أنقرة ستحقق مع الطيار السوري ولن تسلمه قبل اعتذار النظام

أنقرة ستحقق مع الطيار السوري ولن تسلمه قبل اعتذار النظام
TT

أنقرة ستحقق مع الطيار السوري ولن تسلمه قبل اعتذار النظام

أنقرة ستحقق مع الطيار السوري ولن تسلمه قبل اعتذار النظام

أكدت مصادر دبلوماسية تركية أن التحقيق مع طيار سوري نجا من سقوط طائرته العسكرية في هطاي جنوب تركيا في وقت سابق من الشهر الحالي، سيستكمل عقب تماثله تماما للشفاء، وأن السلطات التركية ستتخذ القرار بحقه بناء على التحقيقات معه.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات التركية لن تسلم الطيار السوري قبل أن يتقدم النظام السوري باعتذار رسمي بسبب انتهاك الأجواء التركية. جاء ذلك بالتزامن مع تقدم الائتلاف الوطني للمعارضة السورية بمذكرة لوزارة الخارجية التركية، طالبت فيها بمقاضاة الطيار التابع للنظام السوري، محمد صوفان، الذي سقطت طائرته في الأراضي التركية بعد اتهامه بارتكاب مجازر بحق مدنيين سوريين.
وتوجهت اللجنة القانونية للائتلاف الوطني السوري بالمذكرة إلى رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، ووزير العدل بكير بوزداغ، والسلطات القضائية المختصة، مطالبة فيها بالتحقيق معه ومحاكمته بسبب تنفيذه غارات على مناطق سكنية في إدلب في 4 مارس (آذار) الحالي، قبل أن تسقط طائرته في مدينة هطاي التركية.
وكان مجموعة من المحامين الأتراك أقاموا في السابع من مارس دعوى قضائية بحق صوفان الذي تحطمت مقاتلته على أراضي تركيا مطالبين باعتقاله ومحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد المدنيين والحيلولة دون تسليمه إلى النظام السوري.
بينما أعلن رئيس الوزراء التركي أن الحكومة ستسمح لأسرته بزيارته من منطلق إنساني.
وقالت المحامية الحقوقية التركية جولدان سونماز إنهم رفعوا دعوى قضائية بحق صوفان (56 عاما) أمام محكمة في مدينة إسطنبول وإن العريضة التي تقدم بها المحامون تتضمن أسماء ومعلومات مدنيين سوريين من أطفال ونساء قُتِلوا جراء قصف قوات النظام السوري على مناطق مختلفة في سوريا، وبخاصة في محافظة حلب شمالي سوريا.
وأوضح البيان أن الطيار صوفان هو أحد الأشخاص الذين شاركوا في قصف المدنيين السوريين، وبالتالي شارك في ارتكاب الجرائم التي تضمنتها العريضة، داعياً إلى التحقيق معه في هذا الإطار وفتح دعوى عامة لمحاسبته أمام العدالة. وشدد المحامون على ضرورة اعتقال ومحاكمة الطيار السوري وفقاً للقوانين.
وسمحت السلطات التركية للطيار السوري بالاتصال هاتفيا بأسرته من مستشفى يعالج به في هطاي لطمأنتهم عليه. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إنه سمح للطيار بذلك من منطلق إنساني.
وكان الطيار السوري قفز بمظلته من مقاتلة ميغ - 23 حين سقطت بمنطقة جبلية في هطاي مساء 4 مارس، وعثر عليه فريق إنقاذ من الدرك التركي. وفي شهادته الأولى أمام السلطات التركية، قال إن طائرته تعرضت لإطلاق نار حينما كانت في الطريق لقصف مناطق ريفية قرب إدلب في شمال سوريا.
وكانت «حركة أحرار الشام» أعلنت أن مضاداتها الجوية أصابت الطائرة وتسببت في إسقاطها ببلدة سلقين المحاذية للحدود مع تركيا، بعد أن نفذت عدة غارات في ريف إدلب الشمالي.
وفي وقت سابق قال نور الدين جانيكلي نائب رئيس الوزراء التركي إنه من المبكر الآن الحديث عن تسليم قائد المقاتلة السورية، وأوضح أن «حالة قائد الطائرة الصحية مستقرة ولا خطر على حياته ولا يزال يخضع للعلاج والحكومة التركية ستتخذ القرار المناسب بعد الكشف عن ملابسات الحادث».
على صعيد آخر، ندد نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية التركي نعمان كورتولموش باستهداف مسجد في ريف مدينة حلب قائلا إنه بمثابة استهداف للإنسانية.
وذكر كورتولموش، في تصريحات أمس الجمعة، أن الاستهداف الأخير في مدينة حلب أحزن الجميع، لافتا إلى أنه لم يتم التعرف على الجهة التي استهدفت المسجد، وأنه سيتضح خلال الساعات القادمة الجهة القائمة على الاستهداف «الذي لا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال». وأضاف أن الأزمة السورية وهي تدخل عامها السادس، كانت في السنوات الثلاث الأولى حربا داخلية، ثم تحولت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى حرب بالوكالة، وتحولت سوريا إلى مأوى للإرهابيين.
وشدد على ضرورة مضاعفة الجهود في تسريع المفاوضات لتثبيت وقف إطلاق النار في سوريا، معربا عن أمله في تحقيق سلام يلبي طموحات الشعب السوري الذي قتل منه أكثر من 600 ألف ودمرت معظم مدنه الكبرى.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.