الجنرال مارك كيميت: ترمب يدرك خطورة التأثير الإيراني {المؤذي} في الخليج

المستشار الأميركي السابق لرامسفيلد وغيتس قال لـ«الشرق الأوسط» إن قرار أوباما الانسحاب من العراق أوجد «داعش»

الجنرال مارك كيميت: ترمب يدرك خطورة التأثير الإيراني {المؤذي} في الخليج
TT

الجنرال مارك كيميت: ترمب يدرك خطورة التأثير الإيراني {المؤذي} في الخليج

الجنرال مارك كيميت: ترمب يدرك خطورة التأثير الإيراني {المؤذي} في الخليج

الجنرال الأميركي مارك كيميت، المهتم بشؤون الشرق الأوسط، الأمنية والعسكرية، لا يهدأ في تحركاته... يظل متنقلاً ما بين واشنطن (مقره)، ودول الشرق الأوسط الكبير.
وفي حواره مع «الشرق الأوسط» أعطى توقعاته عما جرى في لقاء رؤساء الأركان الأميركي والروسي والتركي، الذي عقد قبل أيام في أنطاليا، واستحوذ على الأنظار. فالجنرال الأميركي، الذي عمل مساعدا لوزيري الدفاع السابقين دونالد رامسفيلد وروبرت غيتس، وكان مساعدا لوزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس للشؤون العسكرية والسياسية، قال إن «التركيز يجب أن يكون على قتال (داعش)». ورأى أن الحل في سوريا سيكون دبلوماسيا، ولم يستبعد احتمال وجود مجالات للتعاون بين الأميركيين والروس، وأن الطرفين يدركان ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد «ربما ليس فوراً»؛ من أجل التحرك في المصالحة السورية وإنهاء النزاع. وشدد كيميت على أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تؤكد باستمرار على خطورة التأثير الإيراني «المؤذي» في منطقة الخليج، وأنها لن تقبل أي خرق لقرارات مجلس الأمن الدولية، وأنه إذا ظلت إيران تحاول اختبار المصالح الأميركية في الخليج فسوف «تسمح الولايات المتحدة، وبشكل دائم لسفنها وقواتها بحق الدفاع عن النفس».
وتحدث الجنرال كيميت، الذي قاد قوات أميركية في العراق والبوسنة وكوسوفو، وكان ناطقاً باسمها في العراق، عن «الاتفاق الاستراتيجي» بين واشنطن وبغداد الذي يغطي القضايا الأمنية وتبادل المعلومات، ورأى أن هدف الولايات المتحدة من زيادة عدد قواتها في العراق هو لتصحيح الأضرار الكبيرة التي وقعت في عهد الرئيس باراك أوباما، عندما «وعن قصد انسحب من العراق».
* التقى رئيس الأركان الأميركي الجنرال جوزيف دانفور نظيريه الروسي والتركي لبحث قتال كل المنظمات الإرهابية في سوريا، فما كانت نتائج المحادثات بالنسبة لاتفاقهم عسكرياً، وهل كان إرسال جنود المارينز جزءاً من تلك المباحثات؟
- أولا، لم يتم الكشف عن تفاصيل ذلك اللقاء، ما أتوقع أنهم اتفقوا أو اختلفوا حوله، ثلاثة أمور.
أولا: تعريف المجموعات الإرهابية مقابل مجموعات المعارضة؛ إذ يقول الروس منذ فترة ويتصرفون على أساس، أن كل مجموعة تعارض نظام الأسد، بغض النظر عما إذا كانت من المعارضة أو من الإرهابيين، إنما هي مجموعة إرهابية ويجب استهدافها. آمل أن يكونوا توصلوا إلى حل حول هذا.
الأمر الثاني، الذي أتمنى أن يكونوا توصلوا إلى اتفاق حوله، هو فض النزاعات الأساسية التي قد تحدث، وهم يتحركون عسكرياً بالقرب من بعضهم بعضا.
التركيز يجب أن يكون على قتال «داعش»، وأي حوادث جوية أو على الأرض من المحتمل أن تحول التركيز أو تتسبب في مشكلات ما بين الحلفاء بدل قتال «داعش».
