السنوار: عسكري «حماس» الذي أقصى السياسيين

إسرائيل وأميركا تعدانه «إرهابياً»... والحركة تقول إنه «صاحب فكاهة»

السنوار: عسكري «حماس» الذي أقصى السياسيين
TT

السنوار: عسكري «حماس» الذي أقصى السياسيين

السنوار: عسكري «حماس» الذي أقصى السياسيين

لم يتردد يحيى السنوار قبل نحو 3 عقود في خنق متعاونين مع إسرائيل بكلتا يديه، حتى الموت وعلى الأقل فإن اثنين منهم ماتا خنقا بكوفيته الخاصة، بعد انتهاء التحقيق الميداني معهم. وأثناء 22 سنة أمضاها في السجون الإسرائيلية، قبل أن يطلق سراحه ضمن صفقة تبادل مع إسرائيل، شكل السنوار صداعا شديدا لكل مشتبه به، بسبب ما وصف «بالهوس الأمني» الذي يسيطر عليه. وفي غزة التي عاد لها بعد غياب طويل، ظل الفتك بالمتورطين في قضايا لا تحتمل المساومات بالنسبة له، هوايته الخاصة، إذ أمر في السنوات القليلة الماضية بتصفية البعض، بينهم مسؤولون في حماس والقسام، لم يعرف فيما تورطوا بالضبط. لقد رسمت هذه القصص بالنسبة لكثيرين صورة كافية للذين عرفوا السنوار عن قرب أو سمعوا عنه لاحقا أسيرا ومحررا.
لم يحتج يحيى السنوار، القائد الجديد لحركة حماس في قطاع غزة، بفعل «سيرته» السياسية والأمنية أي وقت لبث الهيبة في غزة، بعدما تحرر من سجنه، إذ سبقته إلى هناك حتى عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية التي انتقدت تحرير الحركي «الأكثر تطرفًا»، ووسائل الإعلام الفلسطينية التي بثت بشكل استثنائي أن «القيادي القسامي» يحيى السنوار شوهد فعلا في الحافلات، التي تقل الأسرى المحررين من السجون إلى غزة في عام 2011.
لقد حظي السنوار بتغطية استثنائية سبقت وصوله، وحظي كذلك بعناق طويل من كل قادة ومسؤولي حماس على بوابات غزة التي عانق ترابها طويلا، ثم توارى فورا عن الأنظار. ويذكر أنه منذ سنوات طويلة لم يظهر السنوار إلا نادرا. لم يتحدث إلى وسائل إعلام، واكتفى بما يبثه الآخرون عنه. واليوم بعدما أصبح على رأس حركة حماس في غزة، حافظ على نمط حياة محدد، بلا ظهور، بلا وسائل إعلام.
إنه باختصار رجل أمن وليس رجل سياسة.

سنمر مرهم!
قبل 11 سنة، عندما كان السنوار معتقلا في السجون الإسرائيلية، قال لمراسل القناة الإسرائيلية الثانية: «لن نعترف بإسرائيل، ولكننا مستعدون لقبول هدنة طويلة الأمد تحقق هدوءا وازدهارا في المنطقة، في هذا الجيل، على الأقل، وربما في الجيل القادم... مع ذلك، سنمر مر حياة الإسرائيليين أثناء المحادثات حول الهدنة، مثلما فعلنا في المقاومة والحرب». وتختصر هذه الجملة المقتضبة إلى حد كبير «عقلية» السنوار الذي أصبح مرة واحدة قائد حماس في غزة متجاوزا أسماء كبيرة للغاية.
وبسبب عقليته تلك يتوقع أعداؤه أنه سيملي خطا أكثر تشددا على الحركة، في الشأن الداخلي وفي طريقة حكم القطاع، ومع الآخرين، وهو انطباع عام لفرط ما هو راسخ حتى لدى الغزيين، حاولت حماس طمأنة الجميع بأن لديها مجلس شورى يقرر، وليس شخصا واحدا فقط على رأس الحركة.

أول عسكري يرأس الجسم السياسي
بشكل غير متوقع، تزعم السنوار حركة حماس في قطاع غزة بصفته أول عسكري على رأس الجسم السياسي، بعد أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل هنية، وكلهم سياسيون، في مؤشر على قوة «كتائب القسام» التي طغت على السياسيين، وقوة السنوار التي طغت على «كتائب القسام». إلا أن طريق السنوار لم يكن صعبا نحو القمة. فبعد أن تحرر من السجون الإسرائيلية بقليل نجح في الوصول إلى ما يعرف بمكتب سياسيي حماس في غزة أي قيادة القطاع، كعضو في هذا المكتب. وكان السنوار ممثلا لـ«القسام» في القيادة السياسية، لكنه كان معروفا بين الناس وزير دفاع «القسام» الذي لا يكترث كثيرا بالمستوى السياسي حتى.
وبعد تحريره أصبح فورا لاعبا مهما ومؤثرا، ليس بسبب عضويته في قيادة غزة، وليس لأنه صار يقرر في شؤون كثيرة سياسية وأمنية - وكذلك فيما يخص التهدئة مع إسرائيل -، بل بسبب علاقته الخاصة والمميزة بقائد «القسام» محمد الضيف، الرجل الأكثر مهابة في حماس. وبسبب هذه العلاقة، إضافة إلى سيرته المعروفة، تسلم الأمن في «القسام»، وأصبح مسؤولا في عام 2015 عن الملف الأكثر حساسية وأمنا، في حماس ولدى الإسرائيليين، أي ملف الأسرى الإسرائيليين. وبالتالي، بات مسؤولا عن أي مفاوضات مع إسرائيل بهذا الشأن.

