أوكرانيا تقر بصعوبة وقف التفكك الجاري في شرقها

طردت دبلوماسيا روسيا اتهمته بالتجسس على تعاونها مع الأطلسي

ناشطون موالون لروسيا أثناء اقتحامهم مكتب النائب العام في مدينة دونيستك بشرق أوكرانيا أمس (أ.ف.ب)
ناشطون موالون لروسيا أثناء اقتحامهم مكتب النائب العام في مدينة دونيستك بشرق أوكرانيا أمس (أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا تقر بصعوبة وقف التفكك الجاري في شرقها

ناشطون موالون لروسيا أثناء اقتحامهم مكتب النائب العام في مدينة دونيستك بشرق أوكرانيا أمس (أ.ف.ب)
ناشطون موالون لروسيا أثناء اقتحامهم مكتب النائب العام في مدينة دونيستك بشرق أوكرانيا أمس (أ.ف.ب)

أمرت أوكرانيا أمس بطرد الملحق العسكري الروسي بعد أن قالت: إنها ضبطته «متلبسا» بتسلم معلومات سرية عن تعاون بينها وبين حلف الأطلسي أثناء انتفاضة مسلحة تقول كييف إنها من تدبير موسكو. وجاء هذا فيما أقر مسؤولون أوكرانيون بصعوبة وقف التفكك الجاري في مناطقها الشرقية.
وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية في بيان أمس، إن الدبلوماسي الذي احتجز أول من أمس عد شخصا غير مرغوب فيه. وذكر جهاز الأمن في أوكرانيا أن الدبلوماسي ضابط روسي في الاستخبارات كان يجمع معلومات عن «التعاون العسكري والسياسي بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي».
وقالت ماريانا أوستابينكو المتحدثة باسم جهاز الأمن الأوكراني إن الدبلوماسي الروسي ضبط متلبسا أثناء تلقيه مواد سرية من مصدره. وأضافت أوستابينكو أن السفارة الروسية تسلمت الملحق العسكري وأنه تلقى أوامر بالرحيل لكنها غير متأكدة من أنه غادر بالفعل. ولم يصدر رد فوري من موسكو على هذه الخطوة.
واتهمت أوكرانيا روسيا بتدبير سقوط بلدات ومدن في شرق البلاد في أيدي انفصاليين موالين لموسكو خلال الشهر الماضي بقيادة مسلحين ينظمون صفوفهم بشكل جيد ويرتدون ملابس عسكرية وأقنعة. وتنفي روسيا أي دور لها في هذا التمرد لكنها حذرت من أنها تحتفظ بحق التدخل لحماية المواطنين من أصل روسي عقب ضمها للقرم في مارس (آذار) الماضي وحشدت عشرات الآلاف من الجنود على حدودها الغربية مع أوكرانيا.
وتسابق السلطات الأوكرانية الوقت لقمع التمرد المسلح الموالي لروسيا في الشرق خشية أن يتمدد ويؤدي إلى انفصال أجزاء كاملة من البلاد، كما يقول محللون.
فحوض دونباس الغني بالفحم والقريب من الحدود مع روسيا حيث يسيطر الانفصاليون حتى الآن على 12 مدينة ويحرزون تقدما كل يوم، يخرج على ما يبدو تدريجيا عن سلطة كييف. وقال المستشار الرئاسي ووزير الداخلية السابق يوري لوتسينكو فور عودته من زيارة إلى المنطقة أول من أمس «إذا أردنا إعادة السلطة الأوكرانية إلى حوض دونباس، يجب ألا نتحدث عن أيام بل عن ساعات».
وفي مقابلة مع شبكة هرومادسك التلفزيونية، قال: إن الأمر «متعذر اليوم من دون التسبب في سقوط ضحايا» ومن دون استخدام القوة ضد المتمردين الذين تصفهم كييف بأنهم «إرهابيون». وسيكون من الصعب أن تتخذ هذا القرار الحكومة الانتقالية الحالية التي تولت السلطة بعد نجاح المظاهرات المؤيدة لأوروبا في كييف وعزل الرئيس الموالي لروسيا.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المحلل فولوديمير فيسينكو من مركز بنتا الأوكراني للبحوث قوله: إنه «إذا لم يتغير شيء، لن تستطيع أوكرانيا الاحتفاظ بالشرق». فالانتهاء من إلحاق شبه جزيرة القرم الأوكرانية بروسيا خلال ثلاثة أسابيع، لا يزال ماثلا في الأذهان.
