هجوم للنظام على ريف حلب الغربي بهدف تأمين خط دفاعي متقدم

توتر بين الفصائل المتشددة في ريف إدلب... وتعزيزات على نقاطها العسكرية

هجوم للنظام على ريف حلب الغربي بهدف تأمين خط دفاعي متقدم
TT

هجوم للنظام على ريف حلب الغربي بهدف تأمين خط دفاعي متقدم

هجوم للنظام على ريف حلب الغربي بهدف تأمين خط دفاعي متقدم

تصدت قوات «هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل معتدلة وأخرى متشددة بريف محافظة حلب الغربي، في شمال غربي سوريا، لهجوم شنته قوات النظام وحلفاؤها في محاولة لقضم مساحات جديدة بريف حلب الغربي، وذلك بالتزامن مع توتر بين «الهيئة» (التي تضم ضمن فصائلها المتشددة جبهة النصرة - جبهة تحرير الشام) و«حركة أحرار الشام الإسلامية» في ريف محافظة إدلب.
«مكتب أخبار سوريا» أفاد باندلاع اشتباكات عنيفة على محاور جبل معارة وشويحنة والراشدين الشمالي والجزيرة غربَ مدينة حلب، إثر تصدي عناصر «هيئة تحرير الشام» المعارضة «لمحاولة الميليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانب القوات النظامية التقدم في مناطق سيطرة المعارضة وسط قصف مدفعي مكثف». ويسعى النظام لتوسيع رقعة سيطرته، و«تأمين خط دفاعي متقدم من أي هجمات للثوار مستقبلاً»، بحسب ما يقول معارضون.
من جانبه، تحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن استمرار الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل الإسلامية والمعارضة من جهة أخرى، في محور تل شويحنة غرب حلب. وترافقت الاشتباكات مع عمليات قصف متبادل، وسط تقدم لقوات النظام في عدة نقاط، بالتزامن مع استمرار المعارك العنيفة في محاولة من الفصائل استعادة السيطرة على هذه النقاط.
وأشار إلى أن الاشتباكات ترافقت مع تنفيذ الطائرات الحربية عدة غارات على مناطق الاشتباك، فيما استهدفت الفصائل الإسلامية بصاروخ تمركزاً لقوات النظام في محور الأكاديمية العسكرية غرب حلب.
أما الناشط الإعلامي المعارض بهاء الحلبي، من ريف حلب الغربي، فأبلغ «مكتب أخبار سوريا»، أن قوات النظام سيطرت على مزرعة الشهيد جهاد قرب تلة شويحنة الاستراتيجية، فيما تواصلت المواجهات العنيفة على جبهات بلدة المنصورة وحي الراشدين الخامس وجمعية الزهراء وجبل معرة الارتيق غرب المدينة، في محاولة للسيطرة عليها.
وأضاف الحلبي أن قوات النظام - المدعومة من حلفائها بدأت هجومها بتمهيد براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، تزامناً مع غارات مكثفة للطيران الحربي النظامي والروسي على مواقع المعارضة، كما استهدفت بالقنابل العنقودية حيي جمعية الزهراء والراشدين الخامس.
كذلك صعّدت قوات النظام من وتيرة القصف التي استهدفت ريفي محافظة حلب الشمالي والغربي الخاضعين لسيطرة المعارضة، حيث استهدفت بلدتي معارة الارتيق وحريتان (شمال وشمال غربي حلب)، ومناطق أخرى في بلدات المنصورة والراشدين وسوق الجبس وخان العسل (غرب حلب وبريفها الغربي)، بينما سقطت عدة قذائف «هاون» على مناطق في حي حلب الجديدة الخاضع لسيطرة قوات النظام داخل المدينة.
وكانت شهدت جبهات الراشدين وسوق الجبس وعدة محاور في غرب حلب اشتباكات وقصفاً عنيفاً بين الثوار وقوات النظام، في محاولات متكررة للأخير للتقدم على المنطقة، حيث تكبدت في كل محاولة كثيراً من القتلى والجرحى.
وفي مقابل التصعيد في حلب، واصلت قوات النظام قصف مناطق في حي الوعر شمال غربي مدينة حمص، حيث سقطت عدة أسطوانات متفجرة أطلقتها قوات النظام على مناطق في الحي المحاصر، ترافقت مع قصف قوات النظام بالدبابات وقذائف الهاون على مناطق في الحي.
وفي السياق ذاته، قصفت قوات النظام مناطق في قرية عيدون بمنطقة السطحيات في ريف محافظة حماه الجنوبي الشرقي.
أما في محافظة إدلب، وبينما يواصل النظام تصعيده، تجدد التوتر بين «هيئة تحرير الشام» وحركة «أحرار الشام» في بلدات الريف الشمالي للمحافظة وسط تحشدات وتعزيز بعض الحواجز في شلخ وتفتناز وأطمة، واشتباكات متقطعة بين الحين والآخر في مناطق متفرقة.
وتضارب المعلومات حول أسباب الخلاف، فبينما نقل «المرصد» أن القتال دار على خلفية استيلاء «هيئة تحرير الشام» على ورش تصنيع أسلحة تابعة لحركة إسلامية بريف إدلب، قالت مصادر ميدانية لـ«شبكة شام» إن التوتر «ظهر على العلن منذ إعلان تشكيل (الهيئة) وانضمام كثير من مكونات (الحركة) ككتائب وشخصيات عسكرية إلى (الهيئة). والأمر الذي زاد التوتر بين الطرفين، لا سيما، بعد سعي الهيئة لمشاركة الحركة في السيطرة على معبر باب الهوى في وقت سابق».
لكن مصادر أخرى تحدثت عن تصاعد التوتر بين الطرفين على خلفية مبايعة كتيبة التصنيع التابعة للحركة لـ«هيئة تحرير الشام»، حيث تتهمها الحركة بالعمل على جذب كتائب الحركة واستمالتها لتقديم البيعة.
ويُعدّ هذا التوتر، استمراراً لتوتر بدأ في يناير (كانون الثاني) الماضي، على خلفية اتهامات من قبل «جبهة فتح الشام» سابقاً (وهيئة تحرير الشام حالياً)، لـ«جيش المجاهدين» وفصائل أخرى، بتزويد التحالف الدولي بمعلومات عن قيادات «فتح الشام» وعناصرها ومعسكراتها، ليباشر التحالف الدولي بتوجيه ضربات متلاحقة استهدفت قياديين ومقاتلين ومعسكرات لـ«جبهة فتح الشام» قضى خلالها العشرات منهم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.