نشأته وهوسه بقتل العملاء
ولد يحيى إبراهيم حسن السنوار عام 1962 في مخيم خان يونس للاجئين بجنوب قطاع غزة، وتعود جذوره إلى مجدل - عسقلان.
عرف عنه منذ صغره الانضباط الشديد، ونزعته الدينية. وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية في غزة مطلع الثمانينات ويبرز واحدا من نشطاء العمل الإسلامي.
وأصبح مسؤولا للجنة الفنية، ومن ثم اللجنة الرياضية ونائبا لرئيس المجلس ورئيسا للمجلس. ومن ثم، أصبحت علاقته بالشيخ أحمد ياسين - الذي أسس حماس لاحقًا، واغتالته إسرائيل - قوية جدًا، واتفقا على تأسيس جهاز «مجد» الأمني الذي تخصّص في ملاحقة «المتعاونين» مع إسرائيل. وكان السنوار يشرف شخصيا على الملفات، وتولّى بنفسه قتل «عملاء».
ولقد اتهمته إسرائيل على الأقل بقتل 4 منهم وحكمت عليه عام 1988 بالسجن المؤيد 4 مرات. وأظهرت اعترافاته في التحقيقات في إسرائيل، التي كُشف عنها في موقع الأخبار الإسرائيلي «والاه» أنه قتل العملاء بنفسه. كذلك نقل عن السنوار قوله «ربطتُ عينيه بخرقة لئلا يرى إلى أين نسافر، أدخلت (رسمي) إلى قبر كبير داخل المقبرة... وعندها خنقته مستخدما كوفية كانت معي»... وتحدث السنوار أيضًا عن «معلومات» وصلت إليه عن «متعاونين» مع إسرائيل. وصلت معلومات كهذه عن «عدنان» من سكان غزة، وفورًا اختطفه السنوار ورجاله مهدديه بالسلاح، وبعدما اعترف «عدنان» بعلاقته مع الاستخبارات الإسرائيلية، قتله السنوار فورا.
اعتقل السنوار لأول مرة عام 1982 لمدة أربعة أشهر، وخرج ليعتقل بعد ذلك بأسابيع قليلة وحكم عليه مرة ثانية بالسجن 6 أشهر إداريًا في سجن الفارعة، وفي عام 1988 اعتقل مجددًا، ونقل للتحقيق، وحكم عليه بالسجن أربع مرات بالمؤبد و30 سنة. وتنقل أثناء اعتقاله عشرات المرات بين السجون، وقضى غالبية فترة الاعتقال في العزل الانفرادي. وذكرت تقارير إسرائيلية أن السنوار حاول كسر قيوده عدة مرات. وانتخب رئيسًا للهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في سجون الاحتلال لدورتين متتاليتين، وقاد كثيرا من المفاوضات المباشرة مع إدارة السجون الإسرائيلية، وقاد إضرابات عن الطعام كذلك.

سجنه وسكتته الدماغية
بصفة السنوار ممثلا للأسرى التقى مع مسؤولين إسرائيليين ومن بينهم رئيس جهاز «الشاباك» السابق يوفال ديسكين. وكانت هناك رقابة مشددة على السنوار من قبل سلطات الأمن عندما كان مسجونا، وكانت الوحدات الخاصة في مصلحة السجون تفحص أغراضه كل أسبوع. كان يخطط سياسة حماس داخل السجون وله رأس مسموع في الخارج، ولقد شكل أيضا مصدر قلق كبير للعملاء داخل السجون.
وفي عام 2005، تعرّض السنوار لسكتة دماغية فمكث في مستشفى سوروكا بمدينة بئر السبع، عاصمة النقب، وعالجه الإسرائيليون، لاحقا تعلم اللغة العبرية وصار يتكلمها بطلاقة.

لحظة الحرية
عام 2011 وضع اسم يحيى السنوار في رأس قائمة حماس التي وضعتها مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد احتجازه في غزة 5 سنوات. ونقلت تقارير آنذاك أن السنوار عارض الصفقة بشكلها الحالي حتى مع وجود اسمه، إذ كان يطلب الإفراج عن كل معتقلي القسام من داخل السجون. وخرج السنوار، من ثم، إلى غزة محرّرا، وفورًا تولى مهامه المختلفة حتى أصبح قائد الحركة.
لكن كيف يرى الأصدقاء والأعداء قائد حماس الجديد؟

حماس: صاحب فكاهة
يقول الإسرائيليون عن السنوار إن حماس تخشاه، وركز الإعلام الإسرائيلي على حادثة قتل القيادي في القسام أبو المجد شتيوي، الذي كان معروفا بصفته مسؤولا كبيرا في «القسام»، واتهامات والدته للسنوار بقتل ابنها بسبب صراع نفوذ. وربما ساعدت هذه الحادثة على رسم صورة مخيفة لقائد حماس الغزي الجديد، إلى الحد الذي غرّد معه كثير من الناشطين الغزيين على مواقع التواصل الاجتماعي مبشرين بحرب جديدة بعد إعلان فوز السنوار.
لكن حماس الرسمية حاولت رسم صورة مغايرة له بعد فوزه؛ إذ قال صلاح البردويل، عضو قيادة غزة الجديدة: «اختيار يحيى السنوار قائدا لحركة حماس في غزة، جاء بعملية ديمقراطية انتخابية معقدة وهادئة، وبإرادة ووعي من عشرات الآلاف من كوادر الحركة». وأضاف البردويل في تصريحات لقناة «الأقصى» التابعة للحركة: «أن يأتي قائد بحجم يحيى السنوار هذا أمر تحدده قاعدة حماس ووفق القانون والنظام واللوائح المعمول بها. لكن لا ينبغي التركيز على شخصيته دون النظر إلى العملية الكبيرة التي تمت والمؤسسة التي اختارته ليكون قائدا لها».
وقلل البردويل من أهمية ما وصفه بـ«التخوّفات والهواجس التي حاول الإعلام الصهيوني ترويجها وانساق معها البعض، بعد انتخاب السنوار»، وقال: «إنها لا تغني عن حقيقة أن حماس ماضية في طريقها الشوري الديمقراطي ولا تفارق مبادئها ولا أهداف شعبها». ورسم صورة شخصية للسنوار قائلا: «إنه يؤمن بالوحدة الوطنية وبالعلاقات مع الفصائل وهو رجل مصالحة، وعربي يكن لمصر احتراما خاصا»، مضيفا: «هذا سيكون له انعكاسات كبيرة جدا، وسيرى الناس كيف يستحق السنوار أن يكون قائدا لحماس». وتابع: «إنه خلوق وإنسان وصاحب فكاهة، ولن يحدث تغيير سوى في نشاطه».

واشنطن: إرهابي دولي
لم تعقب الولايات المتحدة على فوز يحيى السنوار، لكن كان لها موقف مسبق منه، ففي سبتمبر (أيلول) من عام 2015 أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، إدراجها إياه وعددا من قادة حماس على لائحتها السوداء حيث اتهمتهم بأنهم «إرهابيون دوليون». ويومذاك ضمت القائمة كلاً من صديقه المقرّب روحي مشتهى، وقائد «القسام» محمد الضيف، ووزير الداخلية السابق في حماس فتحي حماد، ومسؤول الجهاد الإسلامي رمضان شلح، ونائبه زياد النخالة.

الإسرائيليون: «شيخ القتلة» مندفع وخطير
قبل انتخاب السنوار اتهمه الإسرائيليون بأنه متشدد وعنيد. ويملي خطا أكثر تشددا على كل حماس، وبعد إعلان فوزه في الانتخابات مسؤولا للحركة في غزة، شنت وسائل إعلام إسرائيلية، حملة كبيرة ضده بوصفه «الأكثر تطرفا»، وتناولت كل تفصيلة ممكنة عنه، ونشرت حتى عن إلمامه باللغة العبرية، وكيف خضع لعملية خطيرة على أيدي أطباء إسرائيليين عندما كان في السجن، باعتبار الأطباء الإسرائيليين «أنقذوا حياته». وعزز وزير الطاقة يوفال شتاينتس المخاوف الإسرائيلية بأن السنوار سيقود المنطقة إلى حرب، بقوله إن المواجهة القادمة مع حركة حماس «هي مسألة وقت ليس إلا». وعد وزير الطاقة، انتخاب السنوار لقيادة حماس بأنه «خطر للغاية بسبب طابعه الاندفاعي»، مضيفا: «كلما تعزّزت مكانته ازداد الخطر الذي يشكله». وتابع: «إنه شخص قد يردّ بشكل هستيري نابع من أوهام جهادية».
وانضم رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، آفي ديختر، للمتشائمين في إسرائيل، ودعا إلى تعزيز القدرات لتدمير البنية التحتية لحماس، بعد وصول السنوار. ووصفه ديختر بأنه «شيخ القتلة»، ثم قال بنبرة تهديد: «خسارة أننا لم نقتل يحيى السنوار، لكن اليوم هو ليس محصنًا».
وباختصار شديد، فإن الانطباع العام في دهاليز القرار الإسرائيلي عن القائد الحماسي، مبني على معرفتهم القريبة بالرجل أثناء التحقيق وعندما كان في السجون لمدة 22 سنة، وكذلك من مواقفه غير المهادنة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».