ليبيا: تعيين خامس مبعوث أممي يتحول إلى معركة دبلوماسية دولية

جدل بعد حكم بوقف اتفاق حكومة السراج مع إيطاليا حول الهجرة

مئات داخل مركز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في طرابلس (أ.ف.ب)
مئات داخل مركز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: تعيين خامس مبعوث أممي يتحول إلى معركة دبلوماسية دولية

مئات داخل مركز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في طرابلس (أ.ف.ب)
مئات داخل مركز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في طرابلس (أ.ف.ب)

بينما تواجه الأمم المتحدة صعوبة في ترشيح من سيخلف الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر في منصبه كرئيس لبعثتها لدى ليبيا، نفت حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس صدور حكم قضائي ببطلان الاتفاق الذي أبرمه رئيسها فائز السراج مع الحكومة الإيطالية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر وتهديد أمن الحدود.
وتحولت خلافة كوبلر، الذي تنتهي فترة عمله بحلول شهر أبريل (نيسان) المقبل في ليبيا، إلى معركة دبلوماسية وسياسية بين موسكو وواشنطن، وذلك بعد أن سربت روسيا معلومات صحافية عن اعتراضها رسمياً على ترشيح الدبلوماسي الأميركي - الألماني ريتشارد ولكوكس لرئاسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا خلفاً لكوبلر.
وتحدثت مصادر عن رسالة من وزارة الخارجية الروسية سلمها مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، تتضمن رفض موسكو الصريح والرسمي لترشيح ولكوكس، الذي يفترض أن يكون خامس مسؤول يتولى منصب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في ليبيا.
واتهم السفير إبراهيم الدباشي، مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة، المساعد السابق لهيلاري كلينتون ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة حالياً جيفري فلتمان بلعب ما وصفه بدور تخريبي للحزب الديمقراطي الأميركي في إدارة ملف الأزمة الليبية. وكشف في بيان عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، النقاب عن أن فلتمان رشح الدكتور ريتشارد ويلكوكس، العضو النشط في الحزب الديمقراطي الأميركي، لخلافة كوبلر، وتابع موضحاً: «لا يوجد أي شك في خبرة الرجل الكبيرة في المجال الاستخباراتي والدبلوماسي والانتقال من نظام سياسي إلى آخر. صحيح أن الرجل لديه خبرة في تفكيك الجيوش وتقسيم الدول، لكن هل هذا ما تحتاجه ليبيا في الوقت الراهن؟».
ودعا الدباشي، أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، إلى «إبعاد ليبيا عن الشخصيات ذات التجارب في دول مرت بصراعات بسبب عدم تجانس شعوبها، وأن يبحث عن شخصية قوية قادرة على مساعدة ليبيا في بناء المؤسسات ومكافحة الفساد».
ويأتي الموقف الروسي الرافض لتعيين المرشح الأميركي - الألماني الجديد، بعد اعتراض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على ترشيح رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، بدلاً من كوبلر الذي يتولى منصبه منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015.
ومنذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي إثر الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) في فبراير (شباط) عام 2011، تعاقب على المنصب 4 ممثلين؛ هم الإنجليزي أيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني كوبلر.
إلى ذلك، قالت وزارة العدل بحكومة السراج إن الطعن المقدم في الاتفاق ما زال منظوراً أمام المحكمة للفصل في الموضوع، ولم يصدر عنها حكم، مشيرة إلى أن دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف طرابلس أصدرت الأربعاء الماضي حكمها في الشق المستعجل، والقاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتاً، والمتضمن دخول مذكرة التفاهم الليبية - الإيطالية حول الهجرة حيز التنفيذ.
لكن مقدمي الدعوى القضائية، ومن بينهم وزير العدل الليبي الأسبق صلاح الميرغني قالوا في المقابل إن المحكمة قضت بوقف الاتفاق إلى حين الفصل في موضوع الدعوى، بناءً على الطعن المقدم ضده، كما أقرت المحكمة باختصاصها في نظر الطعن.
ووقع السراج في الثاني من الشهر الماضي اتفاقاً مثيراً للجدل مع رئيس الحكومة الإيطالية باولو جنتليوني في العاصمة الإيطالية روما، نص في مادته الأولى على «إطلاق مبادرات تعاون وفقاً للبرامج والنشاطات التي يحددها المجلس الرئاسي لحكومة السراج بشأن التنمية وحفظ الأمن والاستقرار، ودعم المؤسستين الأمنية والعسكرية للحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية. وتعهدت إيطاليا في المقابل بتقديم دعم وتمويل برامج تنموية في المناطق المتضررة من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني والتقني للأجهزة الليبية المكلفة بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتأمين الحدود البرية والبحرية».
كما نص الاتفاق على استكمال منظومة مراقبة الحدود البرية الليبية الجنوبية، والعمل على تجهيز مراكز الإيواء الليبية المؤقتة بما تحتاجه، بالإضافة إلى تأهيل الكوادر الليبية بمراكز الإيواء للتعامل مع أوضاع وظروف المهاجرين غير الشرعيين.
وكشف الاتفاق النقاب عن أن إيطاليا والاتحاد الأوروبي تعهدا بتمويل مخيمات للمهاجرين تديرها حكومة السراج، بالإضافة إلى تقديم روما والاتحاد الأوروبي التمويل لمخيمات ليبية يتم إبقاء اللاجئين والمهاجرين فيها، لكن مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين قالت في المقابل إن إدارة مخيمات في ليبيا يعني إبقاء المهاجرين في ظروف غير إنسانية وتعريضهم لمزيد من المخاطر.
وتسعى إيطاليا لوقف المهاجرين قبل أن يستقلوا قوارب متهالكة من الساحل الليبي ويبحروا عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، حيث تشير تقديرات إلى مقتل نحو 4500 شخص خلال محاولة العبور من شمال أفريقيا إلى إيطاليا العام الماضي.
وأوضح الاتفاق أن المخيمات التي سيبقى فيها المهاجرون «لحين ترحيلهم أو موافقتهم طواعية على العودة إلى بلادهم» ستديرها وزارة الداخلية الليبية.
وتعهدت إيطاليا بدعم واسع لحكومة السراج بما في ذلك «للمؤسسات الأمنية والعسكرية» بالعاصمة طرابلس، حيث تكافح حكومة السراج لبسط سيطرتها على البلد في ظل الفوضى، التي أعقبت الإطاحة بنظام القذافي في 2011.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.