جنيف 5 تنطلق بـ«دبلوماسية الفنادق»... وتبدأ فعلياً اليوم

انطلقت الجولة الخامسة من المحادثات السورية غير المباشرة يوم أمس في جنيف بغياب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي اختتم جولة واسعة على عواصم الدول المؤثرة في الأزمة السورية، منهيا إياها في أنقره التي زارها بعد الرياض وموسكو.
ومن بين الدول الراعية لوقف إطلاق النار المبرم نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وحدها طهران بقيت خارج دائرة جولة المبعوث الدولي الذي أبدى رغبة في زيارة دمشق، لكنه وفق المصادر الروسية الرسمية لم يلق ترحيبا منها وبالتالي لم يعرج عليها في زياراته الأخيرة.
ويوم أمس، شغلت الأمم المتحدة ما يمكن تسميته بـ«دبلوماسية الفنادق» حيث كرس مساعد دي ميستورا الدبلوماسي المصري رمزي عز الدين رمزي يومه للتجوال على فنادق جنيف التي نزلت فيها الوفود السورية في إطار ما سماها مكتب دي ميستورا «اتصالات تمهيدية». وعمليا، ينتظر أن تنطلق «جنيف 5» رسميا اليوم من خلال سلسلة من الاجتماعات في «قصر الأمم»، مقر الأمم المتحدة في المدينة السويسرية التي استضافت الجولات السابقة. ومن المقرر مبدئيا، أن تمتد هذه الجولة حتى نهاية الشهر الجاري، بحسب ما أفاد به دي ميستورا بعد سلسلة من اللقاءات التي أجراها مؤخرا في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
بيد أن الجولة الجديدة تنطلق في ظل «ظروف غير مؤاتية»، وفق ما قالته مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط»، أمس، دون إشارة إلى اشتداد المعارك في محيط العاصمة دمشق وفي وسط سوريا ومناطق أخرى. وترى المصادر المشار إليها أن ثمة عاملين إضافيين يجعلان مصير الجولة الجديدة «موضع تساؤل»: الأول، استمرار التجاذب بين الأطراف الثلاثة الضامنة لوقف النار وهي روسيا وتركيا وإيران، والدليل على ذلك أنها عاجزة عن فرض الالتزام بما تعهدت به في أستانة. لكن الأهم أيضا أن أنقره وموسكو «لم تعودا على الموجة نفسها فيما خص معارك الشمال ومصير معركة الباب والرقة». أما العامل الثاني فقوامه استمرار غياب الرؤية الأميركية، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت في تصريحات تغلب عليها اللغة «المباشرة» المختلفة عن الخطاب الدبلوماسي المقنن.
وجاءت تصريحات أيرولت في باريس، للصحافيين، عقب اجتماعات مطولة في واشنطن لوزراء خارجية دول التحالف المشاركة في الحرب على «داعش» دعا إليها الوزير الأميركي ريكس تيلرسون، وخصصت لتقويم الوضع الميداني، ولكن أيضا بعد اجتماع أيرولت مع وزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر وتركيا وفي غياب وزير الخارجية الأميركي. وشكا الوزير الفرنسي من غياب الرؤية الأميركية الواضحة حول الوضع في سوريا وحول الخطط الأميركية في هذا البلد. وقال أيرولت، في تصريحات له في العاصمة الأميركية، إن بلاده تأمل في ألا تأخذ الإدارة الأميركية وقتا أطول يذهب «إلى ما بعد شهر أبريل (نيسان) لتحديد موقف واضح» من موضوع مدينة الرقة ومن سيتولى الإشراف عليها بعد تحريرها من «داعش». وكذلك فيما خص محادثات جنيف وما يمكن أن تؤول إليه. ويعكس كلام أيرولت قلقا فرنسيا من توجهات داخل الإدارة الأميركية، التي ترى أنه «من الأفضل»، أن تعود قوات النظام السوري إلى الرقة وهو ما ترفضه باريس رفضا قاطعا. وفي هذا الخصوص، قال الوزير الفرنسي إن المطلوب ليس تسليمها إلى قوات الأسد «الإرهابية» بل إلى قوات المعارضة المعتدلة، مضيفا أنه «لن نضع قوات إرهابية أخرى مكان (تنظيم داعش)، أي إننا لن نضع ممثلين لنظام بشار الأسد مكان» المتشددين.
