تساؤلات حول أسباب تحول بعض معتنقي الإسلام إلى التطرف

خالد مسعود كان يهوى ممارسة رياضة كمال الأجسام وهناك سلسلة من الإدانات الجنائية بحقه... و {اسكوتلنديارد} توزع أول صورة رسمية له

ضابط شرطة من {اسكوتلنديارد} ومارة ينظرون إلى أكاليل الورود في موقع الهجوم على البرلمان البريطاني أمس
ضابط شرطة من {اسكوتلنديارد} ومارة ينظرون إلى أكاليل الورود في موقع الهجوم على البرلمان البريطاني أمس
TT

تساؤلات حول أسباب تحول بعض معتنقي الإسلام إلى التطرف

ضابط شرطة من {اسكوتلنديارد} ومارة ينظرون إلى أكاليل الورود في موقع الهجوم على البرلمان البريطاني أمس
ضابط شرطة من {اسكوتلنديارد} ومارة ينظرون إلى أكاليل الورود في موقع الهجوم على البرلمان البريطاني أمس

من عزام الأميركي، قيادي «القاعدة» البارز الذي قتل في غارة طائرة من دون طيار «درون» العام الماضي على الحدود الباكستانية الأفغانية، إلى ريتشارد ريد، مفجر الحذاء المفخخ الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة، بعد إدانته بمحاولة تفجير طائرة مستخدما وسيلة غير مسبوقة، عن طريق إخفاء المتفجرات في حذائه، ثم خالد مسعود منفذ الهجوم على البرلمان البريطاني الأربعاء الماضي، يثار كثير من الأسئلة عن أسباب تحول بعض معتنقي الإسلام الجدد للتشدد.
وازدادت التساؤلات في أوروبا، أمس، حول ما إذا كان معتنقو الإسلام حديثا أكثر عرضة لقبول الأفكار المتطرفة من المسلمين الأصليين. والغالبية العظمى من المتحولين إلى الإسلام هم من المواطنين المحترمين والملتزمين بالقانون في بلادهم، ولكن هناك أمرا ما يتعلق بتجربة التحول إلى الإسلام، والذي قد يفسر لماذا هناك أقلية من المتحولين إلى الإسلام يجدون الدعاوى المتطرفة شديدة الجاذبية.
ويعتبر آدم غدن، المعروف بعزام الأميركي، أول مواطن أميركي توجه له تهمة الخيانة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد أضيف للائحة المطلوبين للاستجواب في قضايا تتعلق بالحرب على الإرهاب من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2004، حيث صرح مكتب الـ«إف بي آي»، بأنه «يجري البحث عن هذا الشخص بسبب علاقته المحتملة بتهديدات إرهابية ضد الولايات المتحدة، ولكن لا توجد معلومات عن ارتباط هذا الشخص بأنشطة إرهابية محددة».
وقبل أن يتمكن من قتل ما لا يقل عن 5 أشخاص في أعنف هجوم شهدته بريطانيا منذ تفجيرات لندن التي وقعت عام 2005، كان خالد مسعود يعتبر، من زاوية ضباط الاستخبارات، مجرد مجرم يشكل تهديدا ليس بالخطير.
وكان مسعود، وهو شخص اعتنق الإسلام يعتقد أنه مدرس من مواليد بريطانيا، قد ظهر على هامش التحقيقات السابقة في مجال الإرهاب، والتي جذبت إليه انتباه وكالة الاستخبارات البريطانية (MI5). ولكنه لم يكن قيد التحقيقات عندما اندفع عبر جسر وستمنستر يوم الأربعاء، داهسا المارة بسيارة مستأجرة، قبل أن يهرول إلى مبنى البرلمان البريطاني ويطعن الشرطي غير المسلح طعنة أودت فيما بعد بحياته، ليلقى مصرعه بعد قليل برصاص الشرطة البريطانية.
ويقول خبراء مكافحة الارهاب ان معتنقي الاسلام الجدد الذين تحولوا الى التطرف كان في داخل السجون شديدة الحراسة مثل بيل مارش البريطاني حيث يوجد وحدة خاصة وعنابر للمتشددين».
وعلى الرغم من أن بعضا ممن كان على ارتباط بهم كان يشتبه في حرصهم على السفر للانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة في الخارج، فإن مسعود نفسه لم يكن حريصا على ذلك، كما أفاد أحد المصادر الحكومية الأميركية الذي طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقالت شرطة لندن في بيان صادر عنها: «لم يكن مسعود خاضعا لأي تحقيقات جارية، وليست هناك أي معلومات استخبارية بشأن نيته لارتكاب أي أعمال إرهابية».
