تسريبات الساسة للصحافيين سلاح ذو حدين

ترمب هدد بتحقيقات حول «معلومات سرية سربت بطرق غير قانونية»

العميل الأميركي السابق إدوارد سنودن ركز على أن المرحلة المقبلة من حياته المهنية ستكون لأجل حماية الصحافيين والأشخاص الذين يمدونه بالمعلومات (غيتي)
العميل الأميركي السابق إدوارد سنودن ركز على أن المرحلة المقبلة من حياته المهنية ستكون لأجل حماية الصحافيين والأشخاص الذين يمدونه بالمعلومات (غيتي)
TT

تسريبات الساسة للصحافيين سلاح ذو حدين

العميل الأميركي السابق إدوارد سنودن ركز على أن المرحلة المقبلة من حياته المهنية ستكون لأجل حماية الصحافيين والأشخاص الذين يمدونه بالمعلومات (غيتي)
العميل الأميركي السابق إدوارد سنودن ركز على أن المرحلة المقبلة من حياته المهنية ستكون لأجل حماية الصحافيين والأشخاص الذين يمدونه بالمعلومات (غيتي)

في الأسبوع الماضي، نقلت وكالة «رويترز» تصريحات سرية أدلى بها ستيفن مونشين، وزير الخزانة الجديد، في أول اجتماع له مع مساعديه ومستشاريه. قال لهم إنه لن يقبل تسريب أي معلومات من الوزارة إلى الصحافيين. وهدد بأنه سيأمر بتفتيش تليفونات وكومبيوترات كل من يشك في أنه يسرب هذه المعلومات، عندما سألت الوكالة المتحدث باسم الوزارة، قال، في بيان مكتوب: «ناقش الوزير منع مشاركة صحافيين، أو غيرهم، معلومات الوزارة من دون إذن». ونفى المتحدث أن الوزير تحدث عن مراقبة التليفونات والكومبيوترات. ولم يسأل المتحدث الوكالة كيف تسرب إليها خبر ما حدث في الاجتماع.
ونقلت الوكالة تصريحات مسؤولين في وزارة الأمن لها بأن الوزارة تجري تحقيقا لمعرفة طريقة تسريب تقرير كان الوزير كتبه عن منع دخول مواطني سبع دول إسلامية. ونقلت تصريحات مسؤولين في وزارات ومصالح أخرى طلبوا عدم نشر أسمائهم أو وظائفهم، وتحدثوا عن «أجواء توتر وقلق» بسبب تركيز إدارة الرئيس ترمب على موضوع تسرب المعلومات الرسمية.
منذ العام الماضي، عندما كثف دونالد ترمب، المرشح الرئاسي في ذلك الوقت، حملته ضد الصحافيين، استعمل كلمات مثل: «كذب» و«تزوير» و«فساد». وكرر في تغريداته في موقع «تويتر» عبارة «فيك نيوز» (أخبار مزورة).
بعد أن صار رئيسا، صعد الحملة:
أولا: صار يستعمل عبارة «أعداء الشعب الأميركي».
ثانيا: صار يهاجم تسريبات معلومات حكومية إلى صحافيين.
قبل أسبوعين، في مؤتمر صحافي طويل وعاصف في البيت الأبيض (أول مؤتمر صحافي له رئيسا)، قال: «الأخبار مزورة، لكن التسريبات صحيحة». وهدد الصحافيين بأن وزارة العدل ستبدأ تحقيقات حول «معلومات سرية سربت بطرق غير قانونية».
قبل أسبوعين، صعد شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، أيضا، حملته، في اتجاهين:
أولا: اتهم الصحافيين الذين يسربون معلومات حكومية بأنهم «يخونون الوطن، ويهددون أمنه».
ثانيا: حقق مع موظفي مكتبه عن تسريب هذه المعلومات.
عن هذه النقطة الأخيرة، قالت صحيفة «بوليتيكو» إن سبايسر صادر تليفونات بعض موظفيه، وأرسلها إلى خبراء فنيين في البيت الأبيض للبحث عن اتصالات أجروها مع صحافيين.
وتحدث عن الموضوع جيمس رايزن، صحافي في صحيفة «نيويورك تايمز»، كاد أن يدخل السجن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بعد أن نشر معلومات مسربة عن اشتراك الاستخبارات الأميركية مع الاستخبارات الإيرانية لتخريب برنامج إيران النووي. قال رايزن إن أوباما، عكس ما قد يتوقع كثير من الناس، كان متشددا جدا في هذا الموضوع. وإنه أمر بالتحقيق مع تسعة صحافيين بتهمة تسريب ونشر معلومات حكومية (بالمقارنة مع ثلاثة تحقيقات مع صحافيين خلال عهود كل الرؤساء السابقين).
وقال ليونارد داوني، رئيس التحرير التنفيذي السابق لصحيفة «واشنطن بوست»، إن الوقت مبكر لمعرفة ما سيفعل الرئيس ترمب نحو الصحافيين والمسؤولين الذين يسربون معلومات حكومية سرية.
حسب تقرير عن الموضوع في دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا (في نيويورك)، هذا الموضوع سلاح ذو حدين. وذلك لأن المسؤولين، أحيانا، يتعمدون تسريب معلومات إلى صحافيين بهدف نشرها، وخدمة أجندة المسؤول، أو أجندة الوزارة أو المصلحة التي يعمل فيها. في نفس الوقت، يقدر صحافيون على الحصول على معلومات تؤذي هذه الأجندة.
وقالت الدورية إن التسريبات «يمكن أن تكون مقصودة، أو غير مقصودة». وإن المسرب قد يريد التأثير على الصحافي (ويريد كسب ثقته في المستقبل)، في نفس الوقت الذي قد يريد فيه الصحافي أن يؤثر على المسؤول (بأن يخدم أجندته).
وتوجد ما تسمى «تريال بالون» (بالونة الاختبار)، عندما يريد المسؤولون معرفة ردود فعل الناس على برامج أو قرارات معينة قبل إصدارها. يسربون معلومات أولية، أو مختصرة، ثم يقررون، على ضوء ردود الفعل، إذا سيصدرونها، أو لا.
يحدث هذا في الوقت الحاضر في موضوع إلغاء قانون الضمان الصحي الذي كان أصدره الرئيس السابق أوباما. يريد الجمهوريون استبداله بقانون جديد. لكن، لأن الموضوع معقد، ولأن الجمهوريين لم يعدوا قانونا جديدا حتى الآن، ينشرون أخبارا، من وقت لآخر، عن مشروع قانون حول هذا البند أو ذاك، ويحاولون الاستفادة من ردود الفعل وهم يعدون القانون الجديد. في كل الحالات، يمكن أن يحدث الآتي: يتصل مسؤول بصحافي ويقول له: «عندي لك خبر سيجعل رئيسك يزيد راتبك». وعندما ينشر الصحافي الخبر، يتصل بالمسؤول، ويقول له: «اطلب من رئيسك أن يزيد راتبك».
في نفس الوقت، يمكن تسريب معلومات تحرج معارضين، أو خصوما سياسيين، أو حكومات معادية. في هذه الحالات، يتحمس المسرب لنشر الخبر، ويقبل الصحافي لأن نشر الخبر سيرفع أسهمه، أو اسم صحيفته. لكن، عند تسريب معلومات عن الأمن الوطني، أو عن خطط عسكرية، يوجد نوع من التردد من الجانبين: المسرب (الذي يمكن أن يفقد وظيفته، أو يقال، أو يحاكم)، والصحافي (الذي يمكن أن يحاكم).
في العام الماضي، سرب صحافيون، بالتعاون مع موظفين في بنما، وثائق سرية عن الملاذات الضريبية في الخارج. أحرجت المعلومات كثيرا من الناس في كثير من الدول. واستقال بعضهم، وحوكم بعضهم. لكن، لمع نجم الصحافيين الذين جمعوا ونشروا المعلومات.
في عام 1971. نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» ما صارت تسمى «أوراق البنتاغون»، إشارة إلى تقرير عملاق وضعه الجنرالات عن مستقبل التدخل الأميركي في حرب فيتنام. وكان التقرير متشائما، وأحرج الجنرالات، وأحرج الرئيس رتشارد نيكسون. وصل محامو نيكسون إلى المحكمة العليا بهدف وقف النشر، وخسروا.
وفي عام 1972، بدأت صحيفة «واشنطن بوست» نشر أخبار عن «فضيحة ووترغيت» (تسلل عملاء تابعين للحزب الجمهوري إلى رئاسة الحزب الديمقراطي في مبنى ووترغيت، في واشنطن، بهدف سرقة معلومات عن الحملة الانتخابية في ذلك العام). اعتمدت الصحيفة على مصدر سري. وورطت، ليس فقط مسؤولين في قيادة الحزب الجمهوري، ولكن، أيضا، مسؤولين في البيت الأبيض، ثم الرئيس نيكسون نفسه. واضطر نيكسون لأن يستقيل، وصار أول رئيس أميركي يستقيل.
في عام 2012، بعد 40 عاما، كشف أن نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في ذلك الوقت، مارك فيلت، كان يسرب معلومات إلى الصحيفة.
في عام 2003. نشر كاتب الرأي روبرت نوفاك معلومات سلبية سربت له عن فاليري بليم، التي كانت جاسوسة في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وزوجة السفير جوزيف ويلسون، من معارضي غزو العراق. وكان القصد من التسريب هو إحراج ويلسون.
وفي عام 2010. سربت الجاسوسة جيلسي مانينغ أكثر من ربع مليون وثيقة تابعة للبنتاغون ووزارة الخارجية عن السياسات الأميركية في أفغانستان والعراق. وكانت من بينها وثائق عن قتل مدنيين في العراق كانوا يتظاهرون في بغداد ضد الاحتلال الأميركي.
وفي نفس العام، سربت منظمة «ويكيليكس» مئات الآلاف من خطابات بين رئاسة الخارجية والسفراء الأميركيين، خلال العشر سنوات الماضية. وسبب النشر إحراجات كثيرة لسفراء ولحكومات.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».