلا أن الواقع بخلاف المأمول.

* لماذا انحسرت الفرق المسرحية في قطر من أربع فرق إلى فرقتين، هل للأمر علاقة بالذائقة الفنية للجمهور؟
- لا أعتقد. التقليص حدث بفعل فاعل. والآن من الصعوبة بمكان خلق نواة أخرى تمارس المسرح من أجل المسرح. هذا لا يعني أن الجيل الجديد لا يحلم بمسرح آخر. وأبرزهم مثلا: أحمد مفتاح، فيصل رشيد، فهد الباكر، طالب الدوس، عبد الواحد محمد، سالم المنصوري وغيرهم. وهؤلاء يحاولون إعادة (بعض) وأضع خطا تحت مفردة (بعض)، الجماهير للمسرح. كما أن جهة أخرى تقوم بدور مواز في خلق تفاعل جماهيري، وتتمثل في: غانم السليطي، ناصر عبد الرضا، عبد الرحمن المناعي وجهدهم واضح في هذا الإطار عبر المهرجان المسرحي الأول والثاني. أما الثالث ففي علم الغيب. لكن هل يحضر الجمهور حتى يشاهد الشكل وأعني المبنى، أم المضمون – العرض؟

* أمام زخم الاهتمام بالموروث الشعبي القطري، إلا أن المسرح بقي معزولا.. لماذا لم نشهد التحاما بين النص والتراث بما يمثله من مخزون ثقافي وذاكرة شعبية ورؤية بصرية؟
- المسرح يختلف عن كل الفنون. فلا يمكن أن نقول للكاتب عبد الرحمن المناعي، حمد الرميحي، غانم السليطي، أحمد مفتاح مثلا نريد مسرحية بمواصفات كذا لأن النهضة العمرانية قائمة على قدم وساق. هنا يتحول المسرح إلى بوق دعائي إعلاني. وهنا يموت الكاتب والنص بعد شهور. الكاتب المسرحي قد يعيش سنوات وسنوات حتى يكون شاهدا على عصره. كثير من الكتاب ماتوا وهم أحياء بعد انتهاء الاحتفائية بأمر ما. ولكن الرابط بين التراث والعرض موجود في كل أعمال الفنان القدير عبد الرحمن المناعي منذ عام 1975 و«أم الزين» حتى آخر الأعمال التي قدمت في العام الماضي. وأيضا في أعمال ناصر عبد الرضا مثل «مجاريح»، «البوشية». أما فيما طرحت، فالأمر في المسرح يحتاج إلى تأمل لفترة من عمر الزمن. والسؤال الأهم مع ذلك هو: أين المسرح؟

* شاهدنا في «سوق واقف»، على سبيل المثال، عروضا سينمائية.. لماذا لم نشهد عروضا مسرحية في الهواء الطلق؟
- قدم الفنان عبد الرحمن المناعي – على سيف البحر – العرض المسرحي «الدشة والقفال» وكانت تجارب لسعد بورشيد، جاسم الأنصاري، حمد الرميحي وغيرهم في «قلعة الكوت»، ولكن «سوق واقف» سوق سياحية لجمهور لا علاقة لها بالمسرح، ويكفي أن يشنف أذنيه بأغاني عبود الخواجة، سعد جمعة، مزعل فرحان، وكفى الله المؤمنين القتال!