الأمر الثالث، الذي أعتقد أنهم اتفقوا حوله، هو اعترافهم بأن الحل العسكري ليس بالحل الوحيد، وفي الواقع ليس أبدا بالحل، وأن العمليات العسكرية هي وسيلة للوصول إلى النهاية، والنهاية هي حل دبلوماسي، وليس عسكرياً.
* مسؤول تركي قال إن اللقاء قد يغير الصورة كلها. لكن يبدو أن الجنرال دانفور لم يستطع إقناع الطرف التركي بألا حاجة إلى لقوات التركية في الرقة؛ لأن وزير الخارجية التركي قال لاحقاً إن بلاده ستواصل القتال حتى تحرير منبج!
- هناك مسألتان تبعثان على القلق. أولا كان هناك اتفاق في ظل عملية «درع الجزيرة»، بأن القوات الكردية ستبقى شرق الفرات، ومنبج هي على الجانب الغربي من الفرات، ومع أن القوات الكردية انسحبت من غرب الفرات، فإن الأتراك ما زالوا مهتمين بأن الذين ظلوا في منبج، مثل المجلس العسكري يمثل القوات الكردية العسكرية. لذلك؛ أعتقد أن هذه المسألة لم يتم الاتفاق حولها بين رؤساء الأركان الثلاثة. يضاف إلى ذلك، أنه في ظل التفاهم حول عملية «درع الفرات»، فإن على القوات التركية أن تبقى غرب الفرات، ومن الواضح أن أغلب الرقة تقع شرق الفرات. وأعتقد أن القوات الأميركية تشعر بأن القوات التركية يمكن أن تساعد بعزل أي قوة تحاول الهرب من الرقة باتجاه الغرب. وحسب معرفتي، فإن الأميركيين ما زالوا يتفهمون بأن أي هجوم على الرقة من الشرق ستشارك فيه قوات كردية.
* هل تعتقد أن إرسال قوات المارينز جرى بحثه خلال ذلك اللقاء؟
- أعتقد أن هناك مفهوماً عاماً لدى كل الأطراف، بأن وجود مساعدة أميركية عسكرية إضافية في التحضير للهجوم على الرقة سيكون عامل مساعدة ضرورياً. لن يتم نشر قوات المارينز الأميركية على الخطوط الأمامية، بل دعم إضافي من سلاحي الجو والمدفعية، ولن تكون القوات الأميركية في الخطوط الأمامية.
* هل تتحمل الولايات المتحدة الأميركية توتير العلاقة مع تركيا، خصوصاً الآن مع معارك الرقة والموصل؟
- حسب اعتقادي، هناك علاقة إيجابية طويلة مع تركيا على مستويات عدة. في النواحي التي أنا على دراية عميقة بها، أي الناحية العسكرية، فإن تركيا كانت حليفاً قوياً لسنوات وسنوات في ظل شراكتنا في الحلف الأطلسي. خدمت جنباً إلى جنب معنا في أفغانستان، وفي البوسنة، وأعتقد أن من الأسباب الكثيرة التي تدفع الولايات المتحدة إلى التواصل مع تركيا عسكرياً، هي لتحاول التوفيق بين الخلافات التي عانت منها الدولتان في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما.
* بعدما رفع الرئيس دونالد ترمب اسم العراق من دول الحظر، قال الناطق باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد جمال، إن هذه الخطوة «ستعزز وتقوي التحالف الاستراتيجي بين الدولتين»... إلى أي مدى يصل هذا التحالف، وهل هو موقّع عليه بين الدولتين؟
- بالتأكيد، بصفته جزءا من مفاوضات عام 2008 مع الحكومة العراقية، لإنشاء اتفاقية وضع القوات، تم الاتفاق على إطار اتفاق استراتيجي يغطي الأمور الأمنية، وأنواعا أخرى من تبادل المعلومات بين الولايات المتحدة والعراق، وأعتقد أن ما أشار إليه الناطق باسم الخارجية العراقية، أن خطوة رفع العراق من لائحة الدول المحظورة من السفر إلى أميركا، تؤكد وتقوي الاتفاق الاستراتيجي بين الدولتين.
