القوات العراقية تقتحم وسط الموصل... وتلامس المدينة القديمة

وزارة الهجرة والمهجرين استقبلت أكثر من 57 ألف نازح

هجوم بسيارة مفخخة على القوات العراقية في الجانب الأيمن من الموصل أمس (أ.ف.ب)
هجوم بسيارة مفخخة على القوات العراقية في الجانب الأيمن من الموصل أمس (أ.ف.ب)
TT

القوات العراقية تقتحم وسط الموصل... وتلامس المدينة القديمة

هجوم بسيارة مفخخة على القوات العراقية في الجانب الأيمن من الموصل أمس (أ.ف.ب)
هجوم بسيارة مفخخة على القوات العراقية في الجانب الأيمن من الموصل أمس (أ.ف.ب)

منذ الصباح الباكر وبإسناد من طائرات التحالف الدولي والطيران العراقي اقتحمت قطعات قوات الشرطة الاتحادية وفرقة الرد السريع أمس أحياء مركز الموصل التي كانت تقف على مشارفها خلال الأيام الماضية ساعية إلى السيطرة على المجمع الحكومي ومبنى المحافظة، فيما تمكنت قوات جهاز مكافحة الإرهاب من دخول أحياء «الصمود» و«تل الرمان» من الجهة الجنوبية الغربية للجانب الأيمن من المدينة.
ومع توغل القوات الأمنية العراقية في أحياء مركز الموصل تدخل معركة تحرير الجانب الأيمن مرحلة جديدة تعتمد خلالها المعارك على حروب الأزقة والشوارع والأبنية بين مقاتلي القوات العراقية ومسلحي تنظيم داعش، فأحياء الدواسة تمتاز بضيقها كذلك الأحياء الأخرى التي تقع في عمق هذا الجانب من الموصل، حيث لا تستطيع المدرعات والدبابات والآليات الأخرى من التجوال في هذه الأحياء لذا ستكون الأسلحة الخفيفة والمتوسطة سيد الموقف في المعارك المقبلة الأمر الذي قد يؤدي إلى بطء تقدم القوات العراقية فيها.
وقال قائد قوات الشرطة الاتحادية العراقية، الفريق رائد شاكر جودت لـ«الشرق الأوسط»: «قطعات الشرطة الاتحادية تواصل توغلها في مناطق الدواسة والدندان والنبي شيت وقتلت العشرات من مسلحي (داعش) ودمرت 14 آلية مفخخة و6 مواضع للقناصين».
واقتحمت القوات الأمنية هذه الأحياء بإسناد قصف مدفعي وصاروخي ومشاركة مكثفة من الطائرات من دون طيار «درون». وبين قائد الشرطة الاتحادية أن قوات مغاوير الشرطة تفصلها عشرات الأمتار فقط عن المجمع الحكومي في الدواسة، وأكد أن «استعادة المباني الحكومية ستحسم معركة تحرير الجانب الأيمن بنسبة 80 في المائة استراتيجيا ومعنويا».
وفي خضم المعارك تشق العوائل الموصلية طريقها نحو المخيمات بخوف وجوع ومرض وتعب. وخلال الأيام القليلة الماضية، وصل نحو 10 آلاف نازح يوميا إلى مخيمات حمام العليل والحاج علي ومدرج المطار في القيارة بينما نقلت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية منذ الجمعة الماضي أكثر من 8 آلاف نازح من جنوب الموصل إلى شرقها لإيوائهم في مخيمات الخاز وحسن شام.
ويشتكي النازحون من غياب دور الحكومة العراقية ووزارة الهجرة والمهجرين في مساعدتهم وتزويدهم بما يحتاجونه من مواد غذائية وأدوية ومستلزمات يومية. وتقول المواطنة نداء الحمداني التي وصلت قبل أيام إلى مخيم الخازر لـ«الشرق الأوسط»: «مؤسسة البارزاني الخيرية هي الوحيدة التي قدمت لنا ما نحتاجه من مستلزمات وغذاء وزودتنا بالأغطية والمواقد النفطية، لكننا لم نلتق بأي شخص من وزارة الهجرة العراقية، فقط نقلونا إلى هنا بسيارات وزارة النقل».
أما المواطن مشعان ثائر الذي انتقل من مخيم حمام العليل إلى حسن شام، فأوضح أن أعداد النازحين كثيرة في مخيم حمام العليل الذي يفتقر إلى الخدمات الضرورية «لذا لم أبق فيه سوى لوقت قصير ونقلونا مع مجموعة أخرى من العوائل إلى مخيم حسن شام، هنا الخدمات جيدة، ولكن لن نبقى هنا طويلا لأن مناطقنا ستتحرر».
بدوره، كشف وزير الهجرة والمهجرين العراقي، جاسم محمد الجاف عن استعداد الوزارة لاستقبال 100 ألف نازح آخر من الجانب الأيمن من مدينة الموصل في مخيمات الوزارة، وأوضح في بيان له أمس أن فرق الوزارة استقبلت منذ بداية انطلاقة عملية تحرير الجانب الأيمن في 19 فبراير (شباط) الماضي وحتى الآن أكثر من 57 ألف نازح ووفرت لهم المساعدات الإغاثية والغذائية.
وتابع الجاف «فرق عمل الوزارة الميدانية مستعدة وتعمل ليلا ونهارا لإغاثة وإيواء العائلات النازحة»، موضحا أن أعداد النازحين منذ انطلاق عمليات تحرير نينوى في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن تجاوزت 286 ألف شخص. وأضاف: «التنسيق الفعال مع الجانب العسكري والأمني ومع الشركاء مستمر لتقديم أفضل الخدمات الممكنة لتخفيف معاناة النازحين».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.