معارض هيئة الكتاب المصرية تمتد إلى المحافظات

ملصق معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
ملصق معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
TT

معارض هيئة الكتاب المصرية تمتد إلى المحافظات

ملصق معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
ملصق معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب

وسعت الهيئة المصرية العامة للكتاب من معارضها، فلم تعد مقصورة على معرض القاهرة الدولي للكتاب، بل امتدت هذه المعارض لتشمل عدداً من الأقاليم والجامعات المصرية.
الهيئة، التي تعد الماكينة الرسمية الأكبر للطباعة والنشر في البلاد، تهدف من خلال هذه المعارض إلى إيجاد نوافذ مهمة لنشر الثقافة والإبداع، وخلق مناخ للحوار بين الكتاب والنقاد والمثقفين حول شتى قضايا المعرفة والفن، وقضايا المجتمع أيضاً، بأصعدتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وفي الوقت نفسه، تسعى إلى تفتيت هيمنة العاصمة كمركز على مجريات الفعل الثقافي.
ويطمح مسؤولو الهيئة إلى أن تتسع مساحة هذه المعارض في السنوات القادمة، لتغطي معظم الأقاليم، خصوصاً في جنوب البلاد، لتصبح الثقافة في متناول الجميع، وبأسعار زهيدة، مقارنة مع دور النشر الخاصة،
في سياق هذا الطموح وبمشاركة نحو 70 ناشراً انطلقت قبل أيام النسخة الثالثة من معرض الشيخ زايد للكتاب بمدينة 6 أكتوبر تحت رعاية وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وجامعة القاهرة. واتحاد الناشرين المصريين. وعلى مدار عشرة أيام في الفترة من 1 إلى 11 مارس (آذار) الحالي، شهد المعرض عدداً كبيراً من الفعاليات الفنية والثقافية المتميزة، بالإضافة لعدد من العروض المسرحية والسينمائية والحفلات الغنائية وفرق الفنون الشعبية، وعروض الكارتون للأطفال، فضلاً عن عدد من ورش العمل في مجالات علم النفس والرسم والتلوين.كما شهد مشاركات متميزة لنخبة من الكتاب والشعراء، في عدد من الأمسيات الشعرية.
وافتتح يوم الخميس الماضي الكاتب الصحافي حلمي النمنم وزير الثقافة، والمهندسة نادية عبده، محافظ البحيرة، ودكتور هيثم الحاج رئيس هيئة الكتاب فعاليات الدورة الثانية لمعرض دمنهور للكتاب بمحافظة البحيرة. يشارك في المعرض 50 دار نشر منها قطاعات وزارة الثقافة، وعدد من دور النشر الخاصة، ويضم جناح هيئة الكتاب أحدث إصداراتها بمختلف المجالات والسلاسل الأدبية والعلمية بتخفيضات تصل 20 في المائة، بالإضافة إلى كتب مكتبة الأسرة، وكتب الأطفال، وجناح الكتب المخفضة التي يصل سعر الكتاب فيها إلى جنيه واحد.
وتستعد مكتبة الإسكندرية لانطلاق «معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب» بالاشتراك مع الهيئة المصرية العامة للكتاب في الفترة من 23 مارس وحتى 4 أبريل (نيسان). ويستضيف المعرض إيطاليا كضيف شرف هذا العام، ويشارك فيه عدد من الدول العربية، منها الكويت والسعودية والإمارات، ومن المقرر أن يشهد المعرض عدداً من الفعاليات الثقافية والفنية المتنوعة.



تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين
TT

تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين

أحلم بسوريا جديدة تُعاد صياغتها على أسس المواطنة الحقيقيّة، حيث ينتمي الفرد إلى الوطن لا إلى طائفة أو عرق أو حزب... أتوق إلى وطنٍ لا يُجرّم فيه الحلم، ولا يُقمع فيه الاختلاف، وطنٍ يكفل لكلّ فرد حقّه في التعلم بلغته الأم، وفي التعبير عن هويّته وثقافته من دون خوف أو وصاية أو إنكار.

أحلم بسوريا تصان فيها الحريات العامّة، حيث يصبح احترام حرّية الرأي والتعبير قانوناً لا شعاراً أجوفَ، وحيث يُحمى المواطن لا أن يُساق إلى السجون أو المنافي لمجرّد مطالبته بحقوقه. سوريا التي أتمنّاها هي التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، حيث لا تفضيلات ولا محسوبيات، لا فساد ينهش موارد البلاد ولا استبداد يدمّر مستقبلها.

أحلم ببلد يُدار بقوانين عادلة مستمدّة من حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، لا بقرارات فردية تُصادر الحياة برمّتها؛ حيث سيكون لكلّ فرد حقّه في التعلم والعمل والتعبير عن رأيه، وستُحترم لغات السوريّين وثقافاتهم كما تُحترم حياتهم. لن يُضطهد الكرديّ بسبب لغته، ولا أيّاً كان بسبب اختلافه أو رأيه أو معتقده، ولن يُنظر إلى الأقلّيات وكأنّها مُلاحقةٌ في وطنها، لن يكون هناك من فرق بين سوريّ وآخر. سوريا التي أنشدها ستُعيد الاعتبار إلى حقوق الجميع من دون تمييز، بحيث تُعتبر الحقوق واجبات تضمنها الدولة وتحميها.

