«وول ستريت» بين نشوة «القمة» وتخوفات «القاع»

سياسات ترمب قسمت المحللين إلى متفائلين ومتشائمين

متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)
متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

«وول ستريت» بين نشوة «القمة» وتخوفات «القاع»

متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)
متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)

بعد أن أنشأت «وول ستريت» قمة جديدة لم تصل إليها على الإطلاق، تخطت بها 21 ألف نقطة، خلال الأسبوع الماضي، تتجه الأنظار إلى مؤشرات البورصة الأميركية، بقوة، مع ترقب وحذر من المتعاملين، نتيجة التغيرات السريعة في البيانات المالية الأميركية، بالإضافة إلى التغيرات المنتظرة في الاقتصاد الأميركي التي من المقرر أن يوفي بها الرئيس دونالد ترمب.
ويعزف المستثمرون عن المراهنات في الوقت الحالي، نتيجة ترقبهم قرار البنك الفيدرالي الأميركي الأسبوع المقبل، وهو ما هبط بمؤشرات «وول ستريت» على مدار ثلاث جلسات الماضي، إلا أنه لم يطرأ تغير يذكر على الأسهم الأميركية في بداية تعاملات جلسة أمس، في الوقت الذي ينتظر فيه المستثمرون تقريرا عن الوظائف الشهرية اليوم الجمعة، مما يدعم احتمالات زيادة في أسعار الفائدة الأميركية.
والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة لدى المتعاملين، هل «وول ستريت» ستحقق «قمما» مالية أخرى، أم أن الهبوط سيقودها إلى «قاع» سريعاً، خصوصا بعد الصعود بنسبة 15 في المائة منذ انتخاب ترمب؟
وحققت نتائج الشركات الأميركية بنهاية العام الماضي، نتائج أفضل من التوقعات. فقد أعلنت 65 في المائة من شركات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» أرباحا بأرقام أعلى من تلك التي توقعها المحللون والمتداولون، بل أكد مركز فاكتست المتخصص بمتابعة الأسواق «أن 53 في المائة من الشركات لم تكن تتوقع أن ترتفع أرباحها، فإذا بمجمل نتائج شركات مؤشر (ستاندرد آند بورز) تصعد بنسبة 5 في المائة». ولفت المركز إلى أن ارتفاع الأرباح في الفصلين الثالث والرابع من 2016 هو الأول من نوعه منذ بداية 2015. ومع توالي نتائج 2016 اتضح أن شركات 8 قطاعات من أصل 11 أعلنت أرباحا أفضل من تلك التي توقعها المحللون في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
ووفقا لبعض المعطيات المالية، فإن التفاؤل يغلب على فريق في «وول ستريت»، في حين يعارضه فريق آخر، ويستند المتفائلون إلى معطيات أخرى مثل المؤشرات الكلية والجزئية الاقتصادية الجيدة التي صدرت مؤخرا عن الإنتاج والاستهلاك وثقة الأفراد والشركات، والصناعة التي تقدمت في فبراير (شباط) بسرعة نمو لم يعهدها هذا القطاع منذ أغسطس (آب) 2014، ومعدل البطالة المنخفض، وهناك أيضا أسعار البترول الجاذبة نظرا لتراجعها، فضلا عن الفوائد المصرفية الرخيصة والمشجعة على الاقتراض للاستهلاك والاستثمار.
إلى تلك المؤشرات الإيجابية يضيف المحللون المتفائلون عامل الصدمة الإيجابية التي أحدثها مجيء ترمب رئيسا «لا سيما التفاؤل ببرنامج حافل بما يسر خاطر شركات (وول ستريت) مثل خفض ضرائب الأرباح من 35 في المائة إلى 15 في المائة فقط، ووعد بإنفاق تريليون دولار في 10 سنوات لتحديث البنى التحتية وتوسعتها، وهو الأسخى منذ ولاية الرئيس إيزنهاور قبل 60 عاماً، وزيادة الإنفاق العسكري بمبلغ 54 مليار دولار، علاوة على منح حوافز للشركات والأرباح الأميركية المهاجرة كي تعود إلى البلاد، وتوقيع مرسوم إعادة النظر في قواعد العمل المصرفية لتحريرها من القيود التي فرضت في 2010 تصحيحا لأسباب اندلاع الأزمة المالية، كما تحرير قطاعات أخرى مثل الطاقة».
ويجمع المحللون على «أن برنامجا مثل هذا إذا تحول واقعا سيرفع أرباح الشركات 30 في المائة على الأقل». ووفقا لمحلل في شركة وساطة أميركية: «آمن المتعاملون بتلك الوعود واستبقوا الأحداث في موجة شراء أسهم تواصلت صعودا منذ 4 أشهر». أما المستثمر الشهير وارن بافت فقال في رسالته السنوية إلى حاملي أسهم شركته «بيركشاير هيثاواي»: «لسنا في فقاعة مضاربية، الأسعار رخيصة»، كاشفا أنه استثمر 20 مليار دولار إضافية في الأسواق مؤخراً، لكنه مع ذلك حذر من عودة الفائدة للارتفاع.
