أفلام عربية وفرنسية تنتظر قرار «كان» الأخير

هل تقتحم هيفاء المنصور بوابة المهرجان؟

الفيلم الأميركي «دنكيرك» للمخرج كريستوفر نولان - فيلم هيفاء المنصور الجديد «ماري شيلي» بطولة إيلي فانينغ
الفيلم الأميركي «دنكيرك» للمخرج كريستوفر نولان - فيلم هيفاء المنصور الجديد «ماري شيلي» بطولة إيلي فانينغ
TT

أفلام عربية وفرنسية تنتظر قرار «كان» الأخير

الفيلم الأميركي «دنكيرك» للمخرج كريستوفر نولان - فيلم هيفاء المنصور الجديد «ماري شيلي» بطولة إيلي فانينغ
الفيلم الأميركي «دنكيرك» للمخرج كريستوفر نولان - فيلم هيفاء المنصور الجديد «ماري شيلي» بطولة إيلي فانينغ

إذا ما كان شهر فبراير (شباط) ينتمي لمهرجان برلين ولحفلة الأوسكار معاً، وشهر سبتمبر (أيلول) لمهرجاني فينيسيا وتورنتو، فإن شهر مايو (أيار) ينتمي لمهرجان «كان» وحده. التحضير لكل واحد من هذه المهرجانات والتخطيط القائم على بلورة مستقبل الفيلم المنتج يبدأ باكراً. هذا يصلح لمهرجان يفتح أبواب أميركا الشمالية، مثل تورنتو، وذاك يصلح لبرلين. هذا مناسب لموسم الجوائز وذاك يصلح لأن يدخل فينيسيا أو «كان».
بالنسبة للمهرجان الفرنسي، الذي هو أقرب إلى كائن احتفالي ضخم، يطرح المنتجون وصانعو الأفلام أعمالهم منذ لحظة انطلاق العمل عليها كاحتمالات دخول عرينه. يخططون سلفاً أعمالهم ومنهم مَن يحسن إنجازها بمعايير المهرجان وعبر دروبه.
ومع اقتراب موعد انطلاقة دورته الجديدة ما بين السابع عشر والثامن والعشرين من شهر مايو المقبل، تتدافع الأفلام التي ترغب في أن تستحوذ على أفضلية المرور من نفق مرحلة الاختيارات إلى حلبة المسابقة ذاتها. الروتين هو نفسه، لكن العجيب هو أنه يبدو كما لو كان جديداً في كل مرّة.
العام الحالي هو المناسبة السبعون للمهرجان العتيد. شيء خاص (أو ربما أكثر من شيء خاص) سوف يتلألأ في هذه المناسبة أكثر من إطلاق الأسهم النارية المعتاد. المهرجان لا يعلن بعد كيف سيحتفل ببلوغه سبعين سنة، والإعلان المهم الوحيد حتى الآن ورد قبل أسابيع قليلة عندما تقرر أن يرأس المخرج الإسباني بدرو ألمادوفار لجنة التحكيم، التي بدورها في طور التشكيل. هذا لا يمنعنا، ومنذ الآن، من قراءة الاحتمالات الأقوى بين الأفلام التي يجري طرحها حالياً، وهي كثيرة، من دون أن يعني بالطبع أن جميعها سينجح في دخول المسابقة أو جوارها.
هيفاء وماري
السينما العربية موزّعة هذا العام بين بضعة أعمال تتوخّى الوصول إلى الخط النهائي ذاك. طبعاً إذا ما تم لأحد الأفلام العربية النفاذ إلى المسابقة فإنه سيكون الفيلم العربي الوحيد محاطاً بكثير من الأفلام الأوروبية وبقليل من الأفلام الآسيوية واللاتينية، وربما بفيلمين أميركيين مستقلين. هذا هو النمط السائد عندما يتاح لفيلم من خارج هذه المساحات الجغرافية دخول المسابقة، إذ يكتفي القائمون بفيلم واحد قد يكون عربياً (في حالات قليلة) أو أفريقياً. شيء من باب التعبير عن الاهتمام بما لا يزال يعرف بالعالم «النامي». لكن الرهان على تلك التظاهرات خارج المسابقة التي عادة ما تستقبل معظم الإنتاجات العربية المميّزة، مثل تظاهرة «نظرة ما».
لدى السينما العربية بضعة أفلام آملة، بعضها عرض بالفعل على المدير العام تييري فريمو ولجان الاختيار العاملة تحت مظلته. هناك فيلم مغربي بعنوان «رازيا» للمخرج نبيل عيوش وتونسي من إخراج كوثر بن هانيا التي انتهت من فيلمها الجديد «الجمال والكلاب».