* يقول بعض المراقبين إن إيران قلقة من الوجود الأميركي في العراق، وأنها لا تثق في رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي سيزور واشنطن قريباً. هل ترى تضاؤلاً للنفوذ الإيراني في العراق؟
- لا أعتقد أن الإيرانيين يجب أن يقلقهم الوجود الأميركي في العراق. إننا نعمل المجهود نفسه إنما بخطين متوازيين. وهدف الولايات المتحدة من زيادة عدد قواتها في العراق، هو لتصحيح الأضرار الكبيرة التي وقعت في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عندما، وعن قصد، انسحبت أميركا عام 2011 من العراق؛ ما أدى إلى دخول «داعش» إلى البلاد. الولايات المتحدة هنا تساعد حليفاً، ثم إن للولايات المتحدة وإيران، رغم أنهما لا يعملان معاً، هدفا مشتركا، وهو إلحاق الهزيمة بـ«داعش». لا تخطط الولايات المتحدة لاستعمار العراق، لكن يبقى العراق حليفاً قوياً، ورئيس الوزراء عبادي يعترف بالتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وبالجيرة الجغرافية التي لديه مع إيران.
* هل الإدارة الجديدة تنتظر بتوقٍ لاستقبال رئيس الوزراء عبادي، أم أن الزيارة ستكون رسمية وعادية؟
- سأنتظر لأرى، لكن آمل أن يعتبر اللقاء من أعلى المستويات بين شريكين مهمين، وآمل أن تتوفر الفرصة لرئيس الوزراء عبادي ليجلس مع الرئيس ترمب ويبحثان مسائل ذات اهتمامات مشتركة. سنرى.
* مع احترامي لكل ما قلته، إلا أن الولايات المتحدة كانت تخسر حرب النفوذ السياسي في العراق لمصلحة إيران. فهل تتغير المعادلة الآن مع الرئيس ترمب؟
- أنا لا أختلف معك إطلاقاً حول هذه النقطة. على العكس أتفق في هذه النقطة؛ إذ عندما أدارت الولايات المتحدة ظهرها للعراق وسحبت قواتها عام 2011، وتوقفت عن التواصل حول القضايا المهمة، تساءل العراقيون «ماذا حصل مع حلفائنا؟»... وأعتقد أنه مع إدارة الرئيس ترمب، فإنها ستستمر في تقوية «اعتراف اللحظة الأخيرة» من قبل إدارة أوباما حول تقوية العلاقات الأميركية – العراقية. وأعتقد أن رفع العراق من لائحة الدول الممنوعة، كما يقول الكثيرون هنا، هو تأكيد على العلاقات القوية التي تربطنا مع العراق. ولنكن واضحين، فإن الدول التي وضعت على لائحة الممنوعين من السفر إلى أميركا، هي الدول التي كانت حددتها إدارة أوباما، وأعتقد أنه بعد اعتبارات دقيقة من قبل الحكومة الأميركية، أدركوا أنه من المهم جداً أن تبقى أميركا حليفة للعراق؛ لأن منع السفر كان يمكن أن يضر بالعلاقات الثنائية.
* هل يمكن أن يلعب العراق في المستقبل القريب، دور وسيط بين الولايات المتحدة وإيران؟
- هذا سؤال يجب أن يوجّه إلى العراق. أعتقد أنه يريد أن يرى الدولتين، شريكه الاستراتيجي وجاره الجغرافي– وسيكون من الإيجابي له– أن تكون هناك علاقات قوية بين الدولتين. لكن هذا قرار على العراقيين اتخاذه، وليس على الأميركيين أو الإيرانيين ذلك.
* لكن، هل الأميركيون مستعدون أن يطلبوا من العراق أن يلعب هذا الدور؟
- لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال. ليس لدي اتصال مباشر مع الإدارة الجديدة في هذا المجال كي أكون قادراً على الإجابة.
* إذا اقترح العراق أنه على استعداد للقيام بهذا الدور؟
- لا جواب لدي، لست مسؤولاً في الحكومة، لكن أجيب بصفتي مواطنا أميركيا بأن عليّ أن أدرس جيداً البنود التي سيأتي بها الإيرانيون إلى طاولة المفاوضات. لكن، أعتقد أنه ليس هناك أعداء دائمون للولايات المتحدة، لكن لدينا فروقات ملحوظة في المصالح ووجهات النظر بيننا وبين الجمهورية الإيرانية.
