«الكهرباء» سلاح ضغط في حرب النظام السوري والمعارضة.. والمدنيون الضحية

اتفاق بين الطرفين في دير الزور.. و«داعش» تمنعها عن مناطق الأكراد

«الكهرباء» سلاح ضغط في حرب النظام السوري والمعارضة.. والمدنيون الضحية
TT

«الكهرباء» سلاح ضغط في حرب النظام السوري والمعارضة.. والمدنيون الضحية

«الكهرباء» سلاح ضغط في حرب النظام السوري والمعارضة.. والمدنيون الضحية

تحولت الكهرباء في سوريا إلى سلاح تستخدمه المجموعات المتقاتلة بعضها ضد بعض. وفي حين تعمد القوات النظامية إلى قطع التيار الكهربائي عن مناطق المعارضة للضغط على حاضنتها الشعبية، ترد المعارضة بقطع الكهرباء عن مناطق النظام لإجباره على وقف القصف الذي يستهدف مناطقها. أما تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» فيستهدف المناطق الكردية في الرقة وحلب بقطع الكهرباء عنها، نتيجة صراعه مع المقاتلين الأكراد.
وغالبا ما يدفع المدنيون ثمن استخدام المجموعات المقاتلة لسلاح الكهرباء. تمضي مناطق بكاملها، لا سيما الريفية منها، أوقاتا طويلة من دون تغذية التيار الكهربائي، ما دفع السكان إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية كبديل عن الكهرباء المقطوعة. ووصل اشتراك المولد في الشهر إلى نحو 60 دولارا أميركيا، بحسب ما يقول ناشطون.
وتسيطر كتائب المعارضة السورية في محافظة حلب على محطة السفيرة التي تزود المدينة بالكهرباء، ما يتيح لها التحكم بالتغذية التي تصل إلى أحياء حلب الخاضعة لسلطة النظام. وعمدت غرفة «عمليات أهل الشام» التي تضم «جبهة النصرة» وكتائب من «الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين» إلى قطع الكهرباء عن هذه الأحياء للضغط على النظام وإجباره على إيقاف القصف بالبراميل المتفجرة ضد أحياء المعارضة. واضطر النظام بعد استمرار انقطاع الكهرباء عن مناطقه إلى الرضوخ لمطالب المعارضة، حيث توقف القصف بشكل نسبي على المدينة مقابل عودة الكهرباء إلى الأحياء الموالية.
من جهته، يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» في حلب على محطة سد تشرين التي تزود الريف الشمالي بالكهرباء. وبحسب ناشطين، عمد التنظيم المتشدد إلى قطع الكهرباء عن مدينة عين العرب ذات الغالبية الكردية منذ ثلاثة أشهر انتقاما من هوية سكانها.
ويستخدم النظام في إدلب سلاح قطع الكهرباء ضد مناطق الريف الخاضعة لسيطرة المعارضة للضغط على سكان هذه المناطق، بحسب ما يشير قائد لواء «درع هنانو» التابع للجيش السوري الحر حمزة حبوش لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدا أنه «قبل شهر كانت الكهرباء مقطوعة بشكل كامل، لكن في الوقت الحالي باتت تنقطع طيلة النهار لتصل التغذية إلى ساعة يوميا». ويحظى مركز المدينة في إدلب بساعات تغذية أكثر بسبب سيطرة النظام عليه. ويوضح حبوش أن «القصف العشوائي يؤدي أحيانا إلى استهداف الأبراج التي توزع الكهرباء على قرى الريف ما يزيد احتمالات انقطاع الكهرباء». وتعتبر محطة سد زيزون مركز التوزيع الأساسي للكهرباء في ريف إدلب وتتحكم بها القوات النظامية.
