أدباء مصريون: لغة الرواية هي التحدي الأكبر أثناء الكتابة

في ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة

أدباء مصريون: لغة الرواية هي التحدي الأكبر أثناء الكتابة
TT

أدباء مصريون: لغة الرواية هي التحدي الأكبر أثناء الكتابة

أدباء مصريون: لغة الرواية هي التحدي الأكبر أثناء الكتابة

هل يفضل القراء الروايات المكتوبة بالفصحى أم المكتوبة بالعامية؟ وأيهما الأفضل للروائي كي ينسج بها الأحداث أو يقص بها الحوار بين شخوصها؟ حول «لغة الرواية» أقام المجلس الأعلى للثقافة الندوة الثانية من سلسلة قضايا أدبية التي تنظمها لجنة القصة ومقررها الروائي يوسف القعيد. أدارت الندوة الكاتبة سلوى بكر، وتحدث خلالها الروائيون محمد قطب، وحيد الطويلة، جمال مقار، والناقد ربيع مفتاح حول تجاربهم الإبداعية ولغة نصوصهم.
يرى الروائي محمد قطب أن أكبر إشكالية تتمثل في «لغة الحوار» في الرواية، لأن نوعية وطبيعة الشخصيات الروائية تختلف من رواية إلى أخرى، لافتاً إلى أن نجيب محفوظ كان يفضل أن يكون الحوار بالفصحى؛ لأنها الميزان العام ويستطيع القراء فهمها بمختلف أطيافهم، مستشهداً بقصائد أم كلثوم بالفصحى، والتي كان يسمعها ويرددها كل الناس. وقال إن هناك أدباء ينحازون للكتابة بالعامية، وكان أبرزهم الكاتب لويس عوض. وأوضح قطب أنه ينحاز إلى موقف أديب نوبل في إبداعاته التي حرص خلالها على اللغة الفصحى.
وتحدث أيضاً عن التحديات التي تواجه الأديب الذي يكتب بالعامية بقوله: «إذا كتبت الرواية بالعامية هناك عقبة كبيرة سوف تواجه الكاتب، وهي بأي عامية ستكتب تلك الرواية؟ هل عامية الصعيد أو العامية القاهرية أو السكندرية... الخ».
«كل رواية تأتي بلغتها»... هكذا أجاب الروائي وحيد الطويلة عن لغته الروائية المفضلة. وقال صاحب «حذاء فيلليني»: «أهم ما يشغلني قبل كتابة الرواية هي اللغة، لكنني أفضل بوجه عام الجمل القصيرة، وهي التي أخذتها معي من كتابة القصص القصيرة، ووجدت أنني استعنت بها في رواية «باب الليل»، مضيفاً أن السؤال الذي كان يؤرقه هو كيف نصنع نصاً سردياً بنفس شعري دون أن نعطل لغة السرد؟ وكيف يحصل الروائي على الخيط السحري ليجعل كل شخصية تصل للمتلقي بتفاصيلها، بحركتها، وبرائحتها، من خلال اللغة التي يستخدمها الروائي في روايته؟
وأضاف: «اللغة هي الوسيط بين الكاتب والقارئ وإذا لم تكن معبرة عن الشكل والثقافة والرسالة التي يطرحها الكاتب فإنها ستجعل الرواية بلا ملامح وتنتقص من روعة القصة والحكاية».
وعن تجربته مع اللغة الروائية، قال الروائي جمال مقار: «كتابة الرواية عملية معقدة... بالنسبة لي القصة القصيرة تشبه الشجرة الجميلة، أما الرواية فإنها غابة مليئة بالأشجار والطرقات... إنه من الصعب أن يسأل روائي عن اللغة التي سيكتب بها روايته، لأن اللغة هي المحور الرئيسي والترس الأصلي الذي تدور عليه كل تروس الرواية لكي تتشكل كالساعة في سريانها ودقتها».
أما الناقد ربيع مفتاح، عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، فقال في مداخلته إن اللغة الروائية تشبه وجهة النظر، فهي تختلف من أديب لآخر، ولا بد أن تكون مختلفة حتى ترضي ذائقة القراء، مشيراً إلى أن الرواية ككل «متخيلة»؛ لذا ينتقي الروائي اللغة بوصفها أداة إبداعية تساعده في نقل إبداعه للقارئ.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.