التشابهات بين ترمب ومودي تثير اهتمام الإعلام

كلاهما جاء من خارج المشهد السياسي إلى قيادة البلاد

مودي  -  ترمب
مودي - ترمب
TT

التشابهات بين ترمب ومودي تثير اهتمام الإعلام

مودي  -  ترمب
مودي - ترمب

هل ثمة تشابه بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي؟ في الواقع، نجح بعض المشيدين والنقاد على حد سواء في تحديد بعض أوجه التشابه. وبغض النظر عن مدى صحة هذه التشابهات، تظل الحقيقة أن وسائل إعلام أميركية وهندية تناولتها بعرض مفصل.
وعلى رأس التشابهات أن ترمب شخص من خارج المشهد السياسي التقليدي لم يتوقع أحد فوزه، الأمر الذي سبق أن عايشته الهند مع مودي لدى انتخابه. وقد وجد ناريندرا أصواتا مؤيدة له في أوساط الشباب الطموح والطبقة الوسطى التي يسيطر عليها شعور عام بالغضب، والناخبين الذين يرون أن الهند أصابها الضعف.
وبالمثل، وجد الأميركيون الذين شعروا بالخذلان جراء ما عدوه «ضعف» باراك أوباما على صعيد السياسة الخارجية، ضالتهم المنشودة في ترمب. إضافة لذلك، فإن كلا من ترمب ومودي شخصية نرجسية حتى النخاع. كما أن كليهما متغطرس وعاشق للتباهي ويظن أنه منح مواهب فريدة من نوعها تؤهله لحل جميع المشكلات التي تواجه أبناء شعبه.
والملاحظ أن وسائل الإعلام الأميركية ركزت أنظارها على نحو بالغ على ترمب في الأسابيع الأخيرة. وربما كان فرنك بروني، مراسل «نيويورك تايمز»، الأكثر حدة، ذلك أنه وصف ترمب بأنه «ينظر لنفسه كأسطورة»؛ الوصف الذي لا يبتعد كثيراً عن مودي هو الآخر.
وإذا كان ترمب يعمد إلى إغداق الثناء على نفسه علانية عن كل شيء يخصه تقريباً؛ بداية من ضخامة ثروته، وصولاً إلى علاقاته النسائية، فإن مودي لا يفوت مناسبة إلا ويشيد بإنجازاته الاستثنائية التي يراها نتاجاً لمواهبه الفريدة من نوعها، دون أن يغفل سرد قصص عن أصوله المتواضعة بوصفه نجل بائع شاي.
وقد أكد تقرير وضعه كومار شاكتي شيختار ونشرته مجلة «إنديا توداي»، أن الرجلين وجهان لعملة واحدة. وفي استعراضه لأوجه التشابه، ذكر شيختار أن «ناريندرا مودي واجه معارضة داخلية هائلة لدى صعود نجمه باعتباره المرشح الرئيسي عن حزب بهاراتيا جاناتا عام 2014. ورغم هذه المعارضة، فإن مودي نجح في طرح نفسه باعتباره المرشح الأول عن الحزب لمنصب رئيس الوزراء».
وبالمثل، تعد هذه المرة الأولى منذ عام 1964 التي يرشح فيها الحزب الجمهوري الأميركي مرشحاً يبدي علانية معارضته للمؤسسة المهيمنة داخل الحزب. ورغم أن النخبة المسيطرة على الحزب كانت تنظر إليه بازدراء، فإن ترمب نجح في الفوز بترشيح الحزب له في الانتخابات الرئاسية، ليفوز بها في نهاية الأمر.
وفي تشابه آخر، أوضح شيختار أنه «فيما يخص الخبرة الإدارية، لم يسبق انتخاب ناريندرا مودي قط عضوا بالبرلمان. ومن خلال أول انتخابات خاضها، أصبح رئيساً للوزراء. وبالمثل، نجد أنه فيما يتعلق بدونالد ترمب، تعد هذه المرة الأولى منذ عام 1940 التي يفتقر فيها مرشح رئاسي لأي خبرة حكومية أو عسكرية. وكان آخر مرشح للرئاسة دون أي خبرة سياسية أو عسكرية، ويندل ويلكي».
من ناحية أخرى، يرى الصحافي الهندي المخضرم فير سنغفي، أن البيئة المحيطة هي التي ساعدت الرجلين على الصعود سياسيا، موضحاً أن «الظروف ساعدت الرجلين على الصعود إلى قمة حزبيهما. إننا نعيش في عصر السخط، ويلقي الناخبون باللوم على النخبة في المشكلات التي يعانونها. والشعور ذاته بالعداء تجاه المؤسسة السياسية المهيمنة الذي أدى لصعود مودي، دفع أيضاً بترمب نحو القمة».
وشرح صحافي هندي آخر، شريا أوبادهوياي، أن خطابات ترمب ارتبطت بالمواطنين العاديين، تماماً مثلما الحال مع مودي. كما واجه الرجلان انتقادات بأنهما تمكنا من الوصول إلى السلطة عبر إحداث استقطاب في صفوف الناخبين تبعاً للولاءات الدينية والعرقية، متهمين كليهما بالتحيز ضد المسلمين.
واستطرد أوبادهوياي بأن ترمب لم يخف قط إعجابه بقدرة مودي على تمرير إصلاحات اجتماعية واقتصادية. ونظراً لإدراكه القوة المحتملة لمجتمع الأميركيين من أصول هندية داخل الولايات المتحدة والبالغ إجمالي عددهم 3.2 مليون نسمة، عمد فريق العمل المعاون لترمب على التواصل معهم. ومن المقرر أن يلتقي الزعيمان خلال الأيام المائة الأولى من رئاسة ترمب؛ الفترة التي عادة ما تحدد خلالها أي إدارة جديدة مجمل توجهاتها.
يذكر أن ترمب حظي بتأييد بعض المجموعات داخل الهند، لدرجة دفعت البعض لعقد صلوات يبتهلون خلالها كي يفوز بالرئاسة، على أمل أن «يضع نهاية للإرهاب»، بحسب اعتقادهم.
وخلال الأيام الأولى لترمب داخل البيت الأبيض، صدم الصحافيون الأميركيون بسرعة تحرك الإدارة الجديدة نحو تقييد تواصلهم مع الحكومة. وبالنسبة للصحافيين الهنود، فإن هذه التجربة تحمل تشابهات مذهلة مع تجربتهم مع حكومة مودي.
اللافت أن كلا الرجلين تربطه علاقة خصومة بالإعلام. إلا أنه في الوقت الذي أبدى فيه ترمب علانية كراهيته الشخصية لمؤسسات إعلامية بعينها، جاء توجه مودي أكثر ذكاءً، لكنه ليس أقل عداءً تجاه السلطة الرابعة بالبلاد التي لا يوليها ثقته.
كما أن الرجلين يبديان شغفاً تجاه نشر تغريدات عبر موقع «تويتر» باستمرار والحديث مباشرة إلى الرأي العام بخصوص قضايا غير ذات أهمية، وبالتالي تجاوز التيار الرئيسي من وسائل الإعلام.
من جانبه، قال سوميت غالوترا، الباحث البارز السابق لدى «برنامج آسيا» التابع للجنة حماية الصحافيين: «تحمل علاقة دونالد ترمب بالصحافة كثيرا من التشابهات مع توجه ناريندرا مودي إزاء التعامل مع الإعلام داخل الهند. كلاهما أبدى عدم ارتياح تجاه وسائل الإعلام ومسألة اضطلاع الصحافة بدور الرقيب».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.