«الشيوخ» الموريتاني يصب النار على زيت الأزمة السياسية في البلاد

صوّت ضد التعديلات الدستورية وأظهر انشقاقاً في الأغلبية الحاكمة

«الشيوخ» الموريتاني يصب النار على زيت الأزمة السياسية في البلاد
TT

«الشيوخ» الموريتاني يصب النار على زيت الأزمة السياسية في البلاد

«الشيوخ» الموريتاني يصب النار على زيت الأزمة السياسية في البلاد

أدى تصويت مجلس الشيوخ الموريتاني ضد تعديلات دستورية مقترحة من طرف الرئيس محمد ولد عبد العزيز، إلى تعميق الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد منذ عدة سنوات. فبعد أن كانت المعارضة في موريتانيا تعاني من التشرذم والانقسام، ها هي الأغلبية الحاكمة تواجه خطر التشظي بعد أن صوت شيوخها ضد التعديلات الدستورية الصادرة عن النظام.
وناقش مجلس الشيوخ الموريتاني في جلسة علنية استمرت حتى وقت متأخر من ليل الجمعة - السبت، التعديلات الدستورية التي من ضمنها إلغاء مجلس الشيوخ وتغيير العلم والنشيد الوطنيين، وإلغاء محكمة العدل السامية التي تملك وحدها الحق في مساءلة رئيس الجمهورية، وهي تعديلات أثارت الكثير من الجدل في الشارع الموريتاني ورفضتها المعارضة التقليدية لأنها «لم تكن محل إجماع».
وكانت هذه التعديلات الدستورية قد عرضت الأسبوع الماضي على البرلمان الموريتاني من أجل إجازتها، قبل تقديمها لاستفتاء شعبي. وقد عرضت أولاً على مجلس النواب (الجمعية الوطنية)، وهي الغرفة السفلى في البرلمان الموريتاني، والتي أجازتها بأغلبية ساحقة، 121 نائباً صوتوا بـ«نعم» مقابل 19 نائباً صوتوا بـ«لا»، ليتم تمريرها فيما بعد إلى الغرفة العليا من البرلمان (مجلس الشيوخ) حيث صوت ضدها 33 من الشيوخ البالغ عددهم 56، فيما صوت لصالحها عشرون فقط، وذلك رغم أن النظام يملك أغلبية مريحة في المجلس تصل إلى 47 شيخاً، ما يعني أن أكثر من عشرين من شيوخ الأغلبية الحاكمة صوتوا ضد مشروع يقف خلفه رئيس الجمهورية.
وعبر بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الأغلبية الحاكمة خلال نقاش التعديلات الدستورية عن امتعاضهم من هذه التعديلات، التي صدرت عن حوار وطني نظم أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي قاطعته المعارضة التقليدية. بل إن بعض هؤلاء الشيوخ وصف ما جرى بأنه «حوار عبثي»، وانتقد بشدة التعديلات الدستورية الصادرة عنه.
وإن كان تصويت مجلس الشيوخ ضد خيارات رئيس الجمهورية أمرا غير مسبوق في موريتانيا، فإن وقائع كثيرة مهدت الأجواء لهذا الحدث، وخصوصا بعد خطاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز مطلع شهر مايو (أيار) من العام الماضي، حين أعلن نيته تعديل الدستور وإلغاء مجلس الشيوخ، لتبدأ حملة حكومية واسعة الهدف منها تعبئة الموريتانيين للتعديل الدستوري المرتقب. ولكن عدداً من الوزراء ركزوا على نقطة إلغاء مجلس الشيوخ، ووصفوه بأنه «عديم الجدوى»، وأنه يثقل كاهل الدولة بميزانيته الكبيرة ويعيق العمل التشريعي.
تصريحات أعضاء الحكومة أثارت موجة غضب عارمة في مجلس الشيوخ، فطالب بعض أعضائه بإقالة الوزراء الذين هاجموا المجلس. إلا أن الرئيس دافع في تصريحات كثيرة عن وزرائه، بل إن بعضهم تمت ترقيته، وفق ما أشار إليه أحد أعضاء مجلس الشيوخ خلال نقاش التعديلات الدستورية مساء أول من أمس، متهماً الرئيس بالانحياز للحكومة.