المسرح الخليجي

* أنت متابع لحركة المسرح الخليجي، برأيك، لماذا تراجع المسرح الخليجي؟
- بعد الغزو العراقي للكويت تغيرت خريطة كل شيء.. تحول المسرح في الكويت كرائد لمسار المسرح خليجيا، وهنا تحولت جل العروض إلى الكوميديا. والكوميديا فن راق، ولكن ما حصل أن غلف التهريج على بعض العروض، وتحول الأمر إلى قاعدة. نعم هناك صراع بين جدية الجيل الجديد عبر المهرجانات العربية، وفعاليات مسرحية في الفجيرة مثلا عبر المونو دراما، وأيام الشارقة ومهرجانات الهيئة العربية للمسرح ومهرجان الكويت في إطار المعهد العالي للفنون المسرحية، أو مهرجان الخرافي، أو مهرجان المسرح عبر الوزارات والهيئات المعنية. ولكن كل هذه الفعاليات هي فعاليات آنية، ذلك أن مسرحنا مرتبط بالأفراد، مثلا مرحلة عبد الحسين عبد الرضا وخالد النفيسي، سعاد العبد الله، حياة الفهد، عبد الرحمن الضويحي، صقر الرشود، حمد الرميحي، غانم السليطي، عبد الرحمن المناعي، عبد الله السعداوي، عبد الكريم جواد، حسن رجب، إسماعيل عبد الله، سالم الحتاوي، عبد الله صالح، وغيرهم. والمسرح لم يرتبط بكيانات. والجهد الفردي مداه قصير. مثلا حسين المسلم يبذل كل طاقاته من أجل حراك مسرحي في الكويت. في السعودية فهد ردة الحارثي، سامي الجمعان، راشد الورثان وعدد آخر من الزملاء. الجهد الشخصي يعتمد على قدرات الفرد، وعشقه للإبداع المسرحي، ممثلا، مخرجا، مؤلفا، لذا فإن ظهور واختفاء المسرح مرتبط أيضا بصاحب القرار في المؤسسات الرسمية. هناك من يعشق المسرح ويبارك كل الخطوات، وهناك من يرى في المسرح رجسا من عمل الشيطان!

* ما المعضلة التي تواجه المسرحيين الخليجيين بشكل عام؟
- أخشى ما أخشاه أن يثور الجميع على هذا الرد؛ فالمعضلة الأهم هي في الجهاز السحري: «التلفزيون» وإغراءاته، كذلك نتساءل: هل هناك دعم مؤسساتي أو من شركات أو من الحكومة لدعم العروض؟ نعم هناك معضلات عدة أبرزها في تصوري يتمثل في: مكان العرض، ارتفاع أجور الفنانين، قلة أيام العرض، ولذا يهرب المنتج بجلده إلا في المناسبات في الأعياد أو يقدم بعض الكوميديا الرخيصة التي تعتمد على التهريج أو مسرحيات الأطفال.

* في قطر هناك جيل مسرحي جديد يعبر عن موهبته في مهرجان المسرح الشبابي، هل تعول على جيل الشباب في أن ينهض بالمسرح؟
- نعم.. البركة في الجيل المسرحي الشبابي، ولكن هؤلاء في أمس الحاجة إلى رعاية وأن تجري إقامة ورش لهم تحت إشراف متخصصين وليس (نصابين). نحن في حاجة إلى هاني صنوبر آخر وإلى عوني كرومي، وعبد المنعم عيسى، وصفوت الغشم، لأننا شبعنا من النصب والاحتيال، نريد ورشا ودورات حقيقية لهم، لأنهم يملكون الإرادة وحب المسرح ويجتهدون ويشكلون النواة الحقيقية للمسرح. أما الشباب فالمسرح الآن مرتهن بجهدهم. ولكن هناك من يهبط من عزائمهم. كانت المأساة مثلا أن يجري ترشيح اسم مكرم في المهرجان الشبابي الأخير في الكويت ويستبعد اسم فهد الباكر، أحمد مفتاح، على الخلف، محمد حسن المحمدي، فيصل رشيد وغيرهم هذا الأمر خلق فجوة حقيقية في ذاكرة الشباب. ومع هذا فإن هذا الأمر لم يوقف عزيمتهم.

الهوية الثقافية
* هناك عشرات الفعاليات تقدم في الدوحة، من الأوبرا إلى فنون الاستعراض لفرق عالمية، إلى الفن التشكيلي، والمسرحي، لكن إزاء ذلك لا نجد حراكا ثقافيا يعبر عن الشخصية القطرية؟
- الثقافة في مجملها كم تراكمي.. هناك جهات عدة تحاول خلق وشائج مع الثقافة مثل نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي، كما أن وجود الإخوة العرب من شعراء وفنانين يخلق حالة. وهي تجسد حالة قطرية. أما عن الشخصية القطرية فإن هناك باحثين في كل المجالات. يخلقون تواصلا لنبش الماضي في كل فنون الإبداع، شعرا ونثرا، من أمثال علي شبيب المناعي، وعلي فياض، والشعراء محمد خليفة العطية، محمد المرزوقي، علي عبد الله الأنصاري.. في الفن التشكيلي لدينا كوكبة من أبرز الفنانين وهم يوسف أحمد، سلمان المالك، علي حسن، وفيقة سلطان، هنادي الدرويش، أمل العاثم، محمد عتيق، وحسن الملا، وغيرهم.. هل هؤلاء لا يعبرون عن الحراك الثقافي وعن الشخصية القطرية في جل أعمالهم بجانب الكاتبات مثل الدكتورة هدى النعيمي، دلال خليفة، مريم آل سعد، نورة آل سعد، جمال فايز، محسن الهاجري وعشرات الأسماء؟ ولكن هؤلاء محصورون في الإطار المحلي. ولا ينفض الغبار عن هذه الأسماء في الملتقيات الفكرية خارج الحدود لأن تلك الرحلات الصيفية والشتوية يتزعمها رفقاء ذلك المسؤول الذي لا يربطه بالثقافة سوى اسمه!

* أصبحت قطر تحتضن مؤسسات ثقافية ذات طابع عالمي، مثل مشروع الحي الثقافي (كتارا) مع الانفتاح على الثقافة والفنون العالمية، هل تشعر أن قطر يمكنها أن تصيغ معالم هوية ثقافية عالمية؟
- بالكم التراكمي نعم، نحن في عصر آخر، الوسائط تدفع بكل الفنون باتجاه بعضها البعض، وكما حققت قطر تقدما عربيا خليجيا في المجال الاقتصادي والسياسي والرياضي، فإن تحقيق الأمر في هذا الإطار ليس بمستبعد، ولكن هذا يحتاج إلى سنوات وسنوات، ولكن البنية التحتية المتمثلة في الحي الثقافي والمتحف الإسلامي والجامعات المختلفة تسهم الآن في خلق وشائج مع الفنون والإبداع عبر خريطة العالم المتحضر. ولا أعتقد أن هذا الأمر مستبعد في ظل تلاقي وتلاقح الحضارات عبر الكثير من العواصم الخليجية الأخرى، ولكن كما أسلفت، الأمر لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، لأن الثقافة في شمولية المفردة مجالها أكبر بكثير من التصور الآني. كما أن الاتفاقيات مع دور النشر العالمية والمتاحف الكبيرة. ودعوة الفعاليات الفنية جزء من رسالة الثقافة القطرية المحلية.

* على ماذا تتكئ كل هذه الفعاليات المعبرة عن هويات وجنسيات عالمية، إذا كان نصيب الإنتاج القطري ما زال محدودا؟
- هل نتوقف ونتجمد ونبكي على اللبن المسكوب؟! الفن والإبداع لا وطن له، والعالم تحول إلى قرية، أنت تقرأ ماركيز الآن، وتشاهد أوبرا عايدة وكنت تستمع إلى بافاروتي، وترى وتشاهد الاستعراضات الهندية وفرق أفريقيا والباليه الروسي.. فهل علينا أن نبتعد عن مشاهدة لوحات رفائيل وسلف دور دالي وموسيقى خاتشو دريان ونكره بتهوفن وباخ وشوبان وأم كلثوم وقارئة المقام فريدة وحسين الأعظمي؟ الفنون حلقات.. دعنا نرَ ونشاهد الآخر، دعنا نقلد، وكما أسلفت ذات يوم، سيتحول الأمر إلى واقع ملموس.. هل لدينا سينما خليجية؟ مع هذا، هناك مهرجانات في مسقط ودبي، أبوظبي، البحرين، الكويت، ولدينا فعاليات سينمائية وأنتجنا فيلما بإخراج قطري وممثلين قطريين. مشوار الألف ميل كما قيل يبدأ بخطوة.. دعنا نخطُ هذه الخطوة، لعلنا ذات مساء نصل إلى مبتغانا. دعنا نعمل، نجتهد. قد نخطئ، ولكن لا بد من المحاولة، لقد جرب أديسون ألف مرة، ونجح أخيرا، ومحاولاتنا لاكتساب الخبرات مستمرة.



إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر

إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر
TT

إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر

إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر

أعلنت لجنة الجائزة العالمية للرواية العربية (المعروفة بـ«البوكر العربية») صباح اليوم القائمة الطويلة لدورة عام 2026. وتم اختيار الـ16 المرشحة من بين 137 رواية، ضمن 4 روايات من مصر، و3 من الجزائر، و2 من لبنان، ورواية واحدة من السعودية، والعراق، والمغرب، وسوريا، واليمن، وتونس، وعمان. وتنوعت الموضوعات والرؤى التي عالجتها هذه الروايات كما جاء في بيان اللجنة، وهي:

«ماء العروس» للسوري خليل صويلح، و«خمس منازل لله وغرفة لجدتي» لليمني مروان الغفوري، و«الاختباء في عجلة الهامستر» للمصري عصام الزيات، و«منام القيلولة» للجزائري أمين الزاوي، و«عمة آل مشرق» لأميمة الخميس من السعودية، و«عزلة الكنجرو» لعبد السلام إبراهيم من مصر، و«أيام الفاطمي المقتول» للتونسي نزار شقرون، و«البيرق» للعُمانية شريفة التوبي، و«فوق رأسي سحابة» للكاتبة المصرية دعاء إبراهيم، و«في متاهات الأستاذ ف. ن.» للمغربي عبد المجيد سباطة، و«الرائي: رحلة دامو السومري» للعراقي ضياء جبيلي، و«غيبة مي» للبنانية نجوى بركات، و«أصل الأنواع» للمصري أحمد عبد اللطيف، و«حبل الجدة طوما» للجزائري عبد الوهاب عيساوي، و«الحياة ليست رواية» للبناني عبده وازن، و«أُغالب مجرى النهر» للجزائري سعيد خطيبي.

وستُعلَن القائمةُ القصيرة للجائزة في فبراير (شباط) المقبل، والرواية الفائزة في التاسع من أبريل (نيسان) 2026 في احتفالية تُقام في العاصمة الإماراتية أبوظبي.


متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال
TT

متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال

كان للسوري خالد سماوي مشروع رؤيوي مهم عبر، من خلال قاعته «أيام»، عن سعته في احتواء التجارب الفنية العربية، السورية منها بشكل خاص. ولقد سعدت حين رأيت ذات مرة معرضاً للفنان ثائر هلال في قاعة «أيام بلندن». ما فعله سماوي كان ريادياً من جهة أنه كان جديداً من نوعه. فلأول مرة هناك قاعة عربية تعرض لفنانين عرب وسط لندن. وفي دبي كانت له قاعة أيضاً. ولكن سماوي كان قبل ذلك قد فشل في فرض فكرته عن الاحتكار الفني المعمول به عالمياً يوم أصدر فنانون سوريون بياناً يتخلون من خلاله عن العلاقة بقاعته.

أتذكر منهم عيد الله مراد ويوسف عبد لكي وفادي يازجي وياسر صافي. السوريون يعرفون بضاعتهم أكثر منا. من جهتي كنت أتمنى أن ينجح خالد سماوي في مشروعه. فهو رجل طموح، ما كان لشغفه بالفن أن ينطفئ لولا جرثومة الوصاية التي تصيب أصحاب القاعات الفنية الناجحين في العالم العربي. في العالم هناك وصاية يمارسها صاحب قاعة على عدد من الرسامين الذين يتعامل معهم وهو ما يُسمى الاحتكار المحدود، غير أن ما يحدث في العالم العربي أن تلك الوصاية تتحول إلى وصاية وطنية شاملة. كأن يمارس شخص بعينه وصاية على الفن التشكيلي في العراق ويمارس آخر وصاية على الفن في لبنان وهكذا.