أما السؤال الآخر الذي تطرحه المصادر الفرنسية فيتناول ما صدر عن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون حول إقامة «مناطق استقرار مؤقتة» من أجل مساعدة اللاجئين في العودة إلى ديارهم. وقال الوزير الأميركي حرفيا: «ستزيد الولايات المتحدة الضغط على تنظيمي داعش والقاعدة، وسوف تعمل على إقامة مناطق استقرار مؤقتة من خلال اتفاقات لوقف إطلاق النار من أجل السماح بعودة اللاجئين إلى ديارهم». وحين سئلت المصادر الفرنسية عن هذه النقطة بالذات، كان جوابها أنها لا تعرف ما هي طبيعة الخطة الأميركية ولا أين ستقام هذه المناطق التي لم تعد تسمى مناطق آمنة، بل «مناطق استقرار»، فضلا عن جهل الجهة التي ستتولى توفير الحماية لها ومعرفة ما إذا كانت ستقام بموافقة النظام وروسيا أم من غير هذه الموافقة. وكانت فرنسا وتركيا من الدول الداعمة منذ البداية لإقامة مناطق آمنة. بيد أن هذه الفكرة لاقت رفضا دائما من قبل إدارة الرئيس أوباما التي اعتبرت أنها تحتاج إلى جهد عسكري كبير ويمكن أن تفضي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين القوات الأميركية والجيش الروسي، ناهيك عن الاحتكاك مع القوات الروسية. والجدير بالذكر أن موسكو «حذرة» من الفكرة الأميركية المستجدة التي ما زال يغمرها الغموض. وتختصر المصادر الفرنسية الموقف الأميركي اليوم، بأن واشنطن «تركز بشكل أولي ورئيسي على محاربة (داعش) ولكن هناك بداية تحول ليس في الفلسفة بل في توفير الوسائل العسكرية لتحقيق هذا الهدف»، في إشارة إلى أن إدارة أوباما جعلت من القضاء على «داعش» أولوية لها لكنها لم توفر الوسائل الكافية لذلك. لكن على المستوى السياسي «ما زالت واشنطن تتلمس طريقها ولا تعرف حتى اليوم ما الذي تريده في سوريا». ومعنى هذا الكلام أن لا وضوح في مقاربة واشنطن حول مصير النظام ولا المنتظر من محادثات جنيف أو ما يحصل في أستانة، حيث لواشنطن دور المراقب «على مستوى السفير الأميركي» ليس أكثر.
وأمس، قال الوزير أيرولت ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده شجعت المعارضة السورية على قبول الحديث عن موضوع الإرهاب الذي أصر وفد النظام على إضافته إلى السلال الثلاث «الحوكمة والدستور والانتخابات»، ولكن شريطة أن يتناول إرهاب التنظيمات الموجودة إلى جانب النظام والتي ترعاها إيران. وأضاف أيرولت أن باريس تتمسك بوحدة سوريا وسلامة أراضيها ولكن بأن يضمن الدستور الجديد مشاركة الأقليات الدينية والإثنية في المؤسسات». وفي أي حال، فإن نهاية الحرب في سوريا وإعادة إعمارها، لا يمكن أن تتما، وفق ما أكده، من غير «حل سياسي حقيقي يعني عملية انتقال سياسية جدية». وختم أيرولت بالتأكيد على أن محادثات جنيف تمثل «خيطا واهيا ولكن لا يتعين أن ينقطع».