إيلي صعب... وقصة حب درامية مع «جيزيل»

قد تكون قصة باليه جيزيل التراجيدية ما ألهم إيلي صعب حسب قوله، لكن ما اقترحه في تشكيلته لخريف 2017 وشتاء 2018 كان أبعد ما يكون عن التراجيدية. ففي «لوغران باليه»، حيث قدم هذه الاقتراحات أكد لنا المصمم أن الطبع يغلب الاستلهام. فهو لم يستطع أن يمنع نفسه وبقي وفيا ومشدودا لجذوره، حيث حقن كل إطلالة، وعددها لا يقل عن 65 قطعة، بجرعة قوية من الإبهار والأناقة الراقية.
بيد أنه ما ينتهي العرض وتفيق من الحلم تشعر بأن هناك خيوطا كثيرة ربطت هذه التصاميم بقصة «جيزيل» ليس أقلها الدراما والشاعرية الرومانسية. ففي باليه جيزيل تجسدت هذه الدراما الرومانسية عبر قصة حب تربط بين ألبرت، دوق سيسيليا، الذي يتنكر في هيئة فلاح وتنشأ بينه وبين خياطة اسمها جيزيل تعشق الرقص علاقة حب. المشكلة أن جيزيل تعاني من مرض في قلبها يمنع تعرضها لصدمات نفسية، لهذا عندما تكتشف أن حبيبها دوق وليس فلاحا تشعر بأن حبهما بُني على أكذوبة، فتفقد عقلها من هول الصدمة ثم تفارق الحياة حزنا لتصبح جزءا من الأسطورة الألمانية المعروفة بليلة «الويليس». هذه الأسطورة تقول إن أرواح العذارى اللواتي وافتهن المنية قبل أن يحققن أحلامهن بالزواج تظل متعطشة للرقص، وبالتالي في كل ليلة مقمرة يخرجن من قبورهن لإشباع رغباتهن في الرقص.
هذا الجانب المتعطش للحياة والتوق للعيش هو الذي ظهر في تشكيلة إيلي صعب. تشكيلة لونتها دراما الألوان القاتمة، التي غلب عليها الأسود والبنفسجي الغامق والأزرق الملكي مع رشات خفيفة من الوردي المطفي. ظهر أيضا في الكورسيهات التي شكلت جزءا من فساتين طويلة مزينة بالمخمل أو الدانتيل كما في التطريزات البراقة وطبعات ورود الزنابق والسوسن 65 إطلالة كل واحدة منها تقطر فخامة وجمالا، بحيث تبدو العارضات فيها وكأنهن فعلا يرقصن بدل أن يتهادين على المنصة بفضل انسيابية الأقمشة وانسدالها على الجسم بأسلوب لا يُتقنه سواه. وليس من الخطأ القول بأن الطابع الغالب على هذه التشكيلة عودته إلى جذوره واستعماله كل البهارات التي عهدناها منه في سنواته الأولى. فبينما مال في المواسم الأخيرة لمخاطبة شابة «سبور» من خلال جاكيتات الجلد والفساتين القصيرة والبنطلونات الواسعة وغيرها، قرر هذه المرة التركيز على فساتين السهرة والمساء مع قليل جدا من القطع المنفصلة التي يمكن هي الأخرى أن تكون للمساء. وبالنتيجة فاح من جوانبها رومانسية تتراقص على تصاميم كلاسيكية نوعا ما. هذه الكلاسيكية ظهرت تارة في الألوان والتطريزات وتارة أخرى في نوعية الأقمشة التي جمعت الموسلين والتول والدانتيل والأورغنزا والحرير والمخمل «الديفوريه». تخللت العرض أحيانا فساتين بكشاكش ذكرتنا إلى حد ما بالثمانينات. لكنها لحسن الحظ لم تكن بأسلوب الثمانينات، بقدر ما كانت بأحجام محسوبة تم رصها في أماكن استراتيجية تمنحها جاذبية مُنعشة. ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أنه رغم تقبل العين لها فإن الإقبال عليها كأسلوب، يبقى مسألة ذوق خاص ستؤكده الأيام عندما تُطرح في الأسواق العالمية.
في المقابل لا يختلف اثنان حول جمال التنورات الطويلة المصنوعة من التول، بما فيها تلك المطبوعة بدوائر، ولا الفساتين المتماوجة على أقمشة التول والمخمل أو معاطف الفرو الغنية.
رغم جمالية كل قطعة وتمتعها بعنصر لافت يشد الأنفاس تبقى تلك المصنوعة من المخمل مثيرة للانتباه. فالقدر نفسه الذي أضفى فيه إيلي صعب على هذا القماش جمالية لذيذة ومُشهية، بادله هذا الأخير الحب نفسه فاكتسب فخامة رقيقة من شأنها أن تروق للمرأة أيا كان ذوقها. فما أكده إيلي في هذه التشكيلة أنه من الصعب أن توجد امرأة أنيقة، أينما كانت، قادرة على مقاومة الدراما والرومانسية عندما يجتمعا مع بعض.