من يعيد لي شادي طفلاً؟

الطفل شادي فرّاح
الطفل شادي فرّاح
TT

من يعيد لي شادي طفلاً؟

الطفل شادي فرّاح
الطفل شادي فرّاح

أنا امرأة فلسطينية أفخر بهويتي وإنسانيتي، ولكني أيضاً والدة أصغر أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي. هكذا أعرّف نفسي وأنا أكتبُ هذا المقال بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. لكم أن تتخيلوا أنه لا يسعني اليوم سوى أن أعرّف نفسي كوالدة أصغر أسير في سجون الاحتلال.
ابني الطفل شادي فرّاح، صبي صغير، وذكي، مليء بالحياة، ومحبوب لكل من عرفه، من العائلة والجيران والأصدقاء وزملاء الدراسة. هو راقص مبدع في الدبكة الفلسطينية، وسبّاح ماهر وراكب رائع للخيل، شادي أحب الغناء وأجاد مادة الرياضيات.
لقد بذلنا أنا وزوجي قصارى جهدنا لتوفير كل ما يلزم لحياة كريمة لشادي وبقية أبنائنا، وشجعناهم على التعلم وتنمية الهوايات، وأنشأنهم على القيم النبيلة والصدق، والانفتاح في التعامل مع الآخرين وقبولهم كما هم، بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو العرق.
في أحد الأيام، كان شادي يقف منتظراً في محطة الحافلات في مدينتنا، مدينة القدس المحتلة، عندما اعتقلته شرطة الاحتلال الإسرائيلية، واقتادته إلى مركز الشرطة الرئيسي «المسكوبية»، حيث تم إعلامنا باعتقاله في تمام العاشرة مساء، بعد أن أبلغنا عن غيابه الطويل. لقد اُتهم طفلي افتراء بالتخطيط لارتكاب جريمة باستخدام السكين، على الرغم من عدم وجود سكين في حوزته. وقد سئل شادي أثناء التحقيق: لو كنت تحمل سكيناً، فهل كنت ستُقدم على طعن إسرائيلي؟ فرد عليهم ببساطة أنه ليس قادراً على طعن أي إنسان.
اُعتقل شادي في 30 ديسمبر (كانون الأول) 2015. وهو يبلغ من العمر 12 عاماً فقط! اختطفتْ الأخبار أنفاسي في تلك اللحظة، ووقع جميع أفراد الأسرة في حالة من الصدمة لفترة طويلة. احتجز طفلي لمدة ستة أيام قبل نقله إلى «إصلاحية الأحداث»، وهي مركز احتجاز لمن هم فوق سن الخامسة عشرة.
وبعد عشرين جلسة في المحكمة خلال عام واحد، صدر الحكم النهائي في ديسمبر الماضي: ابني الذي بلغ من العمر 13 عاماً اليوم سيقضي عامين إضافيين في السجن!
كيف لعيني أن تغفوا وهما لا تريان إلا طفلي الصغير خائفاً وحيداً في زنزانة باردة مظلمة؟ شادي الذي لا يستطيع النوم إلا في حضني وهو يضع إصبعه في فمه، انفصل عن طفولته قسراً ليبدأ مرحلة خطيرة في حياته مع السجناء والمجرمين! كيف لي أن أغفو وأنا أعلم أن طفلي أجبر على الوقوف عارياً في تلك الزنزانة في إحدى مراحل اعتقاله؟ كيف لي أن أقنع شادي وبقية أبنائي بعد هذا اليوم أنني ووالده قادران على حمايتهم ورفدهم بالشعور بالأمان بعد أن تجبرت دولة احتلال بأكملها على طفل؟
انقلبت حياتنا رأساً على عقب حتى أضحت كالجحيم. فأصغر أولادي، ريان، البالغ من العمر ثلاث سنوات فقط، متعلق جداً بشقيقه شادي، وبينما أرقبُ تصرفاته وهو يتابع أخيه في قاعة المحكمة مكبّل اليدين والقدمين بأغلال حديدية، أو عندما لمح الحزن الكامن في وجنتيه ونحن نهمّ بإنهاء الزيارة يتحطم قلبي مرتين. لقد أصبح ريان أسيراً آخر لمشهد متكامل من غطرسة القوة وظلم الاحتلال!
لربما أشعر بالعجز في معظم الأحيان، وأصارع أسئلة بحجم الكون، كيف سيكبر طفلي بين قضبان السجون؟ ومن سيعيد لي شادي طفلاً مرة أخرى؟ ولكنني، كامرأة وكأم أيضاً، أستنهض قواي وصمودي من أجل ولدي الصغير، وأطوّع أمنياتي الكبيرة وأحلامي بخروجه سالماً من الاعتقال، وأستجمع نفسي، وأشارك في الأعمال الطوعية المجتمعية وورش العمل المختلفة حول القانون الدولي الإنساني، ودراسة اللغات لإيصال قضية طفلي إلى الملأ. فجلُّ ما نسعى إليه الآن هو إعلان قصة شادي للعالم أجمع. شادي الذي يمثل جيلاً كاملاً من الأطفال الفلسطينيين المقهورين الذين ينشأون في ظل الاحتلال العسكري، والذين، حتى قبل الوصول إلى سن المراهقة، يتعرضون إلى أشكال العنصرية والاضطهاد. إن كل قصة من قصص هؤلاء الأطفال يجب أن يسمعها ويعيها العالم ويحاول قدر جهده من أجلها. ولذلك، قمتُ بالتواصل مع الكثير من الأصدقاء المحبين للحرية والسلام من جميع أنحاء العالم، والذين وقفوا إلى جانبي متضامنين مع قضية ولدي، كما قمتُ بالتحدث مع وسائل إعلام محلية ودولية متعددة، حتى وصلتُ إلى الولايات المتحدة، وأجريتُ فيها الكثير من المقابلات والاجتماعات واللقاءات، بما فيها لقاء لا يُنسى في جامعة «كينت» في ولاية أوهايو، حيث غمرني الترحيب الحار من طلابها. لقد كانت بالفعل تجربة فريدة لامستْ خلالها قصة ولدي وأطفال فلسطين قلوبهم وحاكت عقولهم. فكل طفل في دولة عظمى كالولايات المتحدة يحظى بالاهتمام والرعاية من المجتمع بأكمله. إذن هو استحقاق الطفولة الطبيعي والإنساني الذي يُحرم منه أطفال فلسطين. أيها العالم الحر، بنسائه ورجاله، كيف يمكن لنا وقف موجة العنف والتطرف والعنصرية في منطقتنا، إن لم نقف معاً ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف كل شخص منا، رجلا أو امرأة أو طفلا. كيف يمكن إنقاذ طفل آخر مما تعرض له طفلي؟
من أجل شادي، وجميع أطفال فلسطين، من أجل البشرية جمعاء، أدعوكم وفي هذا اليوم تحديداً، يوم المرأة العالمي، والذي يذكّرنا بما حققته النساء من إنجازات عظام على جميع الأصعدة، إلى الانضمام لي في التحدث بجرأة في كل أنحاء العالم لمواجهة الظلم والقهر والتمييز أينما وجد، ولإنهاء الاحتلال ووضع حدٍ لسياساته غير القانونية والقاسية.
معاً فقط نستطيع تحقيق العدالة.
كل عام والمرأة الفلسطينية وكل نساء العالم ينعمن بالأمن والسلام، كل عام وأنتم/ن بخير
*والدة الطفل شادي فرّاح
- أصغر أسير في سجون
الاحتلال الإسرائيلي.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.