تقرير: أطفال سوريا يعانون من «الضغط النفسي السامّ»

أكبر دراسة من نوعها شملت مقابلات مع أكثر من 450 طفلاً وراشداً

أطفال من دوما بريف دمشق يلهون على ما تبقى من أرجوحة وسط دمار الأبنية من حولهم (رويترز)
أطفال من دوما بريف دمشق يلهون على ما تبقى من أرجوحة وسط دمار الأبنية من حولهم (رويترز)
TT

تقرير: أطفال سوريا يعانون من «الضغط النفسي السامّ»

أطفال من دوما بريف دمشق يلهون على ما تبقى من أرجوحة وسط دمار الأبنية من حولهم (رويترز)
أطفال من دوما بريف دمشق يلهون على ما تبقى من أرجوحة وسط دمار الأبنية من حولهم (رويترز)

وجد مشروع بحثي كبير أجرته منظمة دولية، أدلة واسعة الانتشار عن «الضغط النفسي السامّ» ومسائل الصحّة النفسية بين الأطفال داخل سوريا، فيما يحذر الخبراء من أنّ الضرر النفسي قد يكونُ من المستحيل إلغاء آثاره.
وأجرت المنظَّمة وشركاؤها السوريون مقابلات مع أكثر من 450 طفلاً، ومراهقاً، وراشداً عبر سبع محافظات في سوريا، في إطار تقريرها «الجروح الخفية»، وهي أكبر دراسة من نوعها أجريت في خلال مسار النزاع. ووجدت أنَّ الكثيرَ من الأطفال يعيشون في حالةٍ من الخوف شبه الدائم، ويعانون الهلع من جرَّاء القصف، والغارات الجوية، والعنف المستمرّ، مع ما يترتّب عن ذلك من عواقب نفسية وخيمة.
وأشار خبراء الصحّة النفسية الذين تمّت استشارتهم من أجل إعداد هذا التقرير إلى أنَّه أظهر أنَّ الأطفال يعانون وضعاً يُسمَّى «الضغط النفسي السامّ»، وقد يحصل عندما يختبر الأطفال محنةً قوية، أو متكرّرة، أو ممتدّة، مثل العنف الشديد الذي يحدث في النزاع السوري. والاستجابة المستمرّة للضغط النفسي السامّ قد تؤثّر تأثيراً يدومُ مدى الحياة على صحّة الأطفال النفسية والجسدية.
كشفت الأبحاث كيف أدَّت الحرب إلى تدمير الطفولة. فقد قال نحو نصف الأطفال الذين جرت مقابلتهم إنّهم لا يشعرون بالأمان في المدرسة أو عندما يلعبون في الخارج. وفي المقابلات ومجموعات التركيز، تبيّن أنّ 78 في المائة من الأطفال يشعرون بالأسى والحزن الشديد في بعض الأحيان أو في جميع الأوقات، كما قال جميعُ الراشدين تقريباً إنَّ الأطفال صاروا أكثر توتّراً أو خوفاً مع استمرار الحرب.
وتُظهر النتائج التي توصلت لها (مؤسّسة إنقاذ الطفل Save the Children)، أنَّ 84 في المائة من الراشدين وجميع الأطفال تقريباً يعتقدون أنَّ التفجير والقصف المتواصل، هما السبب الأول للضغط النفسي في حياة الأطفال اليومية.
وقال 50 في المائة من الأطفال إنَّهم لا يشعرون قطعاً بالأمان في المدرسة أو نادراً ما يشعرون به، ويقولُ 40 في المائة إنّهم لا يشعرون بالأمان عندما يلعبون في الخارج، حتّى خارج منزلهم مباشرةً.
وقال 89 في المائة من الراشدين إنّ سلوك الأطفال صار مشحوناً أكثر بالخوف والتوتّر مع استمرار الحرب. وأشار 71 في المائة إنّ الأطفال يعانون بشكلٍ متزايد من التبوّل المتكرّر في أثناء النوم ومن التبوّل اللاإرادي.
ويقول الخبراء التربويون: «إننا نبلغ نقطة الأزمة؛ فإذا لم تنتهِ الحرب قريباً ولم يتلقّ الأطفال الدعم النفسي الذي يحتاجون إليه، سيكونُ من الأصعب معالجة الضرر عندما يبلغون سنَّ الرشد».
محمد، عامل إغاثة مع «شفق» شريكة مؤسّسة إنقاذ الطفل في إدلب: «أتحدّث معكم من منطقة قد يموتُ فيها الناس في أي لحظة، وانعدام الأمان والأمن هذا يؤدّي إلى كثير من المشكلات النفسية لدى الأطفال. فنحن نلاحظ أنّهم مصابون بالضغط النفسي دائماً ويرتعدون لدى سماع أي صوت غير مألوف، إذا تحرّك كرسي أو أغلِقَ الباب بقوّة، وذلك بسبب خوفهم من صوت الطائرات والقذائف. ينعزلُ الأطفال بشكلٍ متزايد ولا يحبّون المشاركة في نشاطاتنا، ونرى لدى الأطفال الصغار الكثير من حالات التبوّل اللاإرادي».
ألكسندرا شين، أخصائية في حماية الطفل والصحّة النفسية في جامعة هارفارد، تقول: «صحيحٌ أنَّ الأطفال قادرون على التكيّف، إلا أن التعرّض المتكرّر للأحداث الصدمية الشديدة التي يختبرها الكثيرُ من الأطفال السوريين يضعهم في خطر كبير يتمثّل في العيش في حالةٍ من الضغط النفسي السامّ».
وتابعت أنه من المرجّح أن يؤثّر ذلك تأثيراً مدمّراً يدومُ مدى الحياة على الصحّة النفسية والجسدية لهؤلاء الأطفال، فيعيق نمو الدماغ وأعضاء أخرى، ويزيد من خطر أمراض القلب، وتعاطي مواد الإدمان، والاكتئاب، وغيره من اضطرابات الصحّة النفسية في سنّ الرشد.
وبما أنّ الراشدين أنفسهم يعانون الضغط النفسي الشديد ويجاهدون للتأقلم، فقد قال طفلٌ واحد من أصل كلّ أربعة أطفال جرت مقابلتهم، إنّهم نادراً ما يجدون أو لا يجدون أبداً مكاناً يقصدونه أو شخصاً يتكلّمون معه عندما يخافون، أو يحزنون، أو ينزعجون.
وقد فرَّ من البلد عددٌ كبيرٌ من الأطباء والأخصائيين، وبسبب التفجيرات اللامتناهية والعوائق التي تعترض عمّال الإغاثة وتمنعهم من الوصول إلى أكثر المناطق تضرّراً، يتوفّرُ القليل من خدمات الصحّة النفسية الرسمية. وفي حال وُجِدَت، غالباً ما يمتنع الناس من الوصول إليها بسبب الوصمة الاجتماعية.
ويختم التقرير بأن الطريقة الوحيدة للبدء بإبطال الضرر اللاحق بالأطفال، تتمثّل في وضع حدٍّ للسبب الجذري لضيقهم، أي العنف المستمرّ في سوريا، لا سيَّما الغارات الجوية والقصف اللذين برزا بقوّة في التقرير باعتبارهما السبب الرئيسي لمسائل الصحّة النفسية لدى الطفل.



مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».