وتجري الأحداث في دونباس حتى الآن وفق سيناريو مماثل مع عمليات تدخل محددة يقوم بها «رجال خضر» غامضون مدججون بالسلاح وجيدو التدريب، ويرتدون بزات عسكرية خالية من الإشارات، وتقول كييف بأنهم عناصر من الوحدات الروسية الخاصة. ويرى فيسينكو أن السيناريو الأكثر احتمالا هو سيناريو جمهورية «ترانسدنيستريا» الانفصالية المولدافية الموالية لروسيا التي أعلنت بتشجيع من موسكو استقلالها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لكنها لم تحصل على اعتراف أي دولة. وأضاف أن «من غير المحتمل أن تسعى روسيا إلى ضم دونباس كما فعلت مع القرم.
وإذا لم تتمكن أوكرانيا من تغيير اتجاه الريح فهي لا تريد أيضا بؤرة توتر واضطراب ضمن حدودها». ويعتقد الخبير الروسي قنسطنطين كالاتشيف من جهته أن من مصلحة الكرملين الذي حشد عشرات آلاف الجنود على الحدود «استمرار الفوضى» في أوكرانيا، بدلا من اجتياحها والتسبب في حمام دم. وأوجز هذا المحلل رأيه بالقول: إن «روسيا تحتاج إلى أوكرانيا ضعيفة وفقيرة، منطقة عازلة بينها وبين الحلف الأطلسي، وسوقا تجارية ومثالا سلبيا لتثبت لمواطنيها إلى أين تؤدي الاحتجاجات».
من جانبه، قال الخبير الأوكراني فولوديمير غورباتش من معهد التعاون الأوروبي - الأطلسي بأن تعطيل الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 25 مايو (أيار) أو على الأقل نزع الشرعية عنها من خلال تعكير سير عمليات التصويت في المناطق المتمردة «جزء من السيناريو الروسي». ولمح مرشحان هامشيان مواليان لروسيا لكن أحدهما يحصل على دعم صريح من موسكو، إلى أنهما سينسحبان، مؤكدين أن من المستحيل القيام بالحملة في خضم «حرب أهلية».
وقال غورباتش بأن الرئيس الروسي الذي «ضم» القرم، لم يعد قادرا على خفض طموحاته. وأضاف أن «هدف بوتين هو عدم السماح بقيام حكم شرعي في أوكرانيا والاستمرار في تقطيع أوصال البلاد».
وخلال مؤتمره الصحافي الكبير في 17 أبريل (نيسان) الماضي، استخدم الرئيس الروسي اسم «نوفوروسيا» أو «روسيا الجديدة» للإشارة إلى مدن خاركيف ودونيتسك ولوغانسك (شرق أوكرانيا) وخرسون وميكولاييف واوديسا (جنوب)، حواضر المناطق «التي لم تكن جزءا من أوكرانيا في الحقبة القيصرية». وأضاف أن أوكرانيا «حصلت عليها في وقت لاحق. لماذا؟ لا أعرف».



تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
TT

تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)

كشفت شهادات أُميط عنها اللثام، يوم الأربعاء، من قِبَل لجنة تحقيق في تصرفات الجنود البريطانيين خلال الحرب هناك أن جنود القوات الخاصة البريطانية استخدموا أساليب متطرفة ضد المسلحين في أفغانستان، بما في ذلك تغطية رجل بوسادة قبل إطلاق النار عليه بمسدس، بالإضافة إلى قتل أشخاص غير مسلحين.

