تحاول إسرائيل بجميع الوسائل الممكنة السيطرة على نظام التعليم في القدس (الشرقية) التي تعتمد مدارسها (نحو 150)، منذ قدوم السلطة الفلسطينية، قبل 24 عاما، المنهج الفلسطيني لما يقارب 110 آلاف طالب يدرسون في مدارس متنوعة تخضع لإدارات متعددة، فلسطينية وخاصة وبلدية ومعارف و«أونروا».
وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية استسلمت منذ احتلال الشق الشرقي للقدس، عام 1967 أمام العصيان المقدسي آنذاك ضد إدخال المناهج الإسرائيلية إلى مدارس المدينة، لكنها لم تتوقف لاحقا عن محاولات «أسرلة» النظام التعليمي، مؤمنة بضرورة السيطرة على «الرواية».
* سياسة العصا والجزرة
* واستخدمت إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، سياسة «العصا والجزرة» مع المدارس الفلسطينية في المدينة، فقدمت إغراءات بدعم أوسع، وهددت غير الملتزمين بإجراءات أقسى، وقامت بشطب مواد من الكتب التعليمية الفلسطينية، وأدخلت فقرات محددة إلى المنهج، ثم ذهبت إلى فرض التقويم الأكاديمي «اليهودي». وقال زياد شمالي، رئيس لجنة أولياء أمور المدارس في القدس، لـ«الشرق الأوسط»: إنهم «يشنون حربا بلا هوادة متعددة الأشكال، لكن حربهم الرئيسية مركزة على المنهج الفلسطيني. إنهم يرفضون فكرة تداول هذا المنهج في المدارس التي تعيش تحت مظلتهم، بما في ذلك المدارس الخاصة التي تتلقى تمويلا منهم».
وأضاف: «طبعوا هذا المنهج في مطابعهم بالطريقة التي يرونها، شطبوا منه دروسا وطنية وأدخلوا المنهج الإسرائيلي مقابله، في بعض المدارس».
وتستند السلطات الإسرائيلية، بالإضافة إلى كونها الجهة المسيطرة على المدينة، إلى حاجة المدارس في المدنية بشتى أنواعها إلى دعم مالي أو ترميم أو مساعدات أو توظيف معلمين، وتقوم بالمساومة.
ويقول شمالي: «70 في المائة من المدارس تحت سيطرة المؤسسة الإسرائيلية، 45 في المائة تابعة لها، و25 في المائة يجري تمويلها من المعارف الإسرائيلية».
ويوجد في القدس 5 أنواع من المدارس، مدارس تابعة للبلدية ومدارس خاصة ومدارس تابعة للسلطة معروفة بمدارس الأوقاف ومدارس المقاولات التي تمولها المعارف كليا، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا). وتريد إسرائيل من جميع هذه المدارس الخضوع لشروطها.
* حذف مواد «تحريضية»
* وقبل 5 سنوات، بدأت إسرائيل في حذف شعار السلطة الفلسطينية عن الكتب، ثم حذفت بعض الآيات، ونصوصا مكتوبة وأخرى شعرية وصفتها بلدية القدس بـ«مواد تحريضية»، ومن ثم اشترطت مقابل ترميم المدارس العربية وتأهيلها، استخدام المنهج الإسرائيلي ووقف العمل في المنهج الفلسطيني.
والعام الماضي، عممت وزارة المعارف وبلدية الاحتلال كتابا رسميا على مديري المدارس، طالبت فيه بعدم تدريس كتاب «التنشئة الوطنية والاجتماعية» للصف الثالث الابتدائي، وسحبه من الطلبة واعتماد كتاب «التربية الوطنية» السابق المحذوف منه بعض الدروس، وتبين لاحقا أن الاعتراض على الكتاب الجديد كان بسبب وحدة دراسية بعنوان «أحب وطني فلسطين» وتشتمل تعليم الطلاب النشيد الوطني الفلسطيني، ومعلومات عن مدينة القدس بصفتها عاصمة فلسطين، وتفاصيل عن إعلان الاستقلال.
وفي حين تجاوبت بعض المدارس مضطرة، رفضت مدارس أخرى هذه الإملاءات بتوجيهات من السلطة الفلسطينية.