وإن كان رفض مجلس الشيوخ للتعديلات الدستورية قد ينهي أكثر من خمسة أشهر من الجدل حول هذه التعديلات التي دافع عنها النظام وأنصاره بقوة، وهاجمتها المعارضة التقليدية بقوة أكبر، إلا أنه في المقابل يفتح الباب أمام احتمالات جديدة في المشهد السياسي المتأزم. ويتحدث بعض المراقبين عن إمكانية تمسك الرئيس محمد ولد عبد العزيز بهذه التعديلات واللجوء للمادة 38 من الدستور التي تعطيه الحق في اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي مباشرة. فيما يؤكد خبراء دستوريون أن هذا الحق «غير مطلق»، وأن الرئيس لا يمكنه تجاوز غرفتي البرلمان إذا كانت التعديلات الدستورية تمس رموز البلاد كالعلم والنشيد.
في غضون ذلك، يدور النقاش في الأروقة السياسية بموريتانيا حول صلاحيات الرئيس التي يمنحها له الدستور، وكيف تحول مجلس الشيوخ إلى عقبة أمام مشروع تعديل الدستور، وهو المجلس الذي لا يملك الرئيس الحق في حله على العكس من مجلس النواب، حتى إن بعض المراقبين يذهب للحديث عن مواجهة محتملة بين الرئيس ومجلس الشيوخ، وهي مواجهة ستزيد من تعقيدات المشهد السياسي في البلاد، خاصة في ظل حالة الاستقطاب السياسي الحاد، والفشل في تنظيم حوار وطني جاد ينهي الأزمة السياسية في البلاد.
في الجانب الآخر من المشهد تجد المعارضة الموريتانية نفسها في وضعية غير طبيعية. فمن جهة، لها أن تحتفي بإسقاط التعديلات الدستورية التي لم تشارك في صياغتها وعارضتها بشدة طيلة عدة أشهر، ولكن من جهة أخرى هذه التعديلات أسقطها مجلس الشيوخ الذي كانت تصفه قبل أيام قليلة بأنه «فاقد للشرعية»؛ إذ لم يتم تجديد ثلثيه منذ أكثر من 10 سنوات في مخالفة صريحة للدستور الموريتاني.
وكان حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض أول حزب معارض يعلق على تصويت مجلس الشيوخ ضد التعديلات الدستورية، إذ سارع إلى تهنئة المجلس، متجاهلاً الحديث عن شرعيته أو وضعيته الدستورية، واصفاً ما حدث في المجلس ليل الجمعة - السبت بـ«الهبّة الوطنية الشجاعة للأحرار في مجلس الشيوخ، ونهنئهم على ذلك». ولكن الحزب الذي يوصف بأنه الأكثر راديكالية في المعارضة، دعا إلى الانطلاق مما قام به مجلس الشيوخ من أجل «رص الصفوف، ومواصلة التصدي بكل الوسائل المتاحة لما يسوق النظام إليه البلاد لمغامرة ومخاطر غير محسوبة».
أما حزب «حاتم» المعارض، فقد اعتبر أن رفض التعديلات الدستورية من طرف مجلس الشيوخ «يظهر مدى هوة الخلاف بين الفرقاء في الساحة السياسية، مما يستوجب تنظيم حوار جدي وحقيقي يسهم في إخراج البلد من أزمته السياسية التي يعاني منها». وهو موقف دعمه نقيب المحامين السابق والمرشح للانتخابات الرئاسية أحمد سالم ولد بوحبيني، الذي يخوض مبادرة لرأب التصدع في الساحة السياسية. وقال تعليقاً على ما شهده مجلس الشيوخ إنه «لا توجد حالة استعجال للتعديلات الدستورية، ولا فراغ دستوريا يتعلق بمؤسسات ضرورية يتعين سده، ولا توافق سياسيا ولا إجماع وطنيا يخوّل القيام بهذه التعديلات، فالدستور نظام تأسيسي ثابت لا يمس في ظل الخلافات والأزمات السياسية، بل يشترط لتعديله انعقاد الإجماع عليه، بعد التأكد من ضرورة التعديل والحاجة الماسة إليه».
ويضيف ولد بوحبيني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن موريتانيا سبق أن «جربت عدة مرات الانتخابات التي لم تكن محل إجماع، والحوار المختلف عليه. وكان ضررهم في كل مرة أقرب من نفعهم، والتعديلات الدستورية في ظل الخلاف أكثر خطراً، وأشد أثراً»، وفق تعبيره.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».