في المقابل يحذر المتشائمون من «لاعقلانية هذه الموجة التفاؤلية» لأسباب كثيرة أجمع عدد من المحللين على أنها تدعو إلى الحذر والتريث.
وتشير تلك الحجج المتشائمة أولا إلى «أن الأسعار ليست رخيصة الآن باستخدام مؤشر مكررات الربحية البالغ 18 مرة، أي أنه دليل على غلاء الأسعار بعد موجة الارتفاعات المتتالية منذ 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهذا المؤشر الآن هو الأعلى منذ مايو (أيار) 2004». أما بشأن خفض ضرائب الأرباح فقد حذر اقتصاديون من «صعوبة تحقيقه كما وعد ترمب، لأن الدين العام الأميركي يقترب من 20 تريليون دولار، وأي تراجع في الإيرادات الضريبية سيزيد عجز الموازنة خصوصا إذا نفذ ترمب سياسته المالية التوسعية بإنفاق 100 مليار دولار سنويا على البنى التحتية، كما أن التوسع الإنفاقي يجر وراءه عادة معدلات تضخم تفرض بدورها رفعا أسرع لمعدلات الفائدة. أما إذا حصلت حرب تجارية جراء رفع الرسوم الجمركية على الاستيراد من الصين والمكسيك ودول أخرى فستتضرر أرباح شركات كثيرة لا محالة، لا سيما الشركات المصدرة التي ستواجه سلعها رسوما عالية في البلدان الأخرى التي سترد بالمثل إذا رفع ترمب الجمارك بالنسب المرتفعة التي تحدث عنها. أما خفض الاستيراد فسيكون بآثار جانبية على الاستهلاك والاستثمار».
وعن السياسة النقدية، فالحذر يتحول واقعا ملموسا غير مبالغ فيه، «لأن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) وعد برفع الفائدة مرة في مارس (آذار) الحالي، إضافة إلى مرتين إضافيتين قبل نهاية 2017. وهذا ما حذر من آثاره وارن بافيت في رسالته السنوية. كما أن رفع الفائدة يعني أن الاحتياطي الفيدرالي يخرج تدريجيا من دعم الاقتصاد ومن حقبة طويلة من التيسير الكمي الذي فرضته ظروف حلول أزمة 2008. ونقديا أيضا يواصل الدولار استعراض قوته أمام عدد كبير من العملات الأخرى، ولذلك آثار جانبية على الشركات المصدرة خصوصا وعلى النمو الاقتصادي عموماً».
على صعيد آخر، أبدى محللون أوروبيون اندهاشهم من «أن المتداولين الأميركيين يصمون الآذان غير راغبين بسماع شيء عن المخاطر الجيوسياسية مثل الأثر الممكن على أسواق المال إذا تفاقمت المواجهة بين الإدارة الأميركية الجديدة وإيران وتحولت إلى صدام عسكري»، ويستغربون أيضا من «عدم الاكتراث بسيناريو خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي (غريكست)، وعدم التحوط إزاء الخروج الصعب لبريطانيا من الاتحاد (بريكست)». وفي هذا الصدد أكد استطلاع رأي جس نبض رؤساء الشركات أجراه بنك «يو بي إس» السويسري الأسبوع الماضي «أن العوامل الجيوسياسية يفترض أن تأتي في رأس قائمة المخاطر الواجب التحوط منها».
ويقول محلل في بنك «ناتكسيس»: «إنها معضلة فعلاً. كان يفترض بالأسواق أن تحذر لكنها لم تفعل. لا تفكير كبيرا في إمكان عدم تنفيذ برنامج ترمب الاقتصادي كليا أو جزئيا. أي خيبة أمل ستورث هبوطا سريعا لمؤشرات البورصة في الأشهر المقبلة». ويتساءل: «هل بالغت الشركات في استباق الأحداث واشترت المستقبل بأسعار باهظة؟» ويجيب: «ربما نعم!»
على الصعيد عينه كتب الاقتصادي الأميركي نورييل روبيني مقالات في صحف أميركية وأوروبية «محذرا من أن ارتفاع الفائدة على المدى الطويل سيؤثر سلبا في الاستثمار والعقار، وأن ارتفاع الدولار ضار جدا بالوظائف، وأن عجز الموازنة سيتعاظم، وأن موجة تضخم غير حميد قد تجتاح الاقتصاد». وقال: «وعود ترمب رفعت الأسواق، وتنفيذه لبرنامجه سيرفعها أكثر على المدى القريب، أما على المدى البعيد فستكون النتائج كارثية».
وفي تحليل لأثر الخفض الضريبي يقول مركز تاكس بوليسي سنتر: «الأسواق صعدت فقط لأن ترمب وعد حازما بأنه سيخفف الأعباء الضريبية عن كاهل الشركات التي سال لعابها واستبشرت خيرا كثيرا. الخفض الموعود إذا نفذ سيرفع الأرباح 30 في المائة على الأقل، لكن ذلك الريع سيذهب إلى الأكثر ثراء، أي إلى واحد في المائة من ناخبي ترمب. لكن ماذا عن الناخبين الآخرين وهم السواد الأعظم؟».