وسبق لكتائب معارضة أن هددت بقطع الكهرباء عن مناطق النظام في دمشق والساحل ردا على القصف النظامي الذي يطال مناطق المعارضة. وتحظى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات النظامية في الساحل والقامشلي والحسكة وحماه بتغذية جيدة من التيار الكهربائي؛ بحكم الهدوء النسبي على الصعيد العسكري. لكن ذلك لم يمنع النظام من اتباع سياسة «التقنين» عبر قطع الكهرباء نحو خمس ساعات أو أكثر بشكل يومي.
وتستطيع كتائب المعارضة أن تقطع التيار الكهربائي عن أي منطقة عبر استهداف الخطوط الهوائية لـ«نقل القدرة» التي تصل بين محطات التوليد ونقاط التوزيع المنتشرة في المناطق عبر أبراج معدنية محمل عليها نواقل خاصة. لكن طبيعة الشبكة السورية للكهرباء، التي تعتمد أسلوب الحلقات المترابطة، بحيث تتصل محطات التوليد بعضها ببعض لتشكل خزانا مشتركا يغذي جميع المناطق السورية في وقت واحد، تسمح للنظام بتجاوز أي عطل يصيب الخطوط الهوائية عبر الاعتماد على خطوط أخرى.
ورغم المعارك العسكرية التي تشهدها محافظة دير الزور شرق سوريا فإن المدينة لا تزال تحظى بتغذية كهربائية جيدة تصل إلى معظم أحيائها، بحسب ما يؤكده مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى «وجود اتفاق بين النظام وكتائب المعارضة يكفل وصول الغاز إلى محطات التغذية التي تؤمن الكهرباء إلى المدينة».
ولا تواجه مدينة الرقة التي تخضع لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» مشكلات في وصول الكهرباء إلى معظم أحيائها، لكن تنظيم «داعش» غالبا ما يعمد إلى قطع التيار الكهربائي عن المدينة بشكل كامل للتغطية على أي عمل عسكري أو أمني يريد القيام به. وبحسب ما يشير القيادي في المعارضة السورية في الرقة إبراهيم مسلم لـ«الشرق الأوسط»، فإن «التنظيم قطع الكهرباء عن المدينة عند انسحاب مائة من عناصره إلى دير الزور كي لا يعرف أحد بالحادثة».
ويوجد في الرقة محطتان لتوزيع الكهرباء، واحدة تقع في أراضي «الفرقة 17» التي ما زال النظام يسيطر عليها، ومحطة ثانية على سد الفرات الذي يمر بأراض خاضعة لسلطة «داعش». ولا يستبعد مسلم «وجود اتفاق ضمني بين (داعش) والنظام، بحيث يلتزم الأخير بألا يقطع الكهرباء عن مناطق الرقة التي تتغذى من خلال المحطة الواقعة في (الفرقة 17)، مقابل امتناع التنظيم عن قطع الكهرباء عن مطار دير الزور العسكري الخاضع للنظام والذي يتغذى عبر محطة سد الفرات». وعلى خلاف بقية مناطق الرقة التي لا تعاني مشكلة في الكهرباء، فإن الريف الشمالي الذي يضم عددا من القرى الكردية يشهد انقطاعا دائما في التيار الكهربائي بسبب العقاب الذي يفرضه تنظيم «داعش» على هذه المناطق بحكم هويتها الكردية، وفق ناشطين أكراد. وتحتوي سوريا على 14 محطة توليد، ثلاث منها كهرومائية تعتمد على المياه في عملية التوليد، وتتوزع بين سد الفرات في الرقة الذي يضم ثماني مجموعات توليد، قدرة كل منها 110 ميغاواط، وسد البعث في الرقة أيضا الذي يضم ثلاث مجموعات توليد قدرة كل منها 25 ميغاواط، إضافة إلى سد تشرين في حلب الذي يضم ست مجموعات توليد، قدرة كل منها 105 ميغاواط. أما المحطات الأخرى فهي حرارية تعمل عبر الوقود والغاز والمازوت. ويوجد في العاصمة دمشق ثلاث منها، محطة الناصرية التي تضم ثلاث مجموعات توليد قدرة الواحدة منها 120 ميغاواط، إضافة إلى مجموعة بقدرة 150 ميغاواط، ومحطة دير علي التي تضم مجموعتين قدرة كل منهما 277 ميغاواط، إضافة إلى مجموعة بقدرة 236 ميغاواط.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.