ومع ذلك، فقد كان معروفا للشرطة البريطانية، ولديه مجموعة من الإدانات السابقة بارتكاب عدد من الاعتداءات، بما في ذلك إلحاق الأضرار الجسيمة، وحيازة الأسلحة الهجومية، وجرائم أخرى تتعلق بانتهاك النظام العام.
وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن الهجمات التي ارتكبها خالد مسعود، على الرغم من أنه من غير الواضح الروابط – إن وجدت – التي تربطه بالتنظيم الإرهابي الدولي.
ولد القاتل البالغ من العمر 52 عاما في «كنت» إلى الجنوب الشرقي من لندن، وانتقل عبر كثير من العناوين في إنجلترا، على الرغم من أنه كان معروفا عنه إقامته مؤخرا في منطقة برمنغهام في وسط الميدلاند.
وكان معروفا بأسماء مستعارة أخرى كثيرة، وهناك سلسلة من الإدانات الجنائية بحقه، ولكن لم تكن هناك جريمة واحدة منها تتعلق بالتطرف والإرهاب. وكانت مهنته غير واضحة. وكان قد استرعى انتباه السلطات للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1983، عندما أدين في جريمة التسبب في أضرار جنائية، بينما صدرت آخر الإدانات بحقه قبل 14 عاما في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2003 لحيازة سلاح أبيض من دون ترخيص.
ويقول الكوماندر مارك راولي، مسؤول فرقة مكافحة الإرهاب في اسكوتلنديارد: «الافتراض القائم لدينا الآن أنه استلهم جريمته من وقائع الإرهاب الدولي. حيث إن الإرهاب المتعلق بالإسلام هو أحد افتراضاتنا الحالية».
وقالت إحدى جيران خالد مسعود السابقين من برمنغهام: «عندما رأيت الصور في التلفاز والصحف للرجل الذي نفذ الهجوم الإرهابي، تعرفت فورا عليه بأنه الرجل الذي اعتاد أن يعيش في الجوار»، مضيفة: «كان لديه طفل صغير، يبلغ من العمر 5 أو 6 أعوام تقريبا. وكانت هناك امرأة تعيش معهما، وكانت امرأة آسيوية يعتقد أنها زوجته. وكان يبدو لطيفا وهادئا، وكان يحب الاعتناء بالحديقة والزهور»، كما قالت إيونا روميك، 45 عاما، للصحافيين في منزلها. وفي ديسمبر، كما قالت، انتقل من المكان على نحو مفاجئ.
وقالت صحيفة «ديلي ميل» إن خالد مسعود كان مولودا باسم أدريان راسيل، وكان تحت رعاية والدته الوحيدة في مدينة راي الواقعة على الساحل الجنوبي لإنجلترا، ثم اعتنق الإسلام في وقت لاحق، وغير اسمه إلى خالد مسعود. فيما قالت بعض التقارير الإخبارية الأخرى إنه تزوج وكان والدا لثلاثة أطفال، وكان يعمل مدرسا ويهوى ممارسة رياضة كمال الأجسام.
من جهته، يقول الشيخ حافظ إكرام الحق رباني، عضو جمعية علماء بريطانيا، إن الكشف عن جذور التطرف، والعنف والإرهاب ومعرفة أسبابه، في نظرنا من أشد الموضوعات خطورة وأثراً، وأجدرها بالدرس المتأني ذي النفس الطويل؛ ذلك لأن المسلمين اليوم وهم يواجهون مشكلات الحضارة وتحديات العصر ومعركة البقاء، لا يواجهون ذلك كله وهم على منهج واحد كما تواجهه الأمم الأخرى، بل هناك مناهج لدينا نشأت أو نبتت من الابتعاد عن المنهج الأمثل، المنهج الحق الذي ارتضاه لنا رب العالمين، يقول عز شأنه: (وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِه).
وأشار الشيخ رباني إلى بطالة وفقر الشباب المسلم من معتنقي الإسلام الجدد، حيث يعيشون في فراغ كبير ولا تتاح لهم أي فرص للمساهمة في معالجة مشكلات الخدمات والمرافق العامة المحلية المحيطة بهم، ويتعرضون بنفس الوقت لخطاب ديني متطرف، ولثقافة ترفض التسامح، فيجدون أنفسهم في حالة تدفعهم دفعا نحو التشدد والعنف. فثقافة عدم التسامح التي يتم اكتسابها أحياناً في المجتمعات الإسلامية في المنزل والمدرسة وأجهزة الإعلام والتواصل الاجتماعي والشارع، تتفاعل مع وجود خطاب ديني «مسيس» ومتطرف يقدمه بعض الوسطاء في المجتمع، ويتبنى رؤية خاصة وتفسيراً خاصاً للمشكلات الداخلية والخارجية، فيساعد على تنمية التطرف والعنف والإرهاب بينهم.