بكين توسع خطة «المقايضة الاستهلاكية» لإحياء النمو الاقتصادي

بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)
بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)
TT

بكين توسع خطة «المقايضة الاستهلاكية» لإحياء النمو الاقتصادي

بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)
بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)

أضافت الصين المزيد من الأجهزة المنزلية إلى قائمة المنتجات التي يمكن استخدامها في خطة «المقايضة الاستهلاكية»، وستقدم إعانات إضافية للسلع الرقمية هذا العام، في محاولة لإحياء الطلب في قطاع الأسر الراكد.

وستشمل خطة المقايضة للأجهزة المنزلية أفران الميكروويف وأجهزة تنقية المياه وغسالات الأطباق وأواني الطهي هذا العام، وفقاً لوثيقة صادرة عن أعلى هيئة تخطيط للدولة ووزارة المالية يوم الأربعاء. ويمكن أن تحصل الهواتف الجوالة وأجهزة الكمبيوتر اللوحية والساعات الذكية والأساور التي تقل قيمتها عن 6000 يوان على إعانات بنسبة 15 في المائة.

ولم يحدد البيان التكلفة الإجمالية للحوافز، لكن مسؤولاً بوزارة المالية قال في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء إن الحكومة خصصت حتى الآن 81 مليار يوان (11.05 مليار دولار) لتبادل السلع الاستهلاكية لدعم الاستهلاك في عام 2025.

وتشكل التدابير الجديدة جزءاً من خطة أوسع لتحفيز النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2025، حيث أدت أزمة العقارات الشديدة إلى تآكل ثروة المستهلكين والإضرار بإنفاق الأسر. وكان قطاع المستهلكين المتعثر في الصين نقطة ألم خاصة للاقتصاد مع مطالبة المحللين ومستشاري السياسات باتخاذ تدابير عاجلة لتحفيز الأسر على الإنفاق مرة أخرى.

