تحرير أكثر من ثلث غرب الموصل... والقوات العراقية في قلبها

ارتفاع أعداد النازحين إلى 100 ألف... وواشنطن: «داعش» محاصر ومسلحوه الباقون سيموتون في المدينة

نازحون ينتظرون نقلهم في حي المنصور غرب الموصل أمس (رويترز)
نازحون ينتظرون نقلهم في حي المنصور غرب الموصل أمس (رويترز)
TT

تحرير أكثر من ثلث غرب الموصل... والقوات العراقية في قلبها

نازحون ينتظرون نقلهم في حي المنصور غرب الموصل أمس (رويترز)
نازحون ينتظرون نقلهم في حي المنصور غرب الموصل أمس (رويترز)

اقتحمت قوات الشرطة الاتحادية العراقية وفرقة الرد السريع، أمس، منطقة باب الطوب وسط الجانب الأيمن من الموصل، وباتت على مقربة من السيطرة على الجسر القديم، ثالث جسور الموصل الخمسة من الجهة الجنوبية. بينما تمكنت قوات جهاز مكافحة الإرهاب من اقتحام حي الموصل الجديدة وتحرير حي الأغاوات المجاور للمدينة القديمة؛ ما رفع مساحة الأراضي المحررة في غرب الموصل إلى أكثر من ثلثه.
وقال قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت لـ«الشرق الأوسط»، إن «قطعات الشرطة الاتحادية وفرقة الرد السريع التابعة لها توغلت لمسافة 200 متر في منطقة باب الطوب في المدينة القديمة، وبسطت سيطرتها على المباني المرتفعة ونشرت قناصتها وأسلحتها الساندة فوقها».
واستمرت المعارك منذ الساعات الأولى لصباح أمس وحتى وقت متقدم من المساء، واستخدم التنظيم مفارز التعويق والعبوات الناسفة والانتحاريين، لكن القوات الأمنية تصدت له، وتمكنت من تحرير مناطق عدة من حي باب الطوب. وأوضح الفريق جودت، أن القوات «حررت سوق الأربعاء وساحة الرماحق، وتُبعد نحو 300 متر من الجسر القديم».
واقتحمت الشرطة الاتحادية باب الطوب من ثلاثة اتجاهات، من أحياء الدواسة والنبي شيت والعكيدات. ويعتبر باب الطوب بوابة المدينة القديمة التي تقع في قلب الجانب الأيمن من الموصل، وتحتضن الكثير من معالم التاريخية كالمسجد الكبير الذي أعلن منه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي السيطرة على المدينة في عام 2014. ومع اقتحام القوات العراقية باب الطوب، تبدأ معركة الأزقة القديمة والضيقة ذات الكثافة السكانية المرتفعة، حيث من الصعب على القوات الأمنية استخدام العجلات والمدرعات في المرور فيها لضيقها؛ ما يعني توسع حرب الشوارع بين الجانبين.
وشهدت أمس المدينة القديمة معارك ضارية بين القوات الأمنية ومسلحي التنظيم، بينما غيرت قوات الشرطة الاتحادية من تكتيكاتها العسكرية مع بدء معركة أحياء وسط المدينة. وكشف الفريق جودت، عن أن «الشرطة الاتحادية تعتمد تكتيكاً عسكرياً جديداً لتحاشي استهداف المدنيين والبنى التحتية وتحقيق الإصابات المباشرة من خلال تكثيف الطلعات الجوية للطائرات المسيرة القاصفة، واستهداف مقرات العدو ودفاعاته الخلفية وتجمعاته وآلياته المفخخة».
وبحسب إحصاءات قيادة الشرطة، فإن عمليات طائراتها المسيّرة أسقطت عشرات من مسلحي «داعش»، وشلت حركة آخرين، ودمرت 20 آلية متنوعة الاستخدام تابعة لهم.
وبالتزامن مع تقدم الشرطة الاتحادية في مناطق الموصل القديمة، أعلن قائد عمليات «قادمون يا نينوى» الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله، تحرير قوات مكافحة الإرهاب حي الأغوات المجاور للمدينة القديمة من الجهة الجنوبية الغربية، موضحاً أن القوات اقتحمت أيضاً حي الموصل الجديدة.
وأعلن الموفد الأميركي الخاص لدى التحالف الدولي ضد «داعش» بريت ماكغورك أمس، أن القوات العراقية قطعت آخر المنافذ المؤدية إلى غرب الموصل؛ ما أدى إلى محاصرة مسلحي «داعش» داخلها. وقال ماكغورك للصحافيين في بغداد، بحسب وكالة الإنباء الفرنسية، إن تنظيم داعش بات «محاصرا؛ فالليلة الماضية قطعت الفرقة التاسعة المدرعة في الجيش العراقي ومقرها قرب بادوش شمال غربي الموصل، آخر الطرق» إلى المدينة. وأضاف أن «جميع المسلحين الموجودين في الموصل سيموتون فيها».
وأكد، أن التحالف «منخرط بقوة، ليس فقط لدحرهم في الموصل، بل أيضاً لضمان ألا يفروا منها». وقدر مسؤولون في التحالف عدد المسلحين في غرب الموصل وفي مدينة تلعفر بنحو 2500. وأوضح ماكغورك، أن التنظيم خسر 60 في المائة من الأراضي العراقية التي كان احتلها في 2014.
وقال قائد قوات العمليات الخاصة الثانية لقوات مكافحة الإرهاب اللواء الركن معن السعدي، إن «أكثر من ثلث الساحل الأيمن تقريباً أصبح تحت سيطرة قطعاتنا». وأضاف أن «التقدم مستمر حالياً... وأتوقع خلال ساعات قليلة أن... نصبح بتماس مع محور الشرطة الاتحادية في الجانب الشرقي». وأوضح: «لا نستطيع ترك جيوب وراءنا؛ لهذا التقدم يتم (عبر) السيطرة على المناطق وتمشيطها وتطهيرها، إضافة إلى التدقيق الأمني في المواطنين المتواجدين، ثم استئناف التقدم». ولفت إلى أن «الصعوبة كانت في اقتحام خط الصد الأول والثاني للعدو. المعركة بدأت تصبح أقل شراسة من بدايتها. لكن العدو فقد قدراته القتالية وضعفت معنوياته».
إلى ذلك، ارتفعت أمس أعداد النازحين من الجانب الأيمن من الموصل منذ بدء العمليات العسكرية لتحريره في 19 فبراير (شباط) الماضي وحتى الآن إلى 100 ألف نازح. وأوضح وزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف، في بيان أمس، أن فرق الوزارة استقبلت أمس أكثر من 10 آلاف نازح من مناطق غرب الموصل: «وبهذا ترتفع أعداد النازحين منذ انطلاق عمليات تحرير الجانب الأيمن (الغربي) من الموصل وحتى الآن إلى 99852 نازحا». وأوضح أن النازحين نقلوا إلى مخيمات الوزارة في جنوب الموصل وشمال تكريت ومحافظات الإقليم.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.