وقال وزير التربية والتعليم صبري صيدم: إن «هذا التوجه يشكل إعلان حرب على الهوية الفلسطينية العربية للمدارس المقدسية، ومحاولة مقصودة لتهويد تلك المدارس، ومصادرة أبسط حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تكفل حق المجتمعات المحتلة في الحفاظ على هويتها وحريتها في اختيار ثقافاتها ومناهجها».
وأوضح سمير جبريل، مدير التربية والتعليم في القدس، أن «التربية» لن تسمح بالتدخل في نظام التعليم بأي طريقة.
لكن لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية عند ذلك، وأمرت السلطات الإسرائيلية لأول مرة هذا الأسبوع، المدارس الثانوية العربية في القدس الشرقية باتباع برنامج ومواعيد عطلات متماشيا مع العطل الإسرائيلية، وهو طلب قاد إلى تنفيذ إضراب كامل في المدارس ليوم واحد الثلاثاء (الماضي) مع تحذيرات بتصعيد أكبر.
وتلتزم مدارس القدس بالعطل الفلسطينية التي تقررها السلطة الفلسطينية، لكن السلطات الإسرائيلية أمرتهم هذا العام بالتعطيل لقضاء «عطلة ربيع» التي توازي «عطلة عيد الفصح في المدارس اليهودية».
ويعني هذا أن على طلاب الثانوية العامة الذين ينهون السنة الدراسية في مطلع يونيو (حزيران) أو نهاية مايو (أيار) أن يعطلوا في هذه الفترة الحساسة للغاية.
غياب الحوار
وكان مديرو المدارس العربية في القدس الشرقية تلقوا خطابا من دائرة التربية والتعليم الإسرائيلية يأمرهم بالانتقال للعمل وفقا لمواعيد العطل الإسرائيلية، التي تشمل عطلة الربيع، ومن ثم مواصلة السنة الدراسية حتى 20 يونيو؛ وهو ما أثار غضب لجان أولياء الأمور الفلسطينيين، الذين يرفضون إملاء البرنامج، من دون أي حوار معهم، خاصة أنه سيسبب الضرر للمتقدمين لامتحانات التوجيهي، وقالوا: إن «عطلة الربيع التي يشملها برنامج الإجازات الإسرائيلي، وغير القائمة في الجدول الفلسطيني، تعتبر أياما مصيرية بالنسبة للطلاب الذين يدرسون للثانوية العامة».
وقال عادل غزاوي، من لجان أولياء الأمور: إنه «إذا نجحت إسرائيل بتمرير هذا القرار على المدارس التابعة لها فإنها ستعممه لاحقا على جميع المدارس، وسيسهل هذا تمرير الأجندات الإسرائيلية برمتها».
ومقابل هذه الدعوات الإسرائيلية، دعت السلطة الفلسطينية الطلاب وذويهم إلى رفض برنامج العطلات الإسرائيلي الذي سيؤدي إلى تمديد العام الدراسي بما يتعارض مع نظام التوجيهي الموحد، وأعلنت عن يوم إضراب.
وقال وزير شؤون القدس ومحافظها عدنان الحسيني: «الإضراب تحذير لسلطات الاحتلال الإسرائيلي لمنعها من التدخل بالمنهج التعليمي الفلسطيني، وفرض المنهج الإسرائيلي على الطلبة الفلسطينيين».
وأضاف: «مستمرون في مواجهة الاحتلال ومنعه من فرض منهجه على حساب المنهج التعليمي الفلسطيني».
وفيما بقيت هذه المعركة إلى جانب معارك أخرى معلقة، لم تنتظر إسرائيل بخصوص قضايا تعليمية أخرى محل خلاف.
وليس كل ما يتعلق بالتعليم خاضع، بالنسبة لإسرائيل، لسياسات «العصا والجزرة»، كما يبدو، بل تغلف السلطات الحاكمة هناك قضايا تعليمية بأخرى أمنية.
والشهر الماضي أغلقت إسرائيل مدرسة النخبة بشكل كامل، نهاية فبراير (شباط) الماضي، بادعاء أن منهج التعليم فيها يشمل مضامين «تحريضية ومعادية».
وقالت وزارة المعارف الإسرائيلية إنها نفذت عملية مراقبة للمدرسة، بمساعدة الشرطة و«الشاباك»، تبين أنها تأسست على أيدي جهات من حركة حماس، وهو ادعاء رفضته إدارة المدرسة التي أخذت طلابها إلى تعليم مفتوح في الساحات والشوارع، ضمن حرب تبدو وجودية أكثر منها تعليمية.