* ما مدى القوة التي ستتعامل بها إدارة الرئيس ترمب مع إيران بسبب تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهل تعتقد بأن إيران ستعتاد على العيش داخل حدودها؟
- في ظل إدارة ترمب، التأكيد مستمر على خطورة التأثير الإيراني المؤذي في منطقة الخليج، وخطورة الأذى الإيراني على حلفائنا الاستراتيجيين. وأعتقد أن بيان مستشار الأمن القومي الأميركي، عندما جربت إيران صواريخها في الخليج، كان إشارة واضحة للحكومة الإيرانية، بأن على مستوى استراتيجي، فإن الولايات المتحدة الأميركية لن تقبل أي خرق لقرارات مجلس الأمن الدولية، وأعتقد أن الولايات المتحدة كانت واضحة في التعبير عن أن نفوذ إيران المؤذي في الخليج لن يساعد إطلاقاً على الاستقرار والسلام.
* لم يتم اختبار إيران عسكرياً على مستوى عملي كبير، لكننا لاحظنا مؤخراً أنها تتحدى الإدارة الجديدة بمحاولات صغيرة. ما الخطوط الحمراء لإيران؟
- أعلنت الولايات المتحدة أنها وضعت خطوطاً حمراء لإيران على مستوى استراتيجي بالنسبة لتجارب إيران على الصواريخ الباليستية. وأعتقد أن محاولات الاختبار الصغيرة للمصالح الأميركية في الخليج إن استمرت، وأصبحت لافتة أكثر، فأظن أن الولايات المتحدة، ستسمح دائماً لسفنها ولقواتها بحق الدفاع عن النفس.
* يدرس البيت الأبيض تفويض سلطات أوسع للبنتاغون للقيام بعمليات لمكافحة الإرهاب. وإذا كان لوزير الدفاع جيم ماتيس حرية التحرك لشن هكذا عمليات، من دون العودة إلى البيت الأبيض، هل يعني هذا أن الخطط موضوعة وجاهزة في الأصل؟
- بكل تأكيد، أن المخططين العسكريين عندنا يمضون وقتهم كله يعدون خططاً لا تحصى لحالات الطوارئ. لدينا ثقة عميقة بالمخططين العسكريين في البنتاغون. لكن عما إذا كانت هذه الخطط ستؤدي إلى قرارات لتنفيذها؟ يبقى القرار بيد البنتاغون، ولا أرغب في التخمين.
* ما استراتيجية الإدارة الجديدة لهزيمة «داعش»، ونرى «داعش» الآن يتمدد نحو أفغانستان والهند؟
- كما تم الإعلان عنه، أعطى الرئيس ترمب البنتاغون فترة 30 يوماً لهزيمة «داعش»، تم تقديم الخطة، والبيت الأبيض راجعها، أتوقع أن أرى خطة أكثر شمولاً لهزيمة «داعش»، تذهب أبعد كثيراً من خطة زمن أوباما. وأعتقد أن هذه الخطة ستركز أكثر على توجه شامل، لا يكون فقط عسكرياً، بل كل عناصر القوة الأميركية.
* لكن لا يمكن هزيمة آيديولوجية غير معروفة؟
- أتفق معكِ؛ لهذا قلت إن التوجه سيكون أكثر شمولية لهزيمة «داعش» ومن دون شك أن إحدى المسائل التي يجب التعاطي معها هي الآيديولوجية؛ إذ لا يمكن هزيمة أي عدو من دون هزيمة آيديولوجيته.
* لكن لا أحد يدرك هذه الآيديولوجية؟
- هذا صحيح؛ ولهذا السبب يجب أن يكون الجهد عالمياً، لا يستدعي فقط الخبرة الأميركية، بل خبراء من كل العالم.
* بعد معركة الموصل، هل تعتقد أن العراقيين سينقلبون على بعضهم بعضا؛ لأن لا ثقة بينهم؟
- أظن أن رئيس الوزراء عبادي يبذل أقصى ما يستطيع ليضمن أن العلاقات بين مختلف القوى، لا تؤدي إلى الوضع الذي وصفتِه. هناك الكثير من القضايا التي سيكون حولها خلافات، الأمر يحتاج إلى قيادة قوية، على كل المستويات ولدى كل القوى لمنع ذلك من الحدوث.