جنود من الجيش البريطاني (رويترز)

قال أحد الضباط في حديث مع زميل له، في مارس (آذار) 2011، وهو ما تم تأكيده في شهادة قدمها خلال جلسة مغلقة: «خلال هذه العمليات، كان يُقال إن (جميع الرجال في سن القتال يُقتلون)، بغض النظر عن التهديد الذي يشكلونه، بمن في ذلك أولئك الذين لا يحملون أسلحة».

* مزاعم جرائم حرب

كانت وزارة الدفاع البريطانية قد أعلنت، في عام 2022، أنها ستجري التحقيق للتيقُّن من مزاعم جرائم حرب ارتكبتها القوات البريطانية في أفغانستان بين عامي 2010 و2013. وفي عام 2023، أكدت أن المزاعم تتعلق بوحدات القوات الخاصة، وفق تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الأربعاء.

* ثقافة الإفلات من العقاب

جاءت مئات الصفحات من الأدلَّة التي نُشرت، والتي تضمّ رسائل بريد إلكتروني متبادَلة، ورسائل، وشهادات من ضباط كبار وجنود عاديين، لترسم صورة مزعجة لقوة قتالية نخبوية تتسم بثقافة الإفلات من العقاب؛ حيث كانت أعداد القتلى أهم من أي معايير أخرى.

* مستعصون على اللوم

قال أحد أعضاء وحدة بريطانية إن الجنود بدا عليهم أنهم «مستعصون على اللوم»، خلال سنوات القتال الطويلة في أفغانستان، وهو ما منَحَهم «تصريحاً ذهبياً يسمح لهم بالتملُّص من القتل».

وكما الحال مع جميع الشهود؛ فقد جرى إخفاء هوية هذا الجندي، وتم تعديل العديد من البيانات والوثائق الأخرى بشكل كبير لإخفاء الأسماء والوحدات وموقع العمليات. لكن حتى مع إخفاء هذه التفاصيل، كانت هناك أوصاف تكشف عن ضباط صغار شاركوا مخاوفهم مع رؤسائهم حول التكتيكات المستخدمة خلال المداهمات الليلية ضد المسلحين.

في رسائل بريد إلكتروني متبادلة من فبراير (شباط) 2011، أخبر جندي ضابطاً كبيراً عن مداهمة جرت خلالها إعادة أفغاني بمفرده إلى داخل مبنى، لكنه عاد بسلاحه رغم أن القوة المداهمة كانت تفوقه عدداً بكثير. تساءل الجندي ما إذا كانت وحدات «القوات الجوية الخاصة» تطلب من الأفغان إحضار أسلحتهم «مما يعطي المسوغ لإعدامهم»؟

* القتل العشوائي

رد الضابط الكبير قائلاً: «نقطة جيدة. يبدو أن هناك تجاهلاً عشوائياً للحياة ومبادئ مكافحة التمرد والتقارير الموثوقة».

تشير مبادئ مكافحة التمرد (COIN) إلى العقيدة التي استخدمها الجنود الأميركيون والبريطانيون وغيرهم من جنود حلف «الناتو»، خلال غالبية فترات الحرب في أفغانستان. من بين المخاوف الأخرى، كان القتل العشوائي للمقاتلين المدنيين والأفغان الذي يُعدّ بمثابة تدمير للثقة بين القوات الأجنبية والسكان المدنيين.

في مبادلة أخرى، وصف الضابط الكبير نفسه كيف بدا أن وحدات «القوة الجوية الخاصة (ساس)»، كانت تعود إلى «التكتيكات القديمة».

