الحركة الشعبية لتحرير السودان تعفي أمينها العام

انقسام وشيك في كبرى حركات التمرد السودانية

ياسر عرمان
ياسر عرمان
TT

الحركة الشعبية لتحرير السودان تعفي أمينها العام

ياسر عرمان
ياسر عرمان

وضع جناح من الحركة الشعبية لتحرير السودان حداً للتسريبات التي شغلت وسائل الإعلام المحلية، طوال الأسبوعين الماضيين، وأعلن إعفاء الأمين العام للحركة ياسر عرمان من منصبه، وسحب ملف التفاوض بين الحركة والحكومة السودانية منه، وكذا رفض استقالة نائب رئيس الحركة عبد العزيز الحلو، التي أرجع سببها إلى أن قيادة الحركة تهمشه في اتخاذ القرارات.
وأصدر «مجلس تحرير» الحركة الشعبية في ولاية جنوب كردفان التي تخوض فيها الحركة الشعبية حرباً ضد حكومة الخرطوم، بالإضافة إلى ولاية النيل الأزرق المحادّتين لجنوب السودان، هذه القرارات التي تبرز خلافات الحركة الشعبية المتمردة وخروجها للعلن لأول مرة، بعد أن كانت مكتومة طوال سنين.
وتسرَّبَت استقالة نائب رئيس الحركة عبد العزيز الحلو المقدمة إلى اجتماع «مجلس التحرير بولاية جنوب كردفان، منذ السابع من الشهر الحالي، وتبعت ذلك تسريبات بأن المجلس رفض الاستقالة، وأعفى الأمين العام ياسر عرمان من منصبه، كما أعفاه من رئاسة وفد التفاوض مع الحكومة، لكن المجلس لم يعلن عن قراراته هذه رسمياً، إلا أمس».
بيد أن رئيس الحركة مالك عقار اعترف بعد سيل التسريبات بصحة الاستقالة، وتعهد بدراستها وإعطائها حقها.
وكان الحلو قد برر استقالته بعدم انسجامه مع رئيس الحركة والأمين العام، واتهمهم بتهميشه، وبالتخلي عن مطالب شعب جبال النوبة في حق تقرير المصير، وحل جيش الحركة، وتقديم تنازلات على حساب أهل الإقليم.
وأصدر مجلس تحرير ولاية جنوب كردفان، وهو الجسم المقاتل الأكبر في الحركة الشعبية، قراراته في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، أمس، أعفى بموجبه الأمين العام باعتباره مفاوضاً باسم الحركة، وسحب الثقة عن منصبه بصفته أميناً عاماً.
كما أصدر المجلس قراراً رفض بموجبه استقالة الحلو، بل وفوضه للتفاوض مع الخرطوم، وجعل منه مرجعية لحين عقد مؤتمر مجلس التحرير القومي في غضون ستين يوماً.
وتخوض الحركة الشعبية حرباً ضد الحكومة السودانية منذ عام 2011 في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولكل ولاية منهما «مجلس تحريرها»، ويجتمعان في «مجلس التحرير القومي»، لكن الثقل الأساسي للحركة في جنوب كردفان، يمثله نائب الرئيس عبد العزيز الحلو، فيما يمثل الرئيس مالك عقار ولاية جنوب النيل الأزرق، بينما يمثل الأمين العام ياسر عرمان مؤيدي الحركة في بقية أنحاء السودان.
وكان من أبرز الأسباب التي برر بها الحلو تقديم استقالته أن كلاً من الرئيس والأمين العام كان يتجاهل «حق تقرير المصير، المستند إلى أن اتفاقية السلام السودانية المعروفة بـ(نيفاشا) أعطت المنطقتين (حق المشورة الشعبية)».
وعلى الرغم من أن مجلس التحرير الولائي لا يملك صلاحية البت في الأمور القومية منفرداً، لكنه برر قراره بسحب الثقة من الأمين العام بـ«غياب المؤسسات والهياكل القومية»، ويقصد بها المؤتمر العام ومجلس التحرير القومي المكون من ممثلين للولايتين.
ولتحصين قراره داخل مؤتمر مجلس التحرير القومي، طالب مجلس تحرير جنوب كردفان بمعالجة نسب تمثيل الولاية في مؤسسات الحركة وهياكلها الاتحادية، «بما يتناسب مع وزن الإقليم وحجم التضحيات التي يقدمها شعبه».
ودعا مؤتمر جنوب كردفان لعقد مؤتمر استثنائي في غضون شهرين، تكون مهمته كتابة دستور جديد للحركة، وانتخاب مجلس التحرير القومي والقيادات الاتحادية الرأسية.
ولم يتخذ المؤتمر قرارات مناوئة لرئيس الحركة مالك عقار، لكنه طالب بوضوح بالنظر إلى أن جنوب كردفان هي منطقة النفوذ العسكري الأكبر للحركة، مقارنةً بالنيل الأزرق التي لا يسيطر فيها التنظيم على مناطق كبيرة، ولا يخوض معارك إلاّ نادراً، وفي الوقت ذاته شدَّدَ على أهمية تضامن شعبَي جبال النوبة والنيل الأزرق لـ«وحدة النضال والمصير المشترك».
وتكونت الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال من مقاتلين تمردوا على الخرطوم وانحازوا للحركة الشعبية إبان الحرب الأهلية في الجنوب بقيادة الراحل د. جون قرنق، وبعد انفصال جنوب السودان عام 2011، عادوا للتمرد مجدداً، متهمين حكومة الخرطوم بعدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه المنطقتين، اللتين حصلتا على حق «المشورة الشعبية»، وفقاً لاتفاقية السلام.
وتوصل الطرفان الحكومة السودانية والحركة الشعبية إلى اتفاق شهير عُرِف باتفاق «نافع - عقار» ألغَتْه الخرطوم من طرف واحد، ومنذ ذلك الوقت ظل الطرفان يخوضان مفاوضات تقودها وساطة أفريقية برئاسة الجنوب أفريقي ثابو مبيكي، لكنها تعثرت كثيراً.
وكادت الجولة الأخيرة تطوي ملف الحرب في السودان، لكن الطرفَيْن اختلفا على آليات توصيل الإغاثة الإنسانية، وهو ما أدى لانهيار آخر جولة مفاوضات بينهما في أغسطس (آب) 2016.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».