أحد المصادر يؤكد أن المخرج اللبناني نديم تابت بعث بفيلمه الأول «يوم من تلك الأيام» إلى «كان». وأن المخرج اللبناني الآخر زياد الدويري قدّم فيلمه الجديد وعنوانه «الإهانة» الذي قد يؤول إلى تظاهرة «نصف شهر المخرجين».
من مصر هناك فيلمان جاهزان للمهمّة؛ واحد بعنوان «الأصليون» من بطولة منّة شلبي وكندة علوش وخالد الصاوي وماجد الكدواني ومحمد ممدوح، والآخر هو «الشيخ سلامة» (إذا ما انتهى من مراحل ما بعد التصوير في الوقت المحدد) وهو من بطولة أحمد مالك وأمينة خليل وأحمد الفيشاوي وماجد الكدواني أيضاً.
وكان المخرج العراقي محمد الدراجي انتهى من تصوير فيلمه الجديد «الرحلة» حول انتحارية عراقية تريد تنفيذ مهمتها في بغداد وربما قام بإرسال نسخة من الفيلم للجنة.
لكن الأسماء العربية قد ترد من خارج النطاق الجغرافي العربي. المثال الأبرز هذا العام هو المخرجة السعودية هيفاء المنصور التي حققت فيلمها الأميركي الأول أخيراً (الثاني لها بعد فيلمها الأوروبي «وجدة») بعنوان «ماري شيلي» وتحكي فيه عن العلاقة العاطفية التي خاضتها الكاتبة المعروفة (تؤديها إيلي فانينغ) قبل أن تضع أحد أفضل (وأشهر) أعمالها وهو «فرنكنستين». الفيلم من بين ما قد يشهد عرضه العالمي الأول في المهرجان الفرنسي وإن لم يكن «كان» فهناك «فينيسيا» لاحقاً.
أشباح إسماعيل
فرنسا دائماً ما تحظى بنصيب الأسد واللبؤة معاً، وهذا العام لا يختلف عن الأعوام السابقة. المخرج عبد اللطيف كشيش، ومن بعد فيلمه «الأزرق هو اللون الأدفأ»، الذي خرج بـ«السعفة الذهبية» قبل أربع سنوات، لديه جديده المعنوَن «المكتوب مكتوب». الحكاية تدور حول كاتب سيناريو عربي يعود من باريس لبلدته الساحلية ليلتقي بحبيبته كما بمنتج فيلمه المقبل وليجد نفسه موضع اهتمام زوجة المنتج أيضاً.
الموضوع ذاته، إلى حد ملحوظ، يتكرر في فيلم أرنولد دسبليشن «أشباح إسماعيل»، فهو يتحدث عن مخرج (يؤديه ماتيو أمالريك) الذي على أهبة تحقيق فيلم جديد عندما يلتقي بحبيبته (ماريون كوتيار) بعد طول فراق، بل تتحدث الحكاية أيضاً عن وقوعه بين امرأتين كل منهما تريده لنفسها.
قد ينافسهما المخرج ميشيل أزانفسيوس بفيلم يعتبره تحية لجان - لوك غودار عنوانه «المهيب». كان هازانفشيوس قد أخرج حفنة أفلام من بعد فيلمه الأوسكاري «الفنان»، لكن ذاك بقي ذروة أعماله حتى الآن. أندريه تيشينه تقدم بفيلمه «سنوات ذهبية» بينما زميله أرنولد دسبليشا لديه فيلم بعنوان «أشباح إسماعيل».
ويواصل كل من جان - لوك غودار وفرنسوا أوزون العمل ليل نهار في سبيل الانتهاء من فيلميهما في الوقت المناسب. غودار لديه فيلم يستطيع عنوانه التعبير عن فحواه وهو «صورة وكلام» والثاني لديه «عشيق مزدوج».
بالنسبة للسينما الأميركية، فإن أحد أفضل أعمالها الكبيرة الملائمة لهذه المناسبة سيكون فيلم «دنكيرك» للمخرج كريستوفر نولان. فيلم حربي من تنفيذ مخرج لامع لديه دوماً صيغته المميزة في العمل. الأمر لا يتوقف على إذا ما كان المهرجان الفرنسي سيطلب هذا الفيلم أو لا، بل على شركة إنتاجه «وورنر»، التي قد يكون لديها خطط مختلفة لتسويق الفيلم.
مهما يكن، فالأفلام البريطانية والأميركية (وكثير منها بات مشتركاً على أي حال)، غزيرة هذه السنة، ومنها «ماري مجدولين» لغارث ديفيز، و«وحش» لمايكل بيرس، و«لم تكن حقاً هنا» للين رامزي.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز