حينما يتحول الشعر إلى طيف لوني

الفنان العراقي ساطع هاشم في معرض فردي بلندن

من المعرض
من المعرض
TT

حينما يتحول الشعر إلى طيف لوني

من المعرض
من المعرض

كيف لا يتأثر صاحب الألوان بالشعر، خصوصًا إذا كان الشعر صديقه ورفيق عمره؟ هذا ما حصل مع الفنان العراقي المغترب ساطع هاشم في معرض منفرد له تحت عنوان «لا شيء غير جميل»، على قاعة المركز البولوني في همرسميث في لندن، ويستمر حتى منتصف الحالي، خصوصًا في لوحته المعنونة «بلادي» المؤرخة 2009، وهو العام الذي أطل فيه الفنان على عقده الخامس، التي تبدو كأنها استرجاع موجز لنصف قرن مضى من حياته.
في النصف الأعلى من اللوحة يسيطر لون واحد هو «التركواز»، وهو خلفية لقصيدة الشاعر العراقي رشدي العامل «وطني» الذي كتبها الشاعر حين دخل عامه الخمسين أيضا:
هزمتني الأحلام،
تقصي ما أرادوه وتدني
تعبت مزاميري،
فبعت أصابعي، وكسرت دني
ورجعت ملتحفًا ضباب الليل
في وطني، كأني في الفجر، ما ناغيت غبشته
ولا أبصرت مرأى
القصيدة في هذه اللوحة هي دلالة انتماء الفنان لمرحلة اجتماعية ثقافية معينة في تاريخ العراق. يكرر الفنان بعض أبيات القصيدة بخط مموَّه إلى أن تتلاشى في النصف السفلي من اللوحة الذي يسيطر عليه اللون الأسود والأخضر القاتم، دلالة واضحة على موطنه الأول (العراق/ أرض السواد)، وهناك تكوينات لونية مبهمة أقرب إلى أن تكون بشرية بعيون مفتوحة تهيمن على منتصف اللوحة.
هذه التكوينات المتحركة تتزاحم فيها الألوان، كأن الفنان يشرح التركيب البيولوجي لها، لكن ليس بمبضع التشريح، بل بضربات اللون التي تسيل وتتحول إلى فقاعات، كأنما هذه اللوحة هي مرثية لأحلام وأمنيات الحياة التي تنفجر واحدة بعد الأخرى وتتلاشى. ولوحة «بلادي» تحتل صدارة القاعة التي ضمت أيضًا خمسة وعشرين عملاً فنيًا.
يقول ساطع هاشم إنه عندما يرسم لا يفكر بالأسلوب الذي يتبعه للبدء بلوحة، بل يذهب بتلقائية نحو ألوانه ويطلق العنان لمخيلته، لذا تباينت الأعمال المعروضة في الأساليب والخامات والثيمات والتقنيات. فهناك ثلاث لوحات تجريدية مبنية على أساس القواعد الرياضية لواقعية الكمّ، وهي عالم الأطياف اللونية أو بمعنى فيزيائي هي ألوان الموجات الكهرومغناطيسية التي طور الفنان فيها أسلوبه الخاص، في مجال واقعية الكم التي كان أبرز روادها الفنان الرائد الراحل محمود صبري. وهناك سلسلة من أربع لوحات هي تخطيطات حبرية على الورق، استلهم الفنان فيها الموروث الرافديني والرموز الشعبية للتعبير عن مواضيع راهنة كاللوحة التخطيطية التي كتب في أعلاها «22.3.2016 بروكسل تحت القصف الإرهابي... داعش أعلنت المسؤولية بعد قتلها آلاف العراقيين».
لوحة «الوجه/ 2012» أكرليك على قماش هي لوحة يلتقط ويشرّح فيها الفنان الأحاسيس الداخلية والانفعلات لرأس بلا ملامح (وأعتقد أن الفنان تعمد تغيب الملامح ليسقطها المتفرج على نفسه ربما)، بمزيج من الأطياف اللونية، ولا غرابة فساطع هاشم مهتم منذ أمد بعيد بتأثير اللون على فيزياء الإنسان وحالته النفسية. وعليه، فعندما يغطي رأسًا ما بالألوان المتدرجة المتماوجة فهو يعبر ضمنًا عن تباين التركيب البيولوجي للرأس البشري، وكذلك تباين مزاجه وحالاته النفسية.
من أبرز اللوحات المعروضة أيضًا لوحة (الشباب والكهولة / 2016)، أكرليك على قماش، وفيها يتجه ساطع هاشم نحو التعبيرية الواقعية، فعلى خلفية بنية داكنة تقف امرأتان، إحداهما منحنية مع الخطوط الخضراء الداكنة، وترتدي الملابس التقليدية لنساء العراق والأخرى تتوهج مع الأخضر المشع بقوام ممشوق. المرأتان تواجهان بعضهما، وأعتقد أنهما تتبادلان الأدوار أيضًا.
عناوين اللوحات في المعرض، هي جزء من فك شفرتها، فقد اختيرت جميع العناوين بعناية فائقة، وكأنها جزء مكمل للعمل الفني. عمد هاشم أيضًا في أغلب لوحات هذا المعرض كما في لوحة «الجبل يردد أغنيتها / 2016»، وهي أكرليك على قماش، إلى إلغاء تفاصيل وملامح الشخوص واستبدالها بفاعلية وحركية اللون، كأن اللون هو مولد الحركة أو هو الدافع نحو الحركة. لكن ما من لون صاف أو مشع لوحده. ففي هذه اللوحة هناك تكوين أنثوي يمتطي حصانًا، وكل ما حولهما في حالة غناء ونشوة، لون الأفق في هذه اللوحة هو لون السكينة والدفء. بينما تختلط الألوان في الجزء السفلي من اللوحة بزخارف كثيرة بما يشبه لحن إيروتيكي يتردد صداه، وينسحب نحو هدوء خضرة الأفق.
ألوان ساطع هاشم ليست قيمًا شكلية مجردة وُضِعت للزينة أو لإبهار المتلقين (رغم أنها تتضمن هذه الغايات)، بل إن لها وظيفة عملية، كواسطة اتصال ودعاية ونقل الأفكار، ومن هنا أسلوبه الخاص جدًا في رسم البورتريه الشخصي، فلوحة «سيلفي/ 2016» وهي أكرليك على قماش، يصور فيها الفنان نفسه بمجموعة من الأطياف اللونية يغلب عليها زخارف باللون الأصفر، ويحوط وجهه بهالة تشبه هالات القديسين أو ربما هي المجال الكهرومغناطيسي الذي يحوط كل إنسان، مع نظرة جانبية واضحة وفاقعة بفعل الأصفر، الذي يسيطر على مساحة البورتريه.
لساطع هاشم ثلاث ملهمات رئيسية في أعماله، كما يقول، أولها تاريخ الفن فهو دارس ومتابع لتاريخ الفن والموروثات الفنية والآثارية للإنسانية جمعاء، وثاني الملهمات، هو العلم والفيزياء، خصوصًا كيفية تحليل الموجات الضوئية والكهرومغناطيسية والإمساك بألوانها الطبيعية، ومن ثم تحويل هذه الألوان إلى طلاءات وأصباغ تجارية، وثالث مصادره الإبداعية هو البيئة التي عاش ويعيش فيها هاشم؛ فمن بيئة العراق الزراعية حيث ولد في محافظة زراعية هي ديالى، ومن ثم انتقاله إلى الجزائر التي يصفها بأنها أجمل بلدان العالم من حيث الطبيعة، وفيها تفتحت ذائقته على أهمية اللون وتدرجاته الطبيعية، وانتقاله إلى روسيا حيث اللون المسيطر هو الأبيض نتيجة تساقط الثلج الذي يتحول إلى الفضي ما إن تشرق عليه الشمس، وأثناء وجوده في روسيا أثرى فنيًا من متحف الأرميتاج الذي كان يزوره باستمرار، ومن الثقافة الروسية المحلية والإيقونات الدينية. ثم انتقاله إلى براغ والسويد واليونان وبريطانيا، فكما يقول ساطع هاشم إنه تأثر بثقافات وطبيعة كل هذه البلدان التي عاش فيها لكنه في الوقت نفسه، لا يزال يستلهم موروثه العراقي التاريخي والشعبي في أعماله.
تعكس الأعمال المعروضة الاهتمام المستمر للفنان ساطع هاشم بموضوع تاريخ اللون وعلاقته بالإنسان وعقائده المتقلبة عبر الزمن، وهو الفرع الجديد في الدراسات الفنية التي تشغل الفنان منذ سنوات طويلة، حيث تبدو بوضوح تلك الرموز التي استعملها الإنسان، منذ أن وجد على هذه الأرض للتعبير عن معانٍ وأفكار مجردة، مثل الحب والموت والغواية ورحلة العذاب البشري الروحية المجسدة في غالبية المعروضات الحالية والمنفذة على القماش أو الورق في علاقات هارمونية منسجمة تبعث على المسرة والمتعة والمعرفة على حد سواء.
كتب عنه المؤرخ ورئيس قسم تاريخ الفن في جامعة لافبره في المملكة المتحدة كوردون ميلر يقول: «الألوان على الخصوص لها أهمية استثنائية عميقة عند الفنان ساطع، فهو يعتبر اللون وكأنه وحي يسري في النفس والجسد، ويتضمن التحولات الثقافية للجنس البشري. ويرى أن اللون كتركيب ثقافي مميز مفروض على مبادئ الإدراك البصري».
ساطع هاشم من مواليد مدينة بهرز (محافظة ديالى) العراق حاصل على شهادة الماجستير سنة 1989 بالرسم الجداري من أكاديمية موخينا للفنون الجميلة (ليننغراد) الاتحاد السوفياتي سابقًا، ويقيم حاليًا في مدينة ليستر البريطانية كفنان متفرغ، وقد أقام كثيرًا من المعارض الشخصية، وأسهم في معارض جماعية كثيرة حول العالم.
كرمته بلدية مدينة ليستر حيث يقيم عام 2010، وذلك بتسمية إحدى القاعات التي تحتوي على اثنتين من جدارياته في كلية التعليم وسط المدينة باسمه (قاعة ساطع هاشم).
وتقتني أعماله مجموعة من المتاحف والمجموعات الفنية العامة والخاصة، ومنها المتحف البريطاني في لندن، متحف مدينة ليستر - نيوولك، متحف كالينينغراد للفن المعاصر في روسيا، هاندلس بنك في استوكهولم وغيرها.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.