تكثفت اللقاءات والاتصالات السياسية بين القوى اللبنانية أمس قبل ساعات من موعد الدورة البرلمانية الثانية، المقررة اليوم، لانتخاب رئيس لبناني جديد خلفا للرئيس الحالي ميشال سليمان، الذي تنتهي ولايته خلال شهر مايو (أيار) المقبل. وشدد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام على أن «الكلام عن تولي الحكومة زمام الأمور في البلاد في حال الفراغ الرئاسي هو كأس مرة لا نريد تجرعها»، مؤكدا أمام زواره أمس: «ضرورة إجراء الاستحقاق الرئاسي في المهلة الدستورية لأهمية موقع رئاسة الجمهورية».
ومن جهة أخرى، توجهت الأنظار إلى اللقاء المسائي الذي جمع أمس في باريس رئيس الحكومة الأسبق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل المفاوض الأبرز باسم رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، كان نواب «المستقبل» في بيروت يؤكدون سير قوى «14 آذار» بترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في جلسة الانتخاب اليوم. وقالت مصادر مقربة من الحريري لـ«الشرق لأوسط» بعد اللقاء، إن الأخير تحدث مع باسيل في كل المواضيع السياسية، وأهمها الاستحقاق الرئاسي. وأشارت إلى «توافق الطرفين على ضرورة العمل لتفادي الفراغ (في منصب الرئيس) وتوسيع مروحة الاتصالات، بحيث يتكلم الطرفان مع كل من يستطيعون الكلام معه من أجل التوصل إلى هذه الغاية».
وأضاف أنه جرى «تقييم إيجابي لتجربة الحوار بن الطرفين، التي بدأت مع تأليف الحكومة وانسحب على الاستحقاقات التي واجهت الحكومة والتي أعطت نتائج إيجابية»، مشيرة إلى اتفاق على متابعة التشاور بين الطرفين.
عون نفسه لم يطل، بخلاف عادته الأسبوعية، بعد اجتماع كتلته النيابية متحدثا إلى وسائل الإعلام أمس، واكتفى النائب إبراهيم كنعان بتأكيد قناعة فريقه بأن «الرئيس ليس معادلة معزولة عن الدستور والميثاق والصيغة الميثاقية المعروف بها لبنان»، لافتا إلى أنه «عندما يخرج بإجماع المسيحيين، لأننا نريد في بكركي وفيما بيننا، رئيسا قويا ببيئته وقادرا على جمع اللبنانيين فعلينا واجب المحافظة على هذا الخيار». وأوضح كنعان: «إننا لا نؤمن بشيء اسمه فراغ، وهذا أمر غير موجود في حساباتنا ومفهومنا لعمل المؤسسات الدستورية، بل نحن نؤمن بالصيغة الميثاقية وبالخيار الوطني الجدي الحقيقي وليس بجلسات فولكلور». وتابع: «إننا من هذا المنطلق سنتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي الذي يجب أن تتوفر فيه المواصفات التي أعلناها منذ البداية». وفي السياق ذاته، قال النائب سيمون أبي رميا، وهو أيضا من كتلة عون: «إننا في نهاية الأمر لن نقاطع جلسة سينتخب فيها رئيس ولكن لن نذهب إلى جلسة غير مجدية، أي من دون أن تكون الأمور ناضجة». وأكد أن «نصاب الثلثين المحدد في الدستور يؤكد أننا في ديمقراطية توافقية، وهذا النصاب يوجب أن يكون أحد المرشحين قد أحدث خرقا بالفعل لدى طرف آخر في ظل الاصطفاف الحاصل». في هذه الأثناء، أبدى نواب في قوى «14 آذار»، في ظل إصرار قوى «8 آذار» على مرشح توافقي، خشيتهم من تطيير النصاب القانوني لانعقاد جلسة اليوم، علما بأن انعقاد الجلسة رهن بحضور ثلثي أعضاء مجلس النواب (86 من أصل 128) وانتخاب الرئيس رهن بحصول أي من المرشحين على 65 صوتا (النصف زائد واحدا). ومن ناحية ثانية، كان لافتا أمس رد وزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور، من جبهة النضال الوطني بزعامة النائب وليد جنبلاط، على المواقف الأخيرة لنائب رئيس البرلمان فريد مكاري في معرض نفي الأخير حصول أي توافق بين عون والحريري. وكان مكاري، قال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «الحسنة الوحيدة لهذا التوافق (بين عون والحريري)» هي إلغاء دور جنبلاط «كبيضة قبان بين الأكثريتين في البرلمان»، في إشارة إلى كتلة جنبلاط البالغة 11 نائبا والتي تلعب دور المرجح بين الكتلتين.
وجاء في رد أبو فاعور في تصريح بعد عودته من زيارة سريعة إلى المملكة العربية السعودية ولقائه فور عودته رئيس البرلمان نبيه بري، قوله: «لم تفاجئنا (محبة) نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري لنا، كما لم يفاجئنا حجم ضيقه من دور جنبلاط الذي يشهد له الجميع أنه ساهم إلى حد كبير في حفظ السلم الأهلي وتغليب الخيارات الوفاقية وحماية الاستقرار». وتابع: «هذا الدور لجنبلاط يكفينا أن يقدره العقلاء ...». في موازاة ذلك، جدد حزب الله أمس، على لسان نائبه نوار الساحلي، الإشارة إلى «وجوب انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع فرصة ممكنة»، مؤكدا أنه على «الرئيس العتيد أن يستغل قوة المقاومة لمصلحة الوطن». وكرر الساحلي ما سبق وأعلنه زملاؤه لناحية مواصفات الرئيس بقوله، خلال في احتفال ديني بالضاحية الجنوبية لبيروت، إنه «يجب أن يكون قويا مؤمنا بقوة لبنان ومصمما على بناء الدولة المؤسساتية الحقيقية». وشدد الساحلي على أن «الرئاسة يلزمها اتفاق وكي نستطيع الوصول إلى نتيجة إيجابية وأن ننتخب رئيسا للبلاد يجب أن لا تبقى الرسائل بالإعلام وعن بعد»، لافتا إلى أن «الحل لا يتم إلا بالتلاقي والتوافق والاتفاق لمصلحة لبنان والوصول لانتخاب رئيس قوي للبنان». كذلك أكد النائب علي خريس، من كتلة رئيس البرلمان نبيه بري، أن كتلته ملتزمة بحضور كل جلسات انتخاب الرئيس، وأعرب عن اعتقاده أن «مرشحي 14 و8 آذار لن ينجحا في الانتخابات من دون توافق على اسم». وقال إن «الحل هو في إيجاد شخصية توافقية يرضى بها الجميع»، آملا «عدم الوصول إلى مرحلة الفراغ، لا سيما أن اللبنانيين بإمكانهم الاتفاق على اسم محدد وانتخابه لرئاسة الجمهورية».