الخوف على المال

حين بدأ اهتمام المزادات العالمية بعد أن أقامت فروعاً لها في دبي بالنتاج الفني العربي، حرصت على أن تقدم ذلك النتاج بوصفه جزءاً من بضاعتها القادمة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وليس من العالم العربي. ومن الطبيعي أن يكون لتلك المزادات خبراؤها الذين حتى وإن لم تكن لهم دراية فنية أو معرفة تاريخية بتحولات الحداثة الفنية في العالم العربي فإنهم كانوا على استعداد لصناعة تاريخ مجاور من أجل الترويج للبضاعة المعروضة. وبذلك صنعت المزادات إحداثيات زائفة، ذهب ضحيتها الكثير من رجال الأعمال العرب الذين لم يسمعوا بشيء اسمه النقد الفني، وهم لذلك لم يعدّوا ما يقوله نقاد الفن العرب مرجعاً يُعتد به. كانت كتيبات ومنشورات المزادات هي مرجعهم الوحيد الموثوق به. وإذا ما قلنا لهم اليوم «لا تصدقوا ما يقوله خبراء المزادات» فسيسخر الكثير من مقتني الأعمال الفنية منا، لا لشيء إلا لأن ذلك يؤثر على القيمة المادية للأعمال الفنية التي اقتنوها.

الأسوأ من ذلك أن الكثير من أصحاب القاعات الفنية في مختلف أنحاء العالم العربي صاروا يتحينون الفرص من أجل أن يتم عرض ما تكدس لديهم من أعمال فنية في تلك المزادات بسبب معرفتهم بحقيقة أن خبراءها لا خبرة لهم بالفن في العالم العربي وأن وصايتهم عليه مستلهمة من قوة المال لا من قوة الثقافة.

غياب سلطة النقد

لقد انتهى النقد الفني في العالم حين انتصر عليه المال. عبر أكثر من عشر سنوات لم تُعقد ندوات نقدية عن الفن في العالم العربي إلا بطريقة فقيرة بعيداً عن المراكز الحيوية التي كانت سوق الفن تحقق فيها نجاحاتها وأرباحها. لم يكن ذلك إلا انتصاراً لإرادة الخبراء الأجانب الذين نجحوا في العمل بعيداً عما يسببه نقاد الفن من صداع وإزعاج. في ذلك الفراغ تم تمرير الكثير من الأعمال المزورة كما تم إسباغ أهمية فنية على فنانين لا قيمة تاريخية أو فنية لأعمالهم.

قبل سنوات اتصلت بي سيدة نمساوية وطلبت اللقاء بي في أحد مقاهي لندن. حين التقيتها عرفت أنها اشترت مجموعة من الأعمال الورقية بنصف مليون درهم إماراتي رغبة منها في الاستثمار. حين رأيت تلك الأعمال اتضح لي أن تلك المرأة كانت ضحية لعملية استغفال، وأنها لن تتمكن من إعادة بيع ورقياتها لأنها لا قيمة لها. فجعت المرأة برأيي وكان واضحاً عليها أنها لم تصدقني. ذلك ما يفعله كل مقتني الأعمال الفنية العرب فهم لا يرغبون في أن يصدقوا أنهم كانوا ضحايا عمليات احتيال متقنة. في ظل غياب سلطة النقد الفني واختفاء النقاد أو اكتفاء بعضهم بالمتابعات الصحافية بعد أن أجبرتهم لقمة العيش على التحول إلى صحافيين، تستمر المزادات في تكريس سلطتها معتمدة على أموال المقتنين العرب.