وقال شو تيان تشن، كبير الاقتصاديين في وحدة «إيكونوميك إنتليجينس»: «نتوقع أن يتضاعف إجمالي الدعم إلى 300 مليار يوان في عام 2025. وهذا يمثل إلى حد ما تحولاً سياسياً نحو المزيد من الاستهلاك». وأضاف أن الإعانات الأكثر محدودية للهواتف والأجهزة اللوحية، بأقل من 500 يوان لكل عنصر، تشير إلى أن بكين لا تنوي دعم الأغنياء للإنفاق الباهظ.

وفي العام الماضي، خصصت الصين نحو 150 مليار يوان من إصدار سندات الخزانة الخاصة بقيمة تريليون يوان لدعم استبدال الأجهزة القديمة والسيارات والدراجات وغيرها من السلع. وقال المسؤولون إن الحملة «حققت تأثيرات إيجابية».

وقال لي غانغ، المسؤول بوزارة التجارة، في نفس المؤتمر الصحافي، إن الحملة أسفرت عن مبيعات سيارات بقيمة 920 مليار يوان ومبيعات أجهزة منزلية بقيمة 240 مليار يوان في عام 2024.

ومع ذلك، لم يجد المستثمرون الكثير من الطموح في إعلانات يوم الأربعاء، حيث انخفض مؤشر أسهم الإلكترونيات الاستهلاكية في الصين بنسبة 3.2 في المائة بحلول استراحة منتصف النهار.

وقال مسؤول في هيئة تخطيط الدولة الأسبوع الماضي، إن الصين ستزيد بشكل حاد التمويل من سندات الخزانة طويلة الأجل في عام 2025 لتحفيز ترقيات المعدات ونظام مقايضة السلع الاستهلاكية. وفي العام الماضي، خصصت الصين ما مجموعه 300 مليار يوان لهذه المبادرات.

وقال تشاو تشين شين، نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح - الجهة المسؤولة عن التخطيط الحكومي - يوم الأربعاء، إن أرقام التمويل للخطط ستصدر خلال الاجتماع البرلماني السنوي في مارس (آذار) المقبل.

وتعهد كبار القادة الصينيين بتعزيز الاستهلاك «بقوة» وتوسيع الطلب المحلي «في جميع الاتجاهات» هذا العام. وذكرت «رويترز» الأسبوع الماضي أن ملايين العاملين الحكوميين في جميع أنحاء الصين حصلوا على زيادات في الأجور، كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز الاستهلاك.

وقال لين سونغ، كبير خبراء اقتصاد الصين في «آي إن جي»: «نتوقع أن تساعد السياسة الأكثر دعماً في انتعاش نمو مبيعات التجزئة في عام 2025 مقارنة بعام 2024. وسيعتمد تعافي استهلاك الأسر على استقرار أسعار الأصول، بالإضافة إلى تحسن الثقة في آفاق التوظيف».

ووفقاً لوثيقة السياسة، ستزيد الصين أيضاً الأموال من إصدار سندات الخزانة الخاصة طويلة الأجل لدعم ترقيات المعدات في المجالات الرئيسة. وستشمل الحملة الآن المعدات المستخدمة في قطاعي تكنولوجيا المعلومات والزراعة، مع التركيز على المعدات المتطورة والذكية والخضراء.

وعلى أساس دعم بنسبة 1.5 نقطة مئوية على أسعار الفائدة على قروض ترقية المعدات التي يتم الحصول عليها من البنوك، قالت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح إنها سترتب أيضاً أموالاً من سندات الخزانة لخفض تكاليف تمويل الشركات بشكل أكبر.

ورتب البنك المركزي مرفق إعادة الإقراض المنخفض التكلفة بقيمة 400 مليار يوان لدعم ترقيات المعدات. وقال سونغ إن الوثيقة تشير إلى أن القطاعات الصناعية عالية التقنية بالإضافة إلى تصنيع معدات النقل من المرجح أن تستفيد، مما يساعد هذه القطاعات على البناء على الزخم القوي في العام الماضي.