* «وحدات ساس»

عندما طُرِح سؤال في بريد إلكتروني حول ما إذا كانت «وحدات ساس» تخلق سيناريوهات تسمح لهم بقتل المقاتلين الأفغان، رد ضابط آخر قائلاً: «هؤلاء الأفغان أغبياء لدرجة أنهم يستحقون الموت». قال الضابط الأول إنه اعتبر الرد «تعليقاً سخيفاً من جانبه يعكس حقيقة أن الطريقة التي وصف بها مقتل الأفغان غير منطقية».

وقالت وزارة الدفاع إنه «من المناسب أن ننتظر نتيجة التحقيق قبل الإدلاء بالمزيد من التعليقات».

المزاعم المتعلقة بجرائم الحرب من قبل الجنود البريطانيين في أفغانستان ليست بالجديدة؛ فقد تم تسليط الضوء عليها في تقارير إعلامية، أبرزها لدى برنامج التحقيقات «بانوراما»، من «بي بي سي». كما اتهمت القوات الخاصة الأميركية بعدة حالات لسوء السلوك في أفغانستان، بما في ذلك قتل المدنيين أثناء المداهمات، ثم محاولة التعتيم على ذلك.

جندي من القوات الخاصة البريطانية خلال التدريبات (أرشيفية - متداولة)

جاء سلوك القوات الخاصة البريطانية ليثير نزاعاً سياسياً في الخريف الماضي عندما كان حزب المحافظين على وشك اختيار زعيم جديد. ادعى روبرت جينريك، أحد المرشحين، من دون دليل، أنهم «يُقدِمون على القتل بدلاً من القبض على الإرهابيين»، وقال إن ذلك كان لأن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية كانت ستجبر بريطانيا على إطلاق سراحهم، حال تركوهم أحياء.

تعرض جينريك لانتقادات حادة من مرشحين آخرين، توم توغندهات وجيمس كليفرلي، وكلاهما من الجنود السابقين. وقال توغندهات إن تعليقاته أظهرت «سوء فهم جوهرياً للعمليات العسكرية وقانون النزاع غير المسلح».

ظهرت بعض هذه المكاشفات نتيجة للتنافس الشديد بين القوة الجوية الخاصة، ووحدة القوات الخاصة للجيش البريطاني، وقوة القوارب الخاصة، التي تُعد نظيرتها في البحرية الملكية.

وصلت القوة الجوية الخاصة إلى أفغانستان عام 2009. والعديد منهم جاءوا مباشرة من الحرب في العراق، وتولوا مهمة مطاردة مقاتلي «طالبان» من «قوة القوارب الخاصة»، وقد أُثير العديد من المخاوف بشأن أساليبهم من قبل جنود وقادة تلك القوة.

* ثقافة التعتيم

أعرب العديد من الشهود عن استيائهم من ثقافة التعتيم على الأعمال الوحشية بتزوير تقارير العمليات. في حالة الرجل الأفغاني الذي تمَّت تغطية رأسه، «تم ايهامه بأنه سيتم التقاط صور لجثة بجانب الأسلحة التي قد لا تكون بحوزته عندما تم قتله»، بحسب رواية أحد الجنود للجنة التحقيق.

قال جندي آخر في بريد إلكتروني في فبراير (شباط) 2011 إنه عندما أثار الناس مخاوفهم، جاء الرد عليهم: «ما الذي لا يفهمه الجميع بشأن مدى أهمية هذه العمليات؟ يبدو أن الجنود يتصرفون وكأنهم فوق النقد».

حذَّر البعض من أن القوات البريطانية قد تكون عرضة لنفس الحرج شأن حلفائها الأميركيين الذين واجهوا فضيحة في 2010 بتسريب سجلات عسكرية توثق 6 سنوات من الحرب في أفغانستان، بواسطة «ويكيليكس»، المجموعة التي أسسها جوليان أسانج.

قال أحد الضباط في بريد إلكتروني: «إذا لم نصدق هذا، فسيصدقه الآخرون، وعندما يحدث تسريب تالٍ لـ(ويكيليكس)، فسيجروننا معهم».