محاولة لكسر الوصاية الأجنبية

وإذا ما تركنا المزادات وما يجري في كواليسها جانباً واتجهنا إلى أسواق الفن التي صارت تُقام سنوياً في مدن بعينها، فسنكتشف أن تلك الأسواق تُدار من قبل خبيرات أوروبيات. أصحاب القاعات الفنية العربية الذين شاركوا في العرض في تلك الأسواق يعرفون حقائق أكثر من الحقائق التي نعرفها ولكنهم لا يصرحون بها خشية على مصالحهم. ذلك لأن هناك شبكة من المنتفعين من تلك الأسواق في إمكانها أن تضر بهم أو هو ما يتوهمونه. ليس لأن المال جبان كما يُقال، بل لأن الإرادة ضعيفة. قيام سوق فنية عربية للفن هو الحل. ولكن ذلك الحل لن يكون ممكناً إلا بتضافر جهود أصحاب القاعات الفنية في العالم العربي. حقيقة أنا معجب بتجربة التعاون الحيوي والخلاق والنزيه بين غاليري مصر في القاهرة وغاليري إرم في الرياض. وفق معلوماتي، هذه هي المرة التي يتم فيها اختراق الحدود العربية بنتاج فني عربي. أجمل ما في الموضوع أن ذلك لا يتم من خلال فرض وصاية لا على الفن ولا على الفنانين. ليست الفكرة مدهشة فحسب، بل مفردات تنفيذها أيضاً. ذلك لأنها لا تقوم على تبادل ثقافي بين بلدين عربيين بقدر ما هي مساحة لعرض أعمال فنانين عرب بغض النظر عن هوياتهم الوطنية. ذلك التعاون مهم، كما أنه لا ينهي الوصاية الأجنبية على الفن في العالم العربي فحسب، بل أيضاً لأنه يمهد لولادة سوق نزيهة ومنصفة للفن.

حين حُول الفنانون إلى أجراء

في ظل غياب الملتقيات الفنية العربية نشط البعض في إقامة لقاءات فنية، غالباً ما تكون الجهات الراعية لها لا علاقة لها بالثقافة. فهي إما فنادق تسعى إلى الاستفادة من أوقات الكساد السياحي أو مصارف تقتطع الأموال التي تنفقها على النشاط الفني من الضرائب التي تدفعها. وهكذا ولدت ظاهرة اصطلح على تسميتها «السمبوزيوم». ذلك تعبير إغريقي يعني مأدبة الشرب من أجل المتعة مصحوباً بالموسيقى والرقص أو الحفلات أو المحادثة. ومن تجربتي الشخصية - وقد حضرت عدداً من تلك اللقاءات - فإن الأمر لا يخرج عن ذلك التوصيف إلا في منطقة واحدة، وهي أن القائمين على الـ«سمبوزيوم» كانوا يمارسون على الفنانين وصاية تجعلهم أشبه بالأجراء. لقد رأيت الرسامين والنحاتين يذهبون في ساعة محددة إلى العمل الذي لا ينتهون منه إلا في ساعة محددة. كان حدثاً فجائعياً أن يُطلب من الرسام أن يرسم ومن النحات أن ينحت.

كنت أشعر باليأس كلما رأيت تلك المشاهد. من الإنصاف القول هنا إن هناك مَن رفض أن ينضم إلى تلك الظاهرة حفظاً لكرامته. لذلك صار القيمون على تلك اللقاءات يتداولون فيما بينهم قوائم الفنانين الصالحين للوصاية. يشهد العالم لقاءات فنية شبيهة كل يوم. غير أنها لقاءات حرة فيها الكثير من البذخ، لا يشعر الفنان فيها بأن كرامته قد خُدشت وأنه صار أجيراً.


الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس
TT

الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس

رواية «مياو» لبينيتو بيريز غالدوس، التي صدرت في منتصف مسيرته المهنية، بترجمة مارغريت جول كوستا من الإسبانية، 302 صفحة، تصوّر معاناة موظف حكومي بيروقراطي مُسرّح من عمله.

كنت تعرّفتُ على روايات القرن التاسع عشر عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري، وأعيش مع عائلتي في مدريد. لكن القرن التاسع عشر الذي تعرّفتُ عليه لم يكن إسبانياً. وإذا كانت المكتبة الصغيرة للمدرسة البريطانية التي التحقتُ بها قد تضمّنت أعمالاً مترجمة لبينيتو بيريز غالدوس، فأنا لا أتذكرها، مع أن مدريد هي المدينة التي تدور فيها معظم رواياته. بدلاً من ذلك، كان هناك رفّ من روايات ديكنز، قرأتها بنهمٍ، وإن كان عشوائياً، ناسية حبكاتها وأنا أقرأها. كان غالدوس، الذي يصغر ديكنز بثلاثين عاماً قارئاً نهماً لأعمال الروائي الإنجليزي في شبابه، ويمكن ملاحظة تأثير ديكنز في شخصياته المتنوعة، وأنماطه المرسومة بشكل واسع، ومشاهده لقذارة المدن. ويشترك الكاتبان أيضاً في حماسة الإصلاح، مع أن شخصيات ديكنز في إنجلترا تُكافح التصنيع السريع، بينما في إسبانيا تُواجه شخصيات غالدوس عجز الحكومة وقوى رجعية راسخة.