معادٍ لثقافة الاختلاف».
وأضاف رباني أن هناك وسطاء يقومون بنشر الخطاب الآيديولوجي والديني المسيس الذي يحض بشكل مباشر وغير مباشر على التطرف والإرهاب، من علماء الدين وأئمة المساجد، والأساتذة والإداريين ومسؤولي النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي، في المدارس والنوادي.
وقبل 8 سنوات على الأقل، كانت هناك تحذيرات صادرة عن بعض السياسيين النافذين، من أن المتحولين حديثا إلى الإسلام يشكلون تهديدا خاصا على أمن بريطانيا. وعند استعراض سياسات مكافحة الإرهاب، كانت هناك إشارات خاصة إلى المتحولين إلى الإسلام بأنهم أكثر عرضة للتطرف.
ولقد ساعد المتحولون المسلمون المعروفون بتأكيد الانطباع القائل إن المتحولين حديثا إلى الإسلام يظهرون في الدوائر المتطرفة وبصورة غير متكافئة، فهناك المتحدث باسم تنظيم القاعدة آدم غدن (عزام الأميركي)، وصاحب قنبلة الحذاء ريتشارد ريد، وهناك جيرمين ليندسي أحد الانتحاريين في أحداث 7 يوليو (تموز) في بريطانيا، ونيكي رايلي الذي حاول تنفيذ عملية انتحارية إرهابية في عام 2009. وفي الآونة الأخيرة، هناك ريتشارد دارت الذي أدين باتهامات تتعلق بالإرهاب. ومن المهم التأكيد على أنه من بين نحو 5000 متحول إلى الإسلام في كل عام، اعتنق أغلبهم دين الإسلام بعد استلهام واضح لعقيدة التوحيد، وتوجيهاتها الأخلاقية، وإطارها الشامل.
وتم اكتشاف 3 من معتنقي الإسلام ضمن الانتحاريين الـ24 الذين اعتقلتهم السلطات البريطانية في مؤامرة «الإرهاب السائل» لتفجير 10 طائرات عبر الأطلسي 2006. وكان الرجال الثلاثة، إلى جانب 5 آخرين، وجميعهم مسلمون من أصول آسيوية، قد اعتقلوا في أغسطس (آب) 2006 بتهمة التخطيط لتفجير طائرات خلال رحلتها من لندن إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وسط تساؤلات لمحاولة معرفة الغموض الذي يدفع بعض من تعرف على الإسلام خلال فترة وجيزة إلى التيار الأصولي.
ودون ستيوارت وايت الذي تحول إلى عبد الواحد (21 عاما) أحد الذين اعتقلوا في خلية «الإرهاب السائل»، دخل الإسلام قبل 6 أشهر فقط، عن طريق اثنين من زملائه في الدراسة، وهما أيضا الآن ضمن المعتقلين.
ويبحث المحققون اليوم في شرطة اسكوتلنديارد عن الأسباب التي دفعت عبد الواحد إلى قلب الخلية الباكستانية ومعظم عناصرها من أصول كشميرية، التي خططت لتفجير 10 طائرات عبر الأطلسي. وسلط المخطط الأضواء مجددا على معتنقي الإسلام الجدد وعلاقة بعضهم بمخططات إرهابية.
وتتخوف الشرطة البريطانية من تطرف معتنقي الإسلام الجدد؛ لأنها لا تستطيع رصدهم بسهولة؛ لأنهم من أهل هذه البلاد، وكذلك لأن الشرطة ليست لديها ملفات عن الذين دخلوا إلى الإسلام. وأيضا لأن الأصوليين الذين يحملون جوازات سفر بريطانية يمكنهم التنقل بين الدول الأوروبية ودخول الولايات المتحدة من دون الحاجة للحصول على تأشيرة.
وضمن الذين اعتنقوا الإسلام وأدينوا في مخططات إرهابية، زكريا موساوي (فرنسي من أصل مغربي) المتهم الوحيد في هجمات سبتمبر (أيلول) الذي يقضي عقوبة السجن حاليا مدى الحياة، في سجن سوبر ماكس بولاية كولورادو الأميركية.
وتتخوف شرطة اسكوتلنديارد من نموذج ريتشارد ريد، البريطاني الملقب بـ«صاحب الحذاء المتفجر»، الذي اعتنق الإسلام بينما كان يقضي حكما بالسجن، وكذلك من نموذج ديفيد هيكس الذي يعرف باسم «الطالباني الأسترالي» المعتقل حاليا في معسكر غوانتانامو. ويقضي ريد حاليا عقوبة السجن مدى الحياة لإدانته بمحاولة تفجير رحلة طيران عبر الأطلسي، بواسطة قنبلة كانت مخبأة في حذائه عام 2001.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».