* كنت في العراق مؤخراً، هل تعتقد أن التوتر عميق جداً وخطير بين الأكراد والشيعة مثلاً، وبين الشيعة والسنة وبين الشيعة أنفسهم؟
- لا أعتقد أن الخلافات لا يمكن حلها إنما أظن أنه بعد معركة الموصل هناك أسئلة تتطلب الإجابة حولها وحلها، مثلاً الأراضي التي جرى احتلالها من قبل مختلف المجموعات من أجل هزيمة «داعش»؛ فالأكراد نزلوا من حدودهم التقليدية وهذا مفهوم، وهناك أسئلة عما سيحصل مع الميليشيات الشيعية والسنية بعد الموصل، هل ستبقى موجودة أم أنها ستنسحب من المنطقة. هناك أسئلة عما إذا كانت الميليشيات ستسلم أسلحتها وتعود وتندمج في المجتمع. هناك الكثير من الأمور التي يجب معالجتها.
* وتحتاج إلى حل؟
- يجب طرحها ودراستها وحلها.
* يقول الفرنسيون إنه من الصعب الإبقاء على سوريا دولة موحدة، ويقول الروس إنهم يعملون على إبقاء سوريا موحدة وعلمانية. ماذا يريد الأميركيون؟
- لا أستطيع أن أقول لكِ ما تريده الولايات المتحدة، إنما وجهة نظري الشخصية: لقد رأينا دولا عدة تتقسم في السنوات الماضية. بعضها نجح جداً، وبعضها لم ينجح، كما يحصل في جنوب السودان الآن. لذلك؛ علينا أن نكون جداً حذرين ونحن نفكر بالخيارات أمام سوريا. لا يمكن أن يكون الخيار وببساطة قرارا من المجموعة الدولية، بل يجب أن يتخذ القرار الشعب السوري.
* بمن فيه اللاجئون؟
- اللاجئون مواطنون سوريون؟
* سيكون الأمر صعباً؟
- لهذا السبب بالذات، يكون التدخل الدبلوماسي والعمل سيكون صعباً، ونحتاج إلى أن يبدأ. لأنه يجب ألا نفاجأ بعد رحيل نظام الأسد، بأن علينا أن نبدأ التخطيط.
* أشرت إلى رحيل نظام الأسد. بعد تنصيب الرئيس ترمب، كان الاتجاه باحتمال تعاون ما بين روسيا والولايات المتحدة، وإعادة تأهيل الرئيس الأسد، هل ما زال هذا الاتجاه قائماً؟
- لا أوافق على الشق الثاني من السؤال، أوافق على احتمال وجود مجالات للتعاون ما بين الأميركيين والروس لحل المشكلة، وأعتقد أن الطرفين يدركان أن على الرئيس الأسد المغادرة، ربما ليس فوراً، إنما عليه الرحيل؛ للتحرك في المصالحة قدماً من أجل القرار النهائي عما سيحصل في سوريا.
* هل يمكن إقناع الروس والإيرانيين بأن الأسد لن يكون رجلهم في المستقبل؟
- عليك أن تسألي الروس والإيرانيين.
* مؤخراً، صار هناك تحرك خليجي؛ إذ قدمت دول مجلس التعاون الخليجي مبادرة لاستتباب الاستقرار في المنطقة. وزير خارجية الكويت حمل إلى طهران هذه المبادرة. وكان الرد الإيراني: سندرس. ما رأيك؟
* أنا سعيد على مستويين: أنا سعيد لرؤية دول التعاون الخليجي تتولى القيادة في هذا المجهود؛ لأن هذا لا يمكن فرضه من الخارج. وأنا أيضا، متفائل بحذر، لأن الإيرانيين لم يرفضوا المبادرة. لننتظر ونرَ ما سيخرج من ذلك؛ لأن كل الأطراف تدرك خطورة بقاء العداوة ما بين دول مجلس التعاون الخليجي والحكومة الإيرانية.
* إنما الرد كان فاتراً؟
- لكنه كان رداً ولم يكن رفضاً صريحاً كما كان يحدث في الماضي.
* بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى مسقط والكويت، زار وزير خارجيته محمد جواد ظريف قطر. لكن، حتى الآن، نشعر بأنه رغم المبادرة فإن دول الخليج لا تثق في نيات إيران؟
- أتفق حول ذلك، والدعوة إلى المحادثات هي بسبب عدم وجود الثقة، وبالتالي أصبح لزاما عليهم جميعاً، بدل الجلوس والقبول بعدم وجود ثقة، أن يبحثوا عما إذا كانت هناك أسس لبدء الحوار مع بعضهم بعضا. وهنا، أقول إن على الإيرانيين أن يظهروا استعدادهم للجلوس مع دول مجلس التعاون الخليجي، ويواجهوا القلق الذي تشعر به هذه الدول.
