«حماس» تواجه المخدرات بالمحاكم العسكرية

الكميات المضبوطة في يناير تعادل حصيلة عام كامل... واتهامات لإسرائيل بالوقوف خلفها

«حماس» تواجه المخدرات بالمحاكم العسكرية
TT

«حماس» تواجه المخدرات بالمحاكم العسكرية

«حماس» تواجه المخدرات بالمحاكم العسكرية

بدأت حركة «حماس» مواجهة تهديد جديد في قطاع غزة، يتمثل بتجارة المخدرات الآخذة في الانتشار بشكل كبير مؤخراً، بسبب سهولة تهريبها عبر الأنفاق. وأحالت الحركة تجار مخدرات على محاكم عسكرية «بهدف تشديد العقوبات ضدهم وجعلهم عبرة للآخرين».
ورغم أن قضايا اتجار المدنيين بالمخدرات تقع عادة ضمن اختصاصات المحاكم المدنية، فإن «حماس» أحالت خلال الأسابيع الماضية عدداً من المتهمين في قضايا مخدرات إلى المحاكم العسكرية، خصوصاً من ضبطت الأجهزة الأمنية لديهم كميات كبيرة من المواد والعقاقير المخدرة.
وأوضح مصدر في جهاز أمني تابع لـ«حماس»، أن «الأمر له أبعاد أمنية، وليس مجرد تجارة». واتهمت مصادر في أجهزة أخرى في غزة، المخابرات الإسرائيلية بالوقوف «خلف عمليات إدخال كميات كبيرة من المخدرات والعقاقير المختلفة مثل الأترامال (ترامادول) الأكثر انتشاراً في صفوف الشباب، في محاولة للإضرار بهم وتدميرهم نفسياً وجسدياً واستغلالهم فيما بعد لتقديم معلومات، عبر خلايا تعمل لصالح الاحتلال».
وحسب المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فإن كميات كبيرة كانت تدخل القطاع، حتى تمكن جهاز مكافحة المخدرات في الأشهر السبعة الماضية من توجيه «ضربات قوية» لتجار المخدرات والعقاقير ومصادرة كميات كبيرة منها واعتقال عدد كبير من التجار الذين «يعملون على تهريبها من سيناء عبر الأنفاق».
لكن رغم هذه «الضربات القوية»، فإن كميات المخدرات التي ضبطت في يناير (كانون الثاني) الماضي فقط، تعادل ما تم ضبطه في عام 2016 كله. ففي عملية واحدة فقط لجهاز مكافحة المخدرات، تم ضبط أكثر من 100 كيلوغرام من الماريغوانا بقيمة تصل إلى خمسة ملايين دولار في شوارع غزة إلى جانب 250 ألف حبة من «ترامادول» الذي يباع بسعر يتراوح بين 130 و170 شيقلاً (35 - 45 دولاراً) لكل عشر حبات.
وأشار مسؤول إلى أن «عدداً من تجار المخدرات الذين اعتقلوا مؤخراً تبين أنهم يعملون للمخابرات الإسرائيلية، وأن قضاياهم باتت مزدوجة، وتم البدء بإجراءات محاكماتهم أمام القضاء العسكري». وأوضح أن «جميع حالات تهريب المخدرات والعقاقير الخطيرة أصبحت من مهام الأجهزة الأمنية الخاصة مثل جهاز الأمن الداخلي، إضافة إلى مساعدة جهاز مكافحة المخدرات، خصوصاً بعدما تبين تورط إسرائيل بشكل أساسي وكبير في تهريب تلك الكميات من خلال سيناء... وبسبب ذلك نقلت القضايا إلى القضاء العسكري».
وتعتقد «حماس»، بحسب المصادر الأمنية، أن «الأحكام المشددة من قبل القضاء العسكري من شأنها ردع كل من يحاول العبث بأمن المواطنين، وستفشل مشاريع الاحتلال وخطته لإغراق غزة بالمخدرات من أجل إسقاط عملاء جدد، بعدما فشل كثيراً في مواجهة رجال الأمن الذين تمكنوا من كشف غالبية خلايا العملاء في غزة خلال السنوات الماضية، وهو ما دفع الاحتلال إلى البحث عن إسقاط عملاء جدد لتجديد بنك أهدافه لمواجهة المقاومة في الحرب المقبلة».
وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط مخدرات داخل أسطوانات غاز الطهي أو غسالات، وفي بعض الأحيان عبر أنابيب تمتد بطول كيلومترات وتستخدم لنقل عبوات صغيرة بين مصر وغزة. كما يتم في بعض الأحيان شحن المخدرات داخل بضائع مستوردة من إسرائيل.
ويعتقد اختصاصيون في مجال علم النفس أن الحصار والبطالة وانعدام الآفاق تدفع الشبان في غزة إلى الهروب نحو المخدرات في محاولة لنسيان واقعهم. لكن وكالة «رويترز» نقلت عن مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في غزة العقيد أحمد القدرة أن «انتشار المخدرات في قطاع غزة هو مشكلة وليس ظاهرة، ونحن نعاني منها كبقية مشاكل القطاع، وهذه مشكلة ممتدة في أكثر من بلد وعلى مستوى العالم كله».
وأشار القدرة إلى أن عقوبات تجارة المخدرات كانت خفيفة في السنوات الأخيرة، ما ساعد في انتشارها، لافتاً إلى أن «القانون يسمح بفرض عقوبة السجن المؤبد، بل وحتى الإعدام، على مهربي المخدرات، لكن كثيرين يفلحون في الإفلات من عقوبات بالسجن لفترات طويلة».
وقال رئيس التفتيش القضائي في مكتب النائب العام في غزة يحيى الفرا إنه «ينبغي للمحاكم أن تصدر أحكاماً مشددة، على الأقل مثلما كان الحال في 2009 عندما عوقب تاجر مخدرات بالسجن 15 عاماً». وأضاف أن «التاجر الذي يبيع السموم يعتبر قاتلاً للنفس... مثل قاتل النفس بواسطة السلاح أو السكين، لذلك فإن القانون شدد بأن تصل العقوبة إلى الإعدام».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.