غالدوس غير معروف في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، وإن لم يكن ذلك بسبب قلة جهد المترجمين والناشرين.

عندما شرعت في كتابة هذه المراجعة، تخيلت أن عدداً قليلاً فقط من كتبه قد تُرجم، ولكن في الواقع، ظهرت نحو ثلاثين رواية باللغة الإنجليزية على مدار المائة وخمسين عاماً الماضية، نُشر العديد منها أكثر من مرة. هذه الروايات لم يبقَ منها إلا القليل، ومن المرجح أن يكون القراء المعاصرون الذين سبق لهم الاطلاع على أعمال جالدوس قد قرأوا إحدى الروايتين: «فورتوناتا وجاسينتا» (1887) أو «تريستانا» (1892)، اللتين تجذبان قراء مختلفين. «فورتوناتا وجاسينتا» رواية واقعية طموحة تُصعّد من حدة الأحداث، وتُعتبر عموماً أعظم رواية إسبانية في القرن التاسع عشر. وهي تروي قصة امرأتين على علاقة برجل واحد (غير جدير بالثقة)، بالإضافة إلى قصة مدينة مدريد، من مركزها النابض بالحياة إلى ضواحيها المتوسعة. أما «تريستانا»؛ فهي رواية أقصر وأكثر غرابة، وتدور حول فتاة يتيمة في التاسعة عشرة من عمرها يتبناها صديق لوالدها ويستغلها ببراعة. وكان لويس بونويل قد حوَّلها إلى فيلم سينمائي، وأصبحت من كلاسيكيات السينما. (قام بونويل أيضاً بتكييف روايتي غالدوس «نازارين» و«هالما»، والأخيرة بعنوان «فيريديانا»).

لم تُترجم روايتا «فورتوناتا» و«جاسينتا» إلى الإنجليزية حتى عام 1973، أي بعد نحو قرن من نشرها الأصلي. ربما يُعزى ذلك جزئياً إلى حجمها الضخم، لكن هذا التأخير يُشير إلى تدني مكانة إسبانيا في أدب القرن التاسع عشر - ففي نهاية المطاف، يُعتبر طول رواية مثل: «الحرب والسلام» أو «البؤساء» وسام فخر.

وقد يُشار أيضاً إلى ميل القراء المترجمين إلى توقع أن تُناسب الأدبيات الوطنية نمطاً مُعيناً - رومانسياً وتقليدياً في حالة إسبانيا القرن التاسع عشر. عند الأجيال السابقة، كانت رواية «دونيا بيرفكتا» أشهر رواية غالدوس بالإنجليزية، وهي عمل مبكر عن أم ريفية مُسيطرة تُحبط زواج ابنتها من ابن عمها الحضري. لغتها وحبكتها ميلودرامية، وأجواء قريتها أبسط من مدريد فورتوناتا وجاسينتا متعددة الطبقات. لكن موضوعها الأساسي - إسبانيا الحديثة الليبرالية في حرب مع قوى التقاليد المفسدة - حاضر في جميع أعماله الروائية.

تحت تأثير الكوميديا الإنسانية لبلزاك، شرع غالدوس في سبعينات القرن التاسع عشر في أولى روايتين ضخمتين، إحداهما تاريخية والأخرى اجتماعية. وفي هذه الأيام، تحول الاهتمام في إسبانيا إلى روايته التاريخية: «الحلقات الوطنية»، وهي غير متوفرة في الغالب باللغة الإنجليزية. كان هذا مشروعاً ضخماً: ست وأربعون رواية، نُشرت في خمس سلاسل على مدار مسيرته المهنية، تناول فيها تاريخ الصراع المستمر بين الملكيين الإسبان والليبراليين خلال القرن التاسع عشر.

* خدمة «نيويورك تايمز»