الصين تقترح تسوية لتجنب مواجهة في شبه الجزيرة الكورية

الصين تقترح تسوية لتجنب مواجهة في شبه الجزيرة الكورية
TT

الصين تقترح تسوية لتجنب مواجهة في شبه الجزيرة الكورية

الصين تقترح تسوية لتجنب مواجهة في شبه الجزيرة الكورية

تقدمت الصين الحليفة الرئيسية لكوريا الشمالية اليوم الأربعاء باقتراح تسوية لتجنب «الصدام» بين الكوريتين مقترحة أن يعلق الشمال برنامجه النووي مقابل وقف المناورات العسكرية التي تجريها الولايات المتحدة في الجنوب، وذلك بعدما دان مجلس الأمن الدولي مساء الثلاثاء في نيويورك العملية الأخيرة لإطلاق صواريخ كورية شمالية، حتى قبل اجتماع طارئ للمجلس مقرر الأربعاء.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن «الصين وبهدف نزع فتيل الأزمة الوشيكة في شبه الجزيرة (الكورية)، تقترح أن تعلق (كوريا الشمالية) أولا برنامجيها النووي والباليستي مقابل وقف المناورات العسكرية الواسعة النطاق للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية»، التي بدأت الأسبوع الماضي.
وكان وانغ يرد على سؤال في مؤتمر صحافي حول خطر اندلاع حرب في كوريا، بعد يومين على إطلاق جيش كوريا الشمالية صواريخ ثم إعلان بدء نشر الدرع الصاروخية الأميركية «ثاد» في كوريا الجنوبية، الذي تعترض عليه بكين بشدة.
وقال الوزير الصيني إن «الجانبين مثل قطارين يندفعان باتجاه بعضهما دون أن يسعى أي منهما إلى فتح الطريق». أضاف أن «السؤال هو معرفة ما إذا كان أحد الطرفين يستعد فعلاً إلى اصطدام مباشر»، موضحاً أن الأولوية للصين هي «إشعال الضوء الأحمر والضغط على مكابح القطارين».
يبدو أن الاقتراح الصيني الهادف إلى «إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات»، لا يتمتع بفرص كبيرة للنجاح. فقد اقترحت كوريا الشمالية أيضاً في يناير (كانون الثاني) من عام 2015 تعليق تجاربها النووية مؤقتاً إذا ألغت الولايات المتحدة مناوراتها المقررة كل سنة في كوريا الجنوبية. لكن واشنطن وسيول رفضتا هذا الاقتراح.
وتعترض الصين على البرنامج النووي للشمال لكن بكين وجهت تحذيراً إلى سيول أيضاً بشأن الدرع الأميركية المضادة للصواريخ. وأدى بدء نشر هذه الدرع إلى تدهور كبير في العلاقات التجارية بين البلدين واستهدفت المجموعة الكورية الجنوبية للتوزيع «لوتي» من قبل السلطات والمستهلكين الصينيين.
وقال وانغ إن «أنظمة الكشف والإنذار (ثاد) تتمتع بمدى يتجاوز شبه الجزيرة الكورية الجنوبية إلى حد كبير»، مؤكداً أنها «تمس الأمن الاستراتيجي للصين»، محذراً من أن «الدول المجاورة لا تتصرف بهذه الطريقة وهذا يمكن أن يضر بالأمن».
وكانت الأسرة الدولية عبرت الثلاثاء عن وحدة موقفها حيال كوريا الشمالية في بيان صدر عن مجلس الأمن الدولي ودان بإجماع أعضائه إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية التي سقطت ثلاثة منها في المياه الإقليمية لليابان، معتبراً أن عملية إطلاق الصواريخ تشكل «انتهاكاً خطيراً» لقرارات الأمم المتحدة، ومتوعداً «اتخاذ إجراءات مهمة أخرى» لمعاقبة بيونغ يانغ. وأكد أن أنشطة كوريا الشمالية «تزيد التوتر في المنطقة وخارجها، فضلاً عن خطر سباق تسلح إقليمي».
وكانت الصين أعلنت في فبراير (شباط) الماضي في إطار العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، وقف وارداتها من الفحم من كوريا الشمالية وحرمت بذلك نظام بيونغ يانغ من مصدر أساسي لوارداته المالية.
وستعقد الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن اجتماعاً في نيويورك بطلب من الولايات المتحدة واليابان لمناقشة تجربة إطلاق الصواريخ الأخيرة التي قالت بيونغ يانغ إنها تدريب على ضرب القواعد الأميركية في اليابان. كما سيتوجه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى اليابان وكوريا الجنوبية والصين من 15 إلى 19 مارس (آذار).



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