أحلم أن تكون سوريا ما بعد الاستبداد دولة القانون والمؤسّسات، لا الفوضى والاستئثار بالسلطة. دولة تكفل لمواطنيها حرّية الاختيار وحرّية النقد، وتتيح لهم المشاركة الفاعلة في صنع مستقبلهم. لا أريد أن تُستبدل ديكتاتورية بأخرى، ولا أن يُعاد إنتاج التهميش تحت مسمّيات جديدة. أريد لوطني أن يتخلّص من إرث الديكتاتوريّة والعنف، وأن ينطلق نحو حياة كريمة يعلو فيها صوت الإنسان فوق أصوات السلاح والتناحر.

أحلم بسوريا تتجاوز «ثأراتها» التاريخية، سوريا التي تتصالح مع ماضيها بدل أن تعيد إنتاجه، فلا يكون فيها مَن يتسلّط على قومية أو لغة أو مذهب، سوريا التي تُبنى بالشراكة لا بالإقصاء.

سوريا التي أنشدها هي تلك التي لا تُعامل فيها لغة على أنّها تهديد للدولة، ولا يُعتبر فيها الكردي أو الأرمني أو الآشوري أو أي أحد آخر ضيفاً في أرضه.

لقد حُرمنا لعقود طويلة من التعلّم بلغتنا الكردية، ومن كتابة أحلامنا وهواجسنا بتلك اللغة التي نحملها بصفتها جزءاً من كينونتنا. لا أريد أن يُحرم طفل سوري - أياً كان انتماؤه - من لغته، لا أريد أن يُضطرّ أحد إلى الانكماش على ذاته خوفاً من رقابة السلطة أو وصاية المجتمع.

لا أريد أن تُلغى الذاكرة الكردية أو تُهمّش، بل أن تُعاد إليها قيمتها من دون مِنّةٍ أو مساومة، أن تُعاد اللغة إلى أصحابها الحقيقيِّين، أن تُدرَّس الكردية والعربية والآشورية وغيرها من اللغات في سوريا، وأن تكون كلّ لغة جسراً للمحبّة لا سلاحاً للتمييز.

أحلم بوطن تُرفع فيه المظالم عن كواهل السوريّين، فلا أرى مشرَّدين بين الأنقاض، ولا أسمع أنين أمّهات يبحثن عن جثامين أبنائهنّ المفقودين في كلّ مكان.

أحلم بوطن يتنفّس أبناؤه جميعاً بحرّيَّة، وطن يضمّد جراحه التي خلّفتها أنظمة الاستبداد، ويُفسح مكاناً للكرامة والحرية لتكونا أساسَين صلبَين لعقد اجتماعيّ جديد.

آمل أن تكون سوريا الناهضة من ركام نظام الأسد - الذي أعتبره تنظيماً مافيوياً لا غير - فضاءً يتّسع لاختلافنا. أن نستطيع العيش بوصفنا مواطنين كاملين، لا غرباء في أرضنا.

ولا يخفى على أحد أنّه لا يمكن بناء سوريا جديدة دون مواجهة الماضي بشجاعة وشفافية. العدالة الانتقالية ستكون الخطوة الأولى نحو تضميد جراح السوريين، لا بدّ من محاسبة عادلة لكلّ من ارتكب انتهاكات في حقّ الإنسان والوطن.

في سوريا التي أحلم بها، ستكون الثقافة حرّةً ومستقلة، مسرحاً للحوار والاختلاف، وفسحة لتجسيد التنوع السوريّ بجماله وثرائه. أحلم بروايات ومسلسلات تُحكى بكلّ لغات سوريا، ومعارض فنية تعبّر عن هموم السوريين وأحلامهم، ومسرح يضيء بصدق على المآسي والأمل معاً. الثقافة ستصبح أداة بناءٍ لا هدم، وحافزاً لإعادة اكتشاف الهوية المشتركة.

أحلم بوطن يحترم يحترم المرأة كإنسان وكشريك فعّال في بناء الحاضر والمستقبل، حيث تكون القوانين الضامنة لحقوقها جزءاً أصيلاً من بنية الدولة الجديدة. المرأة السورية التي واجهت الحرب بصبرها وشجاعتها تستحقّ أن تكون في مقدمة صفوف التغيير والنهضة.

أحلم بدولة تُوظّف مواردها لخدمة المواطنين، وتعتمد على طاقات الشباب والكفاءات السورية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تعيد الأمل وتكفل حياة كريمة للجميع. أحلم بوطن يعيد احتضان أبنائه المهاجرين المتناثرين في الشتات، ويفتح لهم أبواب المشاركة الفاعلة في إعادة البناء.

سوريا التي أحلم بها هي وطن يليق بتضحيات شعبها، وطن تتجلّى فيه القيم الإنسانية العليا، ويُعاد فيه الاعتبار إلى العدل والحرية والسلام.

كروائيّ تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه، وحُرم معي ملايين من السوريين من أبسط حقوقهم في الوجود، من حرية اللغة، والهوية، والانتماء الذي لم يكن يوماً خياراً، بل قيداً مفروضاً.

قد تبدو أحلامي رومانسيّة وبعيدة المنال، لكنّ الأحلام هي بذور المستقبل، وهي الأسس التي سنبني عليها غدنا المنشود.

هل سيظلّ هذا كلّه حلماً مؤجّلاً؟ ربّما. لكن، على الأقلّ، صار بإمكاننا كسوريّين أن نحلم!

* روائي سوري