«الشرعية» تسعى لتأسيس جيش وطني خال من الحزبية والمناطقية

ميليشيات الحوثي وصالح دمرت مؤسساته

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى تخريج إحدى دفعات الجيش (سبأ)
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى تخريج إحدى دفعات الجيش (سبأ)
TT

«الشرعية» تسعى لتأسيس جيش وطني خال من الحزبية والمناطقية

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى تخريج إحدى دفعات الجيش (سبأ)
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى تخريج إحدى دفعات الجيش (سبأ)

تسعى الحكومة اليمنية الشرعية إلى بناء جيش وطني مهني، من خلال وضع عقيدة عسكرية للجيش مستمدة من مبادئ الدستور الجديد، يكون فيها ولاؤه لله ثم الوطن، وتحترم فيها القوات المسلحة حقوق وحريات الإنسان، والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي لا تمس بالسيادة الوطنية؛ وفقاً للدستور.
وبدأ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فعلياً في وضع نواة الجيش الوطني الجديد بعد تحرير العاصمة المؤقتة عدن، العام الماضي، من خلال دمج عناصر المقاومة الشعبية في أجهزة الجيش والأمن، وتسجيلهم بناء على معايير مهنية عالية بعيداً عن الولاءات القبلية أو المناطقية أو الدينية، وانخراطهم مباشرة في عمليات تدريب محترفة.
وتنص مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل التي توافقت عليها جميع الأطراف اليمنية، على أن القوات المسلحة ملك الشعب، ومهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها، ووحدة وسلامة أراضيها، وسيادتها، ونظامها الجمهوري، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويحظر على أي فرد أو هيئة أو حزب أو جهة أو جماعة أو تنظيم أو قبيلة إنشاء أي تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية تحت أي اسم.
وأوضح رئيس هيئة أركان الجيش اليمني اللواء محمد علي المقدشي، في تصريحات سابقة، أن العمل يجري حالياً لتأسيس جيش وطني جديد على أسس وطنية بعيداً عن الفساد والمحسوبية، مشيرا إلى أن الجيش تعرض لخيانة كبيرة من الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح خلال الأعوام الماضية.
وأضاف أن انقلاب الحوثيين تسبب في تدمير الجيش اليمني بصورة كاملة، ولذلك يجري حالياً إعادة بناء جيش وطني من الصفر، يدين بالولاء لله ثم الوطن، وليس لأشخاص أو قيادات عسكرية.
وتقضي مخرجات الحوار الوطني كذلك، بإنشاء مجلس أعلى للدفاع الوطني والأمن القومي، يختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، وإعداد الاستراتيجيات، والآليات اللازمة، والسياسات، لمواجهة التهديدات الخارجية، والتحديات الداخلية، ورسم السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، كما يختص المجلس بإقرار استراتيجيات وخطط تحقيق الأمن والسكينة العامة، ومواجهة حالات الكوارث والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومي.
ووفقاً لمخرجات الحوار الوطني، فإن الرئيس اليمني في النظام الرئاسي، أو المختلط، أو رئيس الوزراء في النظام البرلماني، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو من يعلن الحرب، والتعبئة العامة، بعد مصادقة السلطة التشريعية، كما أن وزارة الدفاع هي المسؤولة عن القوات المسلحة أمام الشعب، وأمام سلطات الدولة.
ويعد منصب وزير الدفاع منصباً سياسيا، ويعين من يشغله، من قبل رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي أو المختلط، أو من قبل رئيس مجلس الوزراء في النظام البرلماني، بحسب ما تقضيه المصلحة العامة للوطن، ورئيس هيئة الأركان العامة هو القائد العسكري للجيش.
ولتلافي الأخطاء السابقة، توافق اليمنيون على تحييد الجيش والأمن والمخابرات عن أي عمل سياسي، بما في ذلك أن يحظر عليهم المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات سواء بالاقتراع أو الترشح، أو القيام بحملات انتخابية لصالح أي من المرشحين فيها، حماية لهم من أي اختراق سياسي.
كما تم تجريم ممارسة العمل الحزبي لمنتسبي القوات المسلحة والأمن والمخابرات وتجريم أي نشاط لصالح أي حزب سياسي، أو تنظيم أو جماعة سياسية في أوساط القوات المسلحة والأمن والمخابرات، ويحظر تسخير القوات المسلحة والمخابرات لصالح حزب، أو جماعة أو فرد، صيانة لها من التبعية، بكل صورها وأشكالها، والانتماءات الحزبية بأنواعها كافة، وذلك ضماناً لحياديتها واستقلالها، ويحدد القانون أقصى العقوبات لذلك، ومنها الطرد من الخدمة والتجريد من الرتبة العسكرية.
كما لا يحق مطلقاً لرئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس السلطة التشريعية، ووزيري الدفاع والداخلية، ورئاسة المخابرات، تعيين أي من أقاربهم حتى الدرجة الرابعة، أو أصهارهم، في أي مناصب قيادية، في الجيش والأمن والمخابرات، طيلة مدة عملهم في تلك المناصب.
وضماناً لعدم نهب أسلحة الجيش، يجرّم الاتجار بالأسلحة والمتفجرات بمختلف أنواعها وأحجامها من قبل أي حزب، أو تنظيم، أو جماعة، أو قبيلة، أو فرد، كما يجرّم امتلاك أو حيازة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والمتفجرات.
وتحظر العقيدة العسكرية الجديدة للجيش اليمني، تجنيد الأطفال دون الثامنة عشرة، أو إشراكهم في النزاعات المسلحة، وتشدد على أن يتمتعوا بالحماية في أوقات الصراعات العسكرية والكوارث وحالات الطوارئ.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.