* بعض المراقبين السياسيين يقولون إن إيران حوّلت اليمن إلى ساحة اختبار لمختلف أنواع الأسلحة، وقال عبد المالك الحوثي، زعيم الحوثيين، إنهم بدأوا في تصنيع طائرات من دون طيار وصواريخ أرض – جو... هل ستقبل الولايات المتحدة بذلك، وكيف تقرأ نيات إيران عبر اليمن؟
- لقد رأيت هذه التقارير، لكنني لا أعرف كيف أتت هذه المعلومات ولماذا؟ كل واحد يريد أن يرى حلاً سلمياً لليمن، لكن هذا يعود إلى النقاط التي أثارتها أسئلتك الأولى والنفوذ المؤذي لإيران في المنطقة، وهذا دليل على أن الإيرانيين لا يبحثون عن السلام في المنطقة، بل يرغبون في توسيع نفوذهم المؤذي.
* هل ترى حرباً إسرائيلية – إيرانية في الشرق الأوسط؟
- عليك أن تسألي الإيرانيين والإسرائيليين، ليس لدي وجهة نظر خاصة حول الأمر.

* لكن لاحظنا التهديدات التي تدفع بها إيران عبر أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، بالتهديد بقصف مفاعل ديمونة ومنشأة الأمونيا في حيفا، والتحضير لمجموعة قتالية لتحرير الجليل، وكأن هناك ما تعمل عليه إيران، فهل يتحمل الشرق الأوسط حرباً أخرى؟
- رأينا خلال السنوات الخمسين الماضية، أن قليلاً يمكن حله عبر القوة العسكرية، وهي حالات استثنائية. أعتقد أن حرباً جديدة في الشرق الأوسط لا تخدم أحداً، وبالذات إذا وقعت بين دولتين تملكان قوة ملحوظة.
* لم تجبني كيف يمكن إقناع إيران بالبقاء ضمن حدودها؟
- لم أجبك؛ لأنه ليس عليّ أن أجيب، بل على الإيرانيين أن يجيبوا.
* ألا تستطيع المجموعة الدولية فعل أي شيء؟
- الأمم المتحدة كانت واضحة عبر قرارات مجلس الأمن المتعلقة بنظرة دول الأمم المتحدة، إلى أين تقع الخطوط الحمراء في وجه إيران بالنسبة إلى البرنامج النووي.
* لكن بالنسبة إلى تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن...
- كما قال الكثيرون، إن القلق لم يعد في المنطقة من الهلال الشيعي، بل إن التطويق الشيعي هو ما صار يدعو للقلق في المنطقة. على كلٍ، أنا أتمنى رؤية شرق أوسط لا يحاول إيجاد حلول لمشكلاته عبر القوة أو النفوذ المؤذي أو التهديد النووي.
* لروسيا قاعدة عسكرية بحرية في طرطوس في سوريا، والآن بدأت الصين في بناء أول قاعدة خارجية لها في جيبوتي. هل يعني هذا أن روسيا تحاول تطويق المصالح الأميركية في الشرق، والصين ستفعل الشيء نفسه في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا؟
- لسنوات طويلة توجد للروس هذه القاعدة داخل طرطوس، أما الصينيون الذين شاركوا لأول مرة في عمليات خارج حدودهم، عندما انضموا إلينا في العمليات لمكافحة القرصنة، فإنهم من الواضح يحاولون توسيع اهتمامهم، وعلينا أن نعرف لاحقاً عما إذا كانت هذه المصالح اقتصادية أم محاولة من الصين لتمديد نفوذ مؤذٍ في المنطقة. أعتقد أنه مع الصينيين يجب أن ننتظر ونرى. أما بالنسبة إلى القاعدة في جيبوتي فسنرى ماذا ستكون عليه.
* لكن أميركا فوجئت عندما انتهت الصين من بناء الجزر الاصطناعية الست في بحر الصين، وقد تفاجأون لاحقاً بأن قاعدة جيبوتي هي قاعدة عسكرية؟
- أعتقد أننا نراقب الوضع عن كثب.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.