رواية «التوأم»... نص أدبي مدوّن بعين سينمائية

غلاف «التوأم»
غلاف «التوأم»
TT

رواية «التوأم»... نص أدبي مدوّن بعين سينمائية

غلاف «التوأم»
غلاف «التوأم»

صدرت عن المركز الثقافي للكتاب بالدار البيضاء، الطبعة الثانية من رواية «التوأم» للشاعرة والروائية المغربية فاتحة مُرشيد، التي بلغ رصيدها السردي حتى الآن خمس روايات. تنفرد هذه الرواية بثلاث سمات أساسية، وهي تعدد الثيمات اللافتة للنظر، ومتانة البنية المعمارية، والمقاربة السينمائية شكلاً ومضموناً. تكتظ الفصول الأربعة لهذه الرواية بمحاور رئيسية لا بد من الوقوف عندها جميعاً؛ لأنها تشكِّل لُحمة النص وسداته، وهي بحسب أهميتها في الهيكل الروائي: «لغز التوائم»، و«الحُب المستحيل»، و«الهَوَس الشبقي»، و«متلازمة ستندال»، ثم تتبعها ثيمات مُكمِّلة للنص الروائي ومُؤازِرة له، مثل «الشيبانيين» أو المهاجرين المغاربة في فرنسا، والولع بالتحف الفنية، والعزلة، والتسامح، وثيمات أخرى علمية وثقافية لا تقلّ أهمية عن سابقاتها.
قد لا يستغرب الذين يعرفون الشاعرة والروائية مُرشيد عن كثب، سبب تعاطيها مع موضوعات علمية، فهي طبيبة متخصصة تحمل شهادة الدكتوراه في طب الأطفال، ويهمّها جداً أن تفكّ بعض ألغاز التوائم التي لمّا تزل غامضة ومُبهمة حتى الوقت الراهن.
وعلى الرغم من الطبيعة العلمية لهذه الثيمة فإن الروائية استطاعت أن تروِّض هذا المُعطى العلمي وتذوّبه في نسيج النص السردي، وتجعلَ منه عنصرَ تشويق ينطوي على كثير من المعلومات المثيرة، التي هي أقرب إلى الكشوفات النفسية منها إلى أي شيء آخر.
وبغية إحاطة النص بشيء من الإثارة، فإن الروائية تضعنا أمام ثلاثة توائم، تتمثّل بطائري الحُب اللذين لا يستطيع أحدهما أن يعيش بمعزل عن الآخر، والتوأم مُراد الذي فَقد نصفه الثاني منير في حادثة سير، والتوأم الذي أنجبته نور وهما وائل وجاد. ولعل عنوان الرواية ينطبق على التوائم الثلاثة حتى وإن كان الأول مجازياً. ولعل القاسم المشترك بينها جميعاً أن التوائم لا تستطيع العيش بمنأى عن أنصافها المشطورة؛ لأنها تموت، بشكل أو بآخر، إذا ما انفصلت أو تباعدت قسراً.
تقنياً يمكننا القول إن هذه الرواية مكتوبة بعين سينمائية، ليس لأن أبطالها الثلاثة سينمائيون فحسب، وإنما لتعالقاتها النصيّة مع اقتباسات هي أقرب إلى الحِكَم والأمثال والأقوال المأثورة، لعشرة مُخرجين سينمائيين غالبيتهم فرنسيون، والبقية من إيطاليا وإنجلترا وأميركا. وقد شيّدت الروائية من هذه الشذرات المُقتَبسة عالماً حُلُمياً موازياً للعالم الواقعي الذي لا يستجيب عادة لتطلعات الشخصيات الرئيسية، ولا يرتقي إلى مخيّلاتها المجنّحة.
فالمُخرج السينمائي الحالم مراد تزوّج من نادية بينما كان يُحّب شقيقتها نور، لكن هذه الأخيرة وقعت في حُب الروائي كمال الخلفي. وعلى الرغم من انفصالهما المفاجئ فإنها كانت تفكِّر به، وتريد أن تعرف لماذا تخلى عنها بهذه السرعة.
تحتشد هذه الرواية بالمفاجآت، ولعل أشدّها صدمة هي مفاجأة «الحُب المحظور» الذي يتَّقد في صدر مراد من دون أن تشعر به نور، أو تُدركه نادية المنغمسة في عملها حدّ التفاني. فهل يظل وفياً لزوجته أم ينزلق إلى حمأة الخيانة؟
لا يختلف عنه صديقه الحميم موريس كوهن، في شخصيته الإشكالية، لكنّ عذره الوحيد هو إصابته بمرض هَوَس العِشق، وأن بيترا التي كان يعتقد أنها تحبهُ قد خُطِبت إلى شخص آخر طَعنهُ موريس بالسكّين ودخل السجن بسببه، وحينما برأتهُ المحكمة لأنه كان يعاني من هذيان مرضي، ترك دراسته في الهندسة المعمارية واشتغل مع عمّه إسحق في محل لبيع التحف القديمة، ومِن هناك نشأ ولعهُ باللُّقى الأثرية والأعمال الفنية، ثم اشترى بعد وفاة والده صالة كي يمارس فيها شغفه الفني، ويتخذ من قسمها الخلفي «مغارة» للعزلة، وصومعة لتأمل الذات المُلتاعة.
لم تكن الثيمات الفرعية لتأثيث النص وملء الفراغات؛ لأنه محبوك، وخالٍ من الزوائد. فثيمة «الشيبانيين» أو المهاجرين المغاربة في فرنسا، هي موضوع فيلمه الروائي الذي أسماه «السلسلة» أول الأمر، ثم غيّره لاحقاً إلى «ثمن الغياب».
وهو يتمحور على ثنائية الغربة والحنين، ولعل أقصى ما يطمح إليه «حُمّان» المُتقاعد المغربي المُسنّ هو أن يموت في بلده ويُدفن هناك.
المفاجأة الثانية التي صعقت مُراد تحديداً وأربكته، هي حمْل نور من كمال الخلفي قبيل الطلاق، وتضاعفت المفاجأة حينما أثبتت الفحوصات الطبية أن الجنين الذي تحمله في بطنها توأم، فيلتمس منها غير مرة أن تحتفظ بهما على أن يتحمّل هو قسطاً كبيراً من المسؤولية، خصوصاً أنه عقيم لا ينتظر من نادية أن تنجب له ذرية في السنوات القادمة. فيخترع لنادية قصة حصول نور على منحة دراسية لسنة واحدة من جامعة ميامي لتطوير مهاراتها الفنية واللغوية التي قد تفتح لها طريقاً إلى العالمية.
ورغم أن الأمور كانت تسير على وفق الخطّة المرسومة لها في التكتم والحذر الشديد فإن نادية تكتشف هذه الحكاية المُلفقة فيضطر للاعتراف بالخطة التي دبّرها مع نور للتستر على قصة الحمل التي لم تشأ أن يعرف بها أحد، لكن طلب نادية الوحيد بعد أن استفاقت من غيبوبتها وتأكيد الأطباء على إصابتها بالتهاب الكبد الفيروسي الحاد، هو أن يُخبر كمال بالحقيقة ويترك له القول الفصل في قبول الأبوة من عدمها. تتحرك شخصيات الرواية في ثلاث قارات، وهي أفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية. وقد اختارت مُرشيد من باريس وفلورنسا مكانين لمفاجآت من نوع آخر.
الأولى مشكلة «الشيبانيين المغاربة» الذين أفنوا أعمارهم في المصانع الفرنسية ولم يحصلوا بالمقابل على حقوقهم التقاعدية، المقرونة بإمكانية الانتقال إلى المغرب إلا بشق الأنفس، حيث انتحر بعضهم، وعاش البعض الآخر في عزلة موحشة بعيداً عن الأهل والأصدقاء.
أما أسباب السفر إلى فلورنسا فهي كثيرة، من بينها مُشاركة مراد في مهرجان فلورنسا السينمائي، واصطحاب نور بدلاً من نادية المدمنة على العمل كي تكسر عزلتها وتنفض عن نفسها غبار الكآبة قليلاً، لعله يقنعها أيضاً بعدم إسقاط التوأم اللذين انجذب إليهما بشكل غامض وكأنهما نزلا من صلبه.
وبما أن مفاجآت الرواية كثيرة، فقد صادفا كمال في نفس الفندق الذي يقيمان فيه بفلورنسا، بحجة توقيع روايته الأخيرة المترجمة إلى الإيطالية. لكن ما أغاظ نور أكثر، أن طليقها قد جاء بصحبة صديقته الجديدة لاورا وكأنه لم يمرّ بتجربة زوجية قوّضها في رمشة عين.
فلنضع سيرة كمال جانباً ونركز على حالة الإغماء التي أصيبت بها نور في كنيسة سانتا كروز، ليس لأنها حامل وإنما لإصابتها بمتلازمة «ستندال» أمام المعطيات الجمالية المذهلة التي لا يتحمّلها أصحاب الأحاسيس المُرهفة، فيسقطون في غيبوبة مؤقتة أمام النُّصب والتماثيل الفنية المتقنة التي تغصّ بها متاحف فلورنسا وكنائسها المذهلة.
أما المفاجأة الأخيرة في الرواية، فهي اعتراف والد مراد بالسبب الرئيسي الذي دفعه لطلاق زوجته؛ لأنه اكتشفها تخونه مع أحمد، جارهم الذي كان يدرس في الخارج، فلم تسمح كرامته بإبقائها على ذمته، ومع ذلك فلم يتزوج بعدها؛ لأنها المرأة الوحيدة التي أحبّها، وكرّس حياته من أجلها.
لا شكّ في أن الروائية فاتحة مُرشيد قد قامت بدراسات معمقة، سواء في مجال اختصاصها الطبي أو في المجالات الفنية والثقافية، لتغذي روايتها بهذا الكم الكبير من المعلومات الشيقة التي أثرت عملها الأدبي الذي يتوفر على معظم الاشتراطات الفنية الناجحة التي تؤهله للصمود أمام تقادم الأعوام.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.