شهود في أحياء دمشق الشرقية: قطع طرق وإلغاء دوام المدارس

شهود في أحياء دمشق الشرقية: قطع طرق وإلغاء دوام المدارس
TT

شهود في أحياء دمشق الشرقية: قطع طرق وإلغاء دوام المدارس

شهود في أحياء دمشق الشرقية: قطع طرق وإلغاء دوام المدارس

استفاق سكان العاصمة دمشق، أمس، على صوت انفجارات مدوية عند الخامسة صباحاً، تلاها سماع أصوات اشتباكات عنيفة وطلعات طيران حربي مكثفة. وقال شهود عيان إن هجوماً مباغتاً بدأ فجر أمس (الأحد) اهتزت على وقعه الأبنية في الأحياء الشرقية من دمشق، لا سيما حي العباسيين الملاصق لمنطقة جوبر وحي التجارة والقصاع وباب توما. وبحسب الشهود، فإن أصوات الاشتباكات والطلعات الجوية استمرت لعدة ساعات من نهار أمس، وغطت سحب دخان كثيفة سماء المدينة.
وفرضت أجواء المعارك حالة من حظر التجول في الأحياء الشرقية خاصة ومعظم أحياء دمشق عامة، عززها قطع الطرق المؤدية إلى الأحياء الشرقية؛ منها أوتوستراد العدوي باتجاه العباسيين وطريق مساكن برزة وطريق كلية الزراعة، لعدة ساعات، كما تم إلغاء الدوام في كلية الهندسة الزراعية والمدارس والمؤسسات الحكومية القريبة من موقع المعارك.
وتضاربت الأنباء حول حقيقة ما يجري شرق العاصمة وتداول معلومات عن هجوم مباغت شنته فصائل المعارضة ووصولها إلى تخوم ساحة العباسيين، حيث تتمركز إحدى أقوى القواعد العسكرية الاستخباراتية للنظام مقر المخابرات الجوية والدفاعات العسكرية. ودفع تضارب الأنباء إلى قطع التلفزيون الرسمي بثه الاعتيادي، وبث مباشرة من ساحة العباسيين صوراً حية أظهرت الساحة ساعات الصباح والظهر من يوم أمس، خالية من الحركة المدنية، محاطة بجنود النظام بحالة تأهب، مع سماع أصوات القصف والاشتباكات بوضوح، التي كانت تصيب مراسلة التلفزيون الرسمي بالذعر الواضح رغم تأكيدها أن الأمور تحت السيطرة والناس يمارسون حياتهم اليومية الاعتيادية. وتعمد التلفزيون الرسمي إظهار صور لعدد ضئيل من المصلين المسيحيين خارجين من قداس الأحد في كنيسة «سيدة دمشق» المطلة على ساحة العباسيين، ونفى التلفزيون الرسمي وصول فصائل المعارض إلى كراجات العباسيين، 2كم عن ساحة العباسيين.
وقال شهود، إن الجيش نشر دبابات في بعض الأحياء المجاورة، وشوهدت القوات في دوريات راجلة. وقال ساكن من حي التجارة القريب، اشترط عدم الكشف عن هويته، لـ«رويترز»: «الشوارع خالية والجيش نشر عشرات القوات في الشوارع، ويجري تحريك الدبابات. دوي قذائف المورتر من جوبر لم تتوقف».
وأفاد شاهد آخر بأن معظم المحال أغلقت في المنطقة القريبة من القتال، مع فرار الناس بعيدا عن الاشتباكات.من جانبها، قالت وسائل إعلامية موالية، إن أهالي أحياء دمشق المتاخمة لجوبر والقابون منذ ساعات الصباح الأولى على أصوات انفجارات عنيفة واشتباكات دوت في المنطقة.
وقالت صفحة «دمشق الآن» الإخبارية الموالية للنظام إن قوات النظام «تمكنت من التصدي لهجوم هو الأعنف شنه مسلحو تنظيم جبهة النصرة على مواقعه في محور الكراش ضمن حي جوبر». ولفتت الصفحة المتابعة من قبل أكثر من مليون وثلاثمائة ألف مشترك، إلى أن هجوم المعارضة من جوبر جاء متزامناً مع هجوم آخر شنته فصائل المعارضة في المحور الجنوبي لحي القابون، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين الجيش وميليشيات «النصرة» في ظل استهدافات جوية ومدفعية لمواقع المسلحين في المنطقة، وفق ما ذكرته صفحة «دمشق الآن»، التي ذكرت أن عدداً غير محدد من قذائف الهاون والقذائف الصاروخية سقطت على أنحاء متفرقة بالعاصمة؛ منها أحياء باب توما والقصاع والعباسيين والعدوي والتجارة والمهاجرين، بالإضافة إلى سقوط عشوائي لرصاص متفجر على الأحياء القريبة